جماليات الفلم العربي بعيون ليبية*

جماليات الفلم العربي بعيون ليبية*

كتب :: *رضوان ضاوي، باحث في الأدب المقارن-الرباط/المغرب.

قراءة في كتاب “جماليات السينما: الصورة والتعبير-دراسة-” للفنّان والباحث الليبي عبد الباسط الجهاني.

 الجهاني، عبد الباسط، جماليات السينما: الصورة والتعبير-دراسة-، دار “إي-كتب”، لندن، 2017.

يتكون كتاب عبد الباسط الجهاني- فنّان وباحث ليبي مقيم في ليبيا- ” جماليات السينما: الصورة والتعبير” من خمسة فصول ومقدمة وخاتمة. تناول الفصلان الأول والثاني ما سماه الجهاني “المفهوم الجمالي وجمالية الصورة السينمائية”، وخصص المؤلف الفصلان الثالث والرابع لتقديم معلومات مهمة عن “درامية الصورة” و”الصورة وتقنيات آلة التصوير”، بينما اهتم في الفصل الخامس بالحديث عن مستويات التعبير في الصورة. أما الفصل السادس والأخير فقد قدّم فيه المؤلف دراسة تحليلة تطبيقية لمجموعة من الأفلام المغاربية.

ينطلق المؤلف الجهاني من فكرة جوهرية، مفادها أن الصورة السينمائية في الفيلم الروائي والتسجيلي شغلت الفكر الفلسفي والجمالي والنقدي باعتبارها المادة الرئيسية. لهذا فإن” الصورة توفر إمكانية التفكير والفهم لعدد كبير من الاهتمامات بسبب كثافتها الدلