- محمود السالمي
السادة قراء فسانيا الاعزاء :
مرة اخرى نعود الى مضمار الاغنية الليبية وحديث جديد يجمعنا حولها ، لقد اعتمدت الاغنية الليبية حين التأسيس كما اوضحنا سابقا على الفن الشعبي الذى كان زادا تستمد منه الاغنية الليبية الكلمة واللحن والمعنى والفكرة .. ورغم ان طريقة اداء الفن الشعبي والالات المستخدمة فيه اختلفت حسب كل منطقة ، ففي حين اعتمدت بعض المناطق طريقة ونظام العرس الشعبي ، وحتى عندما تطورت الاغنية وادخلت الالات الحديثة التى جاءت عبر تأسيس الفرق الوطنية الموسيقية التى تجمع الموسيقى والتراث الشعبي ، اعتمدت مناطق اخرى على السير قدما فى تطوير الاغنية عبر تطوير الكلمة الجديدة وتحديثها والاستمرار فى تقديم الفن بنفس الالات التى اعتمد عليها الفن الشعبي .. ولاشك ان هناك مدنا شهدت فى فترات ماضية ارتقاء بمستوى ما يقدم الفن ومحاولات جادة فى ان تكون الساحة الفنية شاملة لكل الوان الفن والغناء والطرب .. فمدينة بنغازى منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي مثلت خير نموذج لما قلناه ، اذ شهدت هذه المدينة توافد اعداد كبيرة من المواطنين من مناطق الشرق والغرب والشمال والجنوب والذين حملوا معهم فنهم وتراثهم واغانيهم وطريقة ادائها لتجتمع فى هذه المدينة ، كما ان المناخ الفني والثقافى والاعلامي فى هذه المدينة والوعي المبكر بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية ووجود اصوات غنائية امتازت بالجودة والحرص على تقديم الافضل ، وتواجد عدد كبير من كتاب الاغنية المميزين بهذه المدينة ، وحرصهم على ادخال تحسينات دائمة ومستمرة على ما يقدمونه فى مجال كتابة الاغنية ساهم كل هذا فى خلق تنوع كبير واعطاء مساحة واسعة للابداع الفني .. والمتابع لبدايات الاغنية الليبية سيلاحظ ولاشك الكم الكبير من الاغاني التى تم غنائها ، وتناولت موضوعات شتى وافكار جديدة كما انها ساهمت فى ترسيخ الطبيعة الاصلية للاغنية عبر الاحتفاظ بروح التراث فيما يقدم ، كما ان المتابع سيلاحظ ان الاغنية هناك قدمت غناوة العلم عبر الموال وقدمت الشعر الشعبي والنظم المعروف له ، وقدمت القصيدة ذات التشطيرات المتعددة ، واخذت من التراث الشعبي وتحديدا العرس الشعبي اغانيه ، وساهم كتاب الاغنية والمهتمين بالتراث فى تطويرها بشكل كبير ، كما ساهم ظهور او افتتاح الاذاعة المسموعة او المرئية مساهمة فاعلة فى نشر كل ما كان يقدم ، حيث كانت الاذاعة المسموعة ومن ثم المرئية هي وسيلة الترفيه والتثقيف ، ووسيلة التلقى الوحيدة ولا وجود لاي وسيلة اعلامية سواهما يمكن ان تنقل التطور الذى شهدته الاغنية الليبية ، كما ساهمت فرقة الاذاعة حينذاك فى استقطاب الاصوات الغنائية الشابة واعطائها الفرصة لتقديم الموجود من اغاني ، فمن منا لم يتابع مثلا الفنان على الشعالية او الفنان سيد بومدين او محمد صدقى او غيرهم ممن تميزوا بغناء الاغنية المعتمدة او التى تعود فى اصولها الى التراث الشعبي ، وتعتبر الاسماء التى ذكرناها سابقا هي من اسماء الرواد الاوائل ، ثم شكل الجيل التالى او اللاحق رافدا آخر ومهم ساهم فى مزيد من التطوير للغناء ، خاصة بوجود كتاب محترفين للاغنية اذا جاز التعبير ، حيث كتب الاستاذ الفنان فرج المذبل روائعه فى الاغنية الليبية ونشرها مغناة عبر اصوات شابة اعطت انطلاقة اخرى ونقطة تحول فى مجال الاغنية الليبية ، فمن منا لم يتلمس جماليات اغنية ( يصعب علينا ) التى غناها الفنان عادل عبدالمجيد :
يصعب علينا تبعدوا وتنسونا * ياللى بحنان الحب والفتونا
موالفين بيكم ** من صغرنا واحنا اعزاز عليكم
ايش يا حبايبنا اللى ايخليكم ** تنسوا الغلا اللى بيه عودتونا
اللى ايصبرنا ** على البعد ذكراكم ان كان قدرنا
فى ليلنا وقتا ايطول سهرنا ** ايجى طيفكم كيف ما زمان اتجونا
ويعتبر الفنان عادل عبدالمجيد من الاسماء الكبيرة التى ابدعت ورافقها التمييز فيما قدمت فى مجال الاغنية ، حيث يظهر جليا حسن اختياره للكلمة ودقة التعبير والرغبة فى تقديم الافضل فى كل ما قدمه عبر رحلته الفنية الطويلة التى بدأت باكرا .
والفنان عادل عبدالمجيد هو الفنان عبدالمجيد ابراهيم جويلى من مواليد بنغازى عام 1946 ، تميز منذ صغره بموهبة الغناء والصوت الجميل ، التحق باكرا بركن الهواة فى الاذاعة ثم قدمه الفنان المرحوم حسن عريبي فى اول اعماله الغنائية تحت اسم عادل عبدالمجيد ، وقد صقل الفنان عادل عبدالمجيد موهبته عبر التحاقه بمعهد جمال الدين الميلادى للموسيقى وتخرج فيه بكفأة كعازف لآلة التشيلو الصعبة ، واعتمد كعازف ضمن الفرقة الموسيقية في ذاك الوقت تحت اشراف الفنان عطية شرارة .. تغنى الفنان عادل عبدالمجيد فى بدياته بالعديد من الاغنيات ، ثم كانت الانطلاقة مع الفنان ابراهيم فهمي بألحان مثل ( عيونك ياحلوة ، وبالله ياليل ، ثم اعتمد كملحن بأغنية فرح خاطري ) وتعددت عطاءاته مع العديد من الملحنين وان كانت الاغلبية للملحن ابراهيم اشرف ،، ووجدت اغنياته الصدى الواسع لدى المستمعين مثل اغنية ( ع الجبين مكتوب ، وحلو العتاب ، ويصعب علينا ، وسلام عابر ، وياسلام عالنسمة ، وانا عربي ، ويانهر هادر ، وهز الشوق وغيرها ) وما اروع ان تتابع اغنية :
حلو العتاب بين الصحاب عاتبينى * على غيبتي اتزيدى غلا فى عيني
تقولى الحيرة ** وخوفك عليا من الضنون والغيرة
عشتي معاها بين سيرة وسيرة ** فى غيبتي مش قادرة تنسيني
صعيب توصيفك ** ياللي على ما شفت ما ريت كيفك
فى غربتي نتعب ايجينى طيفك ** يمسح احزان البعد ويواسيني
شارك الفنان عادل عبدالمجيد فى العديد من المهرجانات المحلية والعربية ونال استحسان الجمبع ، وكان ضمن الخيمة الغنائية مع الفنان محمد حسن ،وقد غنى هذا الفنان المميز مجموعة اغنيات وجدانية ودينية ، وغاني اخرى لم تسجل وان غناها فى الخيمة الغنائية بعنوان على راحتك .. ولاشك ان الفنان عادل عبدالمجيد وهو الفنان المبدع والخلوق يحتاج الى عديد الدراسات لاستيفاء عطائه فى مجال الاغنية فهل هناك من يرى روعة اغنية هز الشوق :
هز الشوق حنايا الخاطر * حدر غيمك ياعيني ماطر
خطرت انت مسحت دموعي ** خطمت انت نورت شموعي
ياللى حتى وانت مباعد ** وين تخطر تهدا الخواطر
وين تخطر ربيعي الدايم قلبي الهايم ** ايطير بشوقه مع النسايم
شورك يالغالي عليا
وننسى مع فرحة ميعادك ** مر بعادك
ونرحل فى زمن ودادك ** ونشوفك حنون عليا
ياللى حتى وانت مباعد ** وين تخطر تهدا الخواطر
وين تخطر ياحب سنيني ** تفرح عيني
تهدا روحي ايروق حنيني ** ذكرى ايامك يا هوايا
وايامك عايش من صغري ** رحلة عمرى
ونسيانك ما ايراود فكري ** ان كان بعيد ولا معايا
ياللى حتى وانت مباعد ** وين تخطر تهدا الخواطر
دمتم طيبين