ليبيا سكون بين حركتين

ليبيا سكون بين حركتين

أحمد ناصر قرين

في البدء لم يكن ثمة شيء. مساحة شاسعة جرداء وتجمعات سكانية متناثرة و جماعات بشرية متنازعة متنافرة . لاشيء سوى هذا الفراغ البري بما هو امتداد للفراغ البحري الذي أسماه الأغريق البحر الليبي, والذي يمكن اعتباره من وجهة نظر حضارية صحراء بحرية . ولم يكن يقطن هنا سوى الفقر والجهل والمرض-أقانيم التخلف الثلاثة.

كانت هذه المساحة الشاسعة تتأرجح مائعةً كجسر من الرمال تمثل حدوداً فاصلة دائماً بين وادي النيل وشبه جزيرة شمال أفريقيا, حتى ترسخت بكياناتها الحديثة وهوياتها الخاصة . وتركت هذه الصحراء لحالها تبحث لها عن هوية تنتشلها من العدم .

بالكاد وجدتها, كانت هوية مضطربة, لم تنضج بشكل كافٍ لبلورة نظام راسخ ومتماسك ومستمر(على الأقل). فصار تاريخها,الى الآن, سلسلة من الانقطاعات . كل مرحلة تدّعي أنها تستطيع صياغة هوية متينة ومستدامة لنا .

هذه الفجاجة في الهوية رافقها, مدفوعاً بأقانيم التخلف, فجاجة في بناء الهياكل الاجتماعية التي تديم سيرورة عمل المجتمع وتطوره. فلطالما كانت رابطة الدم أو ما شابهها هي المؤسسة الاجتماعية الوحيدة الفعالة . لم يكن ثمة جهاز بيروقراطي متصل يدير شؤون هذا الكيان باستمرار. لم تكن ثمة إدارة لهذا الكيان.

هل وُجدت إدارة عثمانية ؟ ربما ..لكنها إدارة متخلفة مترهلة وحتى حدود سلطتها الفعلية غير مؤثرة لبناء نظام مستدام . كان ما يهم هذه الإدارة جباية الضرائب والمحافظة على تواجد نفوذ الامبراطورية على هذا الكيان لأغراض جيوسياسية .

لم تدم الإدارة الإيطالية بعدها أكثر من ثلاثة عقود . لم تبسط سلطتها بشكل كبير حتى وقت متأخر. لكن نفوذ هذه الإدارة كان أكبر من نفوذ سابقتها لعدة عوامل, ربما أهمها تطور وسائل النقل من الحيوانات الى الآلات. فالسيارات عموماً قصرت المسافات نسبة للزمن, فعرفت مناطق كثيرة, لم تكن تخضع لسلطة إدارة مركزية من قبل, معنى الخضوع لسلطة أكبر منها ولها القدرة على التواجد المستمر. لكن كل هذا لم يكن له تأثير فعال في بلورة مؤسسات دائمة .

ألم يكن هنا تجمعات أو تنظيمات ما خلال كل هذا الفترة ؟ ربما إن وُجدت فقد جاءت على عجل, تتشكل وتنفرط حسب الحاجة والظروف الآنية .فالفرز كان دائماً أفقياً, حسب روابط الدم ومثيلاتها. ولم يتطور المجتمع ككل حسب السنن المعروفة لتطور المجتمعات ليصير الصراع عمودياً طبقياً, وهو الصراع الوحيد السوي داخل المجتمعات, والذي يؤدي الى تمازج الأفراد في كيان به الحد اللازم من التجانس لخلق هوية جامعة وانتماء أشمل وأفق أوسع. بخلاف الفرز الأفقي الذي يعمل على هشاشة المجتمع وتفتته .

فمنذ البدء, وعندما نزعت حركة التاريخ نحو تشكيل كيانات حديثة على هذه الرقعة الجغرافية المترامية, والتي اصطبغت بهوية عربية اسلامية, واستمرت مطمئنة بهذه الهوية قروناً. حتى فرض علينا مسار التاريخ المراوغ تحدياً لم نعهده . حينها لم يعد أمامنا سوى أن نجترح هذه الهوية الخاصة وإن جاءت مضطربة .

كان التنازع بين فكرة الأمة وفكرة الوطن محركاً قوياً في صياغة هذه الهوية, لم تعد الفكرة الأولى صالحة كما عاشت سلفاً, ولم تتغلغل الفكرة الثانية بما يكفي لتصير أساساً للهوية الجديدة, ولم يسفر هذا التنازع عن تسوية متزنة. فلازالت فكرة الأمة (مهما كان وجهها) هي المسيطر الأكبرعلى الفكرة المنافسة . فسواء كانت الرابطة إسلامية أو عروبية, فهي المهيمنة على هويتنا دون أن يكون للجغرافيا نصيب في هذا إلا قليلاً .

كانت فترة الإدارة البريطانية التي سبقت الإستقلال, أكثر زخماً من سابقاتها.وُضعت بها لبنات لبناء الكيان المستقل, وتأسست بها بعض الهياكل الاجتماعية و السياسية والثقافية : أحزاب , نقابات,اتحادات, روابط, صحف,نوادي وغيرها . لم تكن هذه الأجسام تعمل بيسر, إغلاقات, مطاردات, واعتقالات تطالها وتطال أعضاءها, حتى ما بعد الإستقلال . لكنها وفرت حراكاً وإن كان محدوداً . بيد أن تصفيتها أوتدجينها واحتوائها كان سهلاً كما سيتبين لاحقاً.

يمكن النظرللفترة ما بين منتصف الستينيات حتى منتصف السبعينيات على أنها أزهى فترات الشخصية الليبية فقد وصلت الى أفضل حالاتها وأعلى تجلياتها الممكنة. وإذا أردنا أن نؤرخ لها بالأحداث, فيمكن إرجاعها الى ثورة الطلبة ضد السلطة في يناير1964 وثورة السلطة ضد الطلبة بإسم الطلبة في أبريل 1976 .

فبغض النظر عن بواعثها ومسبباتها الأولى الظاهرية, التي تبدو ضيقة وتقع تحت تأثير خارجي, وليس لها علاقة مباشرة بحدث ما يمس الحياة العامة, فقد أبانت عن شعب عبر عن رغبته في أن يكون فاعلاً ومؤثراً في الشأن العام . فجاءت نتائجها لتصب نحو المزيد من تعزيز الحريات ومباديء العدالة الاجتماعية , ونحو المزيد من تماسك المجتمع ,ككل, فانفتح المجال أمام الطبقة الوسطى الناشئة, حينها, مع بدء تدفق عوائد الثروة النفطية. انفتح المجال لصياغة توجه وطني مدني لا يخضع للسلطة مباشرة ولا يأتمر بأمرها . وعملت هذه الطبقة, بطبيعتها المرنة, على تعزيز هذه القيم لمدة تقارب العقد من الزمن .

لا أريد أن أرسم صورة زاهية كثيراً لتلك الفترة, لكنها مقارنة بما سبقها وبما تلاها, كانت النقطة التي وصل فيها المجتمع الليبي (ككل- كمجموع أفراد) الى قمة, كان من المفترض أن يواصل صعوده بعدها, نحو التحول من الفرز الأفقي الهوياتي الى الفرز العمودي الطبقي . لكن عند هذه النقطة بدأ في الانحدار نحومنزلق قادنا الى سفح من الجمود والسكون والتقوقع .

تمكنت حركة اللجان الثورية, بعد أحداث أبريل 76, أن تعلن نفسها جسماً وحيداَ لممارسة , ليس الحياة السياسية فقط, بل مجمل الحياة العامة . وبعد أن تشبثت بجميع مفاصل الدولة ومؤسساتها, مدت نفوذها الى المجتمع ككل, في كل المجالات وعلى كافة المستويات , وعملت كآلة رصف عملاقة في تسوية جميع الأجسام الآخرى بالأرض, من نقابات واتحادات وروابط وجمعيات ومؤسسات صحفية وحتى أطلال الأحزاب التي كانت تعمل في الخفاء وتحت التهديد المستمر بالمطاردات والاعتقالات .جرّمت الحزبية واحتكرت ممارستها وحدها فقط .لم ينجُ من هذا المصير سوى حركة الإخوان المسلمين ,التي احتفظت بقواعدها في الخارج, وبهيكليتها التنظيمية سليمة بشكل كبير, وكانت اللب الفاعل في أول جسم معارض للسلطة في الخارج .

إتكأت حركة الإخوان المسلمين, كما يبدو من اسمها, على الرابطة الإسلامية, على البعد الديني, أحد وجوه الهوية الإجتماعية . فيما استندت حركة اللجان الثورية,منذ ما قبل إنشائها, على الرابطة العروبية, على البعد القومي, الوجه الآخر للهوية الإجتماعية . في الوقت الذي مُني به هذا التيار بأكبر هزائمه في 1967, وبدأ هذا المد(الذي كان جارفاً)بالتراجع والانحسار. ومع الموجة الثانية للإنقلابات في البلدان العربية,رداً على تلك الهزيمة , استولى الضباط الوحدويون الأحرار على السلطة, وعملوا على احتكارها شيئاً فشيئاً, ومارسوها بالحد الأقصى من التعالي و الشوفينية.

لسنا إستثناء, فهذه المنطقة الواقعة جنوب وشرق المتوسط, والممتدة من مضيق جبل طارق حتى ما بعد بحر قزوين, تنتمي الى فضاء حضاري واحد ولها نسيجها الفكري والثقافي الموحد, وتعاني من نفس الأعراض ونفس الأمراض الإجتماعية . هذه الأعراض التي تتجسد لدينا بشكل مُكثّف ومُركّز, حتى تكاد تكون ليبيا عينة لخلاصة ما تعانيه هذه المنطقة كلها .فمنذ أكثر من قرنين, ومع بداية الهجمة الاستعمارية الاوروبية على المنطقة, وجدت المجتمعات التقليدية نفسها في مأزق كبير. فقد فقدت بناها الفكرية و هياكلها الإجتماعية فعاليتها ومبرر وجودها,بفعل هجمة الحداثة والتغريب القادمة بعنف من الفضاء الحضاري الأوروبي, هذا الفضاء الذي طالما كان العدو الأول والقريب . ومع تلك الهجمة الشرسة, وجدت هذه المجتمعات نفسها مصابةً بجرح ٍ نرجسي ٍ عميق, وصار مجمل تاريخها صراعٌ عنيفٌ بين ذاتها وبين الآخر (الغرب)وبـين ذاتها وذاتها . ومنذ رفاعة الطهطاوي وحتى اليوم, لم يعد أمامها سوى سؤال وحيد مُلِـحّ ِ , سؤال الأصالة والمعاصرة, والذي لم تفلح في الإجابة عنه بشكل متوازن, ومن ثَم الإنتقال الى الأسئلة التي تليه . وحين وجدت نفسها مُجبرة على التشكُّل في كياناتها الحديثة, كانت لفكرة الأمة,كما توارثتها أجيال متلاحقة, النصيب الأكبر في تحديد هوياتها, وإن صارت فكرة الوطن تطفو على السطح في محاولة لإيجاد مستقر لها .

مابين هزيمة 67 وحرب أفغانستان, وهي الفترة البرزخ التي صار عندها المد القومي, المدعوم بنزعة اشتراكية, ينحسر ويتراجع , والمد الديني, المدعوم بمعاداة الإشتراكية, ينتشر ويتغلغل. في هذه الفترة البرزخ, بدأت حركة اللجان الثورية رحلة هيمنتها المطلقة, على كافة مناحي الحياة العامة, وحتى الخاصة أحياناً . وعملت على صياغة الواقع حسب رؤاها المبتسرة, بغوغائيتها وفوضاها وضحالة فكرها . نجحت فيما أرادت نجاحاً مبهراً . ولم يعُد سواها في الساحة لعقود من الزمن . لم يعُد سوى خيمة وعباءة وناقة, تقود تنظيماً يُشرف على حياتنا بأسرها .

حين تهاوى هذا التنظيم, مُخلّفاً ورءاه ركام مؤسسات نخرة, استعد غريمه لوراثته, مدفوعاً بفكرة التمكين, ومستفيدا من خلو الساحة تقريباً. فالأجسام التي تشكلت كمنافس لهم, والتي انضمت لبعضها تحت اسم تحالف القوى الوطنية , كانت هشةً, فقد تشكلت على عجل ولغرض انتخابي والتفّت حول شخص ٍ واحد, اكثر مما التفّت حول فكرة أو رؤية مختلفة . فلم تستطع أن تبلور مشروعاً وطنياً جامعاً أو أن تنشيء لها قواعد شعبية منظمة .فرغم حصولها على أغلبية كبيرة في أول انتخابات, لم تقدر أن تستثمر هذا النجاح على أرض الواقع . فصارت الكلمة الفصل للأكثر تنظيماً وتمويلاً وللأفضل إعلامياً ولمن يملك أذرعاً عسكرياً أقوى . وحتى المحاولة التي تبنتها مؤسسة القبيلة للحد من نفوذهم,بلملمة فلول المؤسسة العسكرية, لم تسفر سوى عن تحويل (الرجمة) الى تكرارٍ سمج وركيك ٍ ل(باب العزيزية) .ولم تزِد شيئاً سوى أن أضافت للميليشيات المتغولة, واحدة أخرى, واحدة كبيرة تتقمص هيئة مؤسسة محترفة .

تماهت حركة الإخوان المسلمين مع حركة اللجان الثورية, فما هما سوى وجهين لعملة واحدة, حيث أن منبعهما الأول هو الهوية, والهوية بما هي مرجع للعمل السياسي والايديولوجي لا بد أن تُفضي- بطبيعتها- الى تنزيه الذات وتسفيه الآخرين. لا بد أن تقود الى فاشيةٍ ما, لا تقبل سوى ذاتها .

ومن مظاهر هذا التماهي الواضحة, أن الأولى جاءت بقانون العزل السياسي تقليداً لاواعياً لخطاب زوارة, وكانت حرب المطار إعادةً لأحداث 7ابريل , وحكومة الإنقاذ التي تلت هذه الحرب تشابه إعلان قيام سلطة الشعب في 2مارس . ومن هذه المظاهر ما يعلنه خطاب الحركتين : كل من لا يؤيدني فهو يؤيد الطرف الآخر … يركزخطاب الإخوان الإعلامي على هذه النقطة ويؤكدها باستمرار: نحن الثورة , ومن لا يوافقنا فهو من الأزلام , واللجان الثورية يعيدون ويكررون دائماً : كل من أيد أو وقف مع 17فيراير هو جرذ إخواني . هكذا وبكل صفاقة,يُردّد الكثيرون هذا الكلام, خبثاً أو سذاجةً, فلا عجب فالخبث لا يقتات سوى بالسذاجة .

عاد هؤلاء من المنافي او خرجوا من السجون, فيما فر أولئك الى المنافي أو اودعوا السجون. انقلبت الآية, صار السجين سجَاناً, فيما أضحى السجَان السابق سجيناً. عاد هؤلاء يحملون أحقادهم وضغائنهم, عادوا بأحاسيس البارانويا والفصام واشكال الخلل النفسي الاخرى, ليعوضوا أنفسهم, عن سنين الكفاح والمطاردات والتشرد , وليؤسسوا لسلطتهم القادمة. وفر اولئك بما نهبوه على مدى سنين سلطتهم, ليعيدوا تأسيس قنواتهم وصحفهم,التي يعملون بها على تأجيج أحقادهم وضغائنهم, انتقاماً لفقدان سلطتهم المطلقة. وتعويضاً عن هذا الفقد,وبتنزيه مرَضي للذات, ينفون عن أنفسهم أي مسئولية عما آلت اليه الأحوال . ويرفضون مجرد سماع أن السبب الأكبر و الأول للحرب الأهلية هو الخلل الفاضح في توزيع القوى, والذي كان المسئول المباشر و الاول له هو حركة اللجان الثورية التي احتكرت مجمل النشاط العام, ولم تترك مجالاً, ولو يسيراً لسواها . وهي التي أشعلت الفتيل الأول لهذا الحرب, حين رفضت بتعال وازدراء للآخرين, رفضت التنازل ولو بجزء يسير عن سلطتها الشاملة . كما صارت حركة الإخوان المسلمين, المسئول الأول عن الموجة الثاني من هذه الحرب,حرب المطار, حينما أرادت أن تحتكر السلطة لها وحدها .ولن أتحدث عن النتائج الكارثية لهذه الجريمة الحمقاء, فقد عايشناها وأكتوينا بها . وما الموجة الثالثة للحرب, جنوب طرابلس يوم 4/4, سوى محاولة رعناء, ومقامرة هوجاء, لمعالجة هذا الخلل .

لم يعُد لحركة اللجان الثورية, هيكيليتها الأولى وتراتيبتها, لم يعُد سوى مجاميع من الموتورين, فاقدي حظوة سابقة, أعادت ترتيب صفوفها, بمسميات جديدة. لها القدرة على التمويل وحشد الأنصار, يمتلكون خبرة طويلة في العمل المنظم . ورغم ذهاب سلطتهم , إلا أن قدرتهم على الفعل لا زالت كبيرة ومؤثرة , ولا يمكن تخطيهم في أي تسوية أو صفقة . وهذا ما أدركه الإخوان أو من تصدي لمقارعتهم .

ها قد مرّت عشر سنين على بداية الحرب الأهلية, وهي فترة ليست شيئاً في عمر الأوطان, لكنها في عمر الأفراد فترة ليست هينةً . عشر سنوات تشرذمت فيها القوى الداخلية, لصالح تدخلات خارجية . وها قد نضجت تسوية خارجية, بشكل أو بآخر , ولم يبق سوى التسوية الداخلية اللازمة, لوضع لبنات الإستقلال الثاني, على أسس أكثر متانة .لخلق آلية ناجعة لمعالجة تناقضاتنا الداخلية, وبلورة مشورع جامع يلبي (على الأقل)الحد الأدنى من التناغم والانسجام . وهذا يستلزم كخطوة أولى أن تتراجع كل الأطراف خطوة أو أكثر للخلف, مع الإعتراف ضمناً أن فكرة المغالبة, هي التي قادتنا الى هذا التيه و الدمار ,علينا أيضاً أن نجترح صيغة ما تلبي الحد اللازم من الفكرة المضادة للمغالبة, فكرة توازن القوى رادعاً للاستبداد والطغيان الفردي والجماعي .صيغة تنبع من بيئتنا ومن خصوصية الحالة الليبية . من هذه الجغرافيا والديموغرافيا, مادتي التاريخ . عسى ان تكون إفرازاتنا القادمة أفضل و وعسى ان نكون قد استفدنا من هذه الدروس الدامية, لتحويل عوامل الضعف الى عوامل قوة .

هل هذا ممكن ؟على الأقل, نظرياً ممكن, رغم أنه ليس كل شيء ممكن . فالعوامل الفاعلة في سيرورة الأحداث, محكومة بحدود,بطبيعتها, لكن هذه الحدود تترك المجال مفتوحاً للتطورات الغير منتظرة , والتي لا تتقيد بأي حتمية كانت .هل اتوقع حدوث معجزة ما ؟ ربما, من يدري أو يوقن تماماً . رغم ان المؤشرات لا تبشر بالكثير مما نصبو اليه . لكن لا أحد يمكنه الجزم بما سيحدث. فالعالم دائماً في طور التشكل, والعمليات الإجتماعية تمر بتفاعلات معقدة, فالإنسان أجمالاً أكثر الكائنات تعقيداً وغموضاً .

هل يبدو كل هذا متناقضاً؟ قد يكون كذلك, غير أن التناقضات هي طبيعة الإنسان والمجتمعات, وهي الخميرة التي تُسرع من التفاعلات المطلوبة لأي تغيير منشود .

لن أُفرِط في التفاؤل, كما أني لن أوغِل في التشاؤم(رغم أن بعضَ التفاؤلِ تخديرٌ وبعضَ التشاؤمِ تحذيرٌ,كما أن بعضَ التفاؤلِ تحفيزٌ وبعضَ التشاؤمِ تثبيطٌ) . لكن علينا أن لانيأس من حدوث المعجزات.فمن ذا الذي يجزم بأن عصر المعجزات انتهى؟ وهل بالضرورة أن تأتي المعجزة دفعة واحدة, في يوم وليلة . يكفي أن تتراكم نتف من المعجزات الصغيرة, منبثقة من الممكنات, لتُشكّل من طبقاتها المتتالية معجزة كبرى, فليس حتماً علينا أن نحيا في السكون دائماً………

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :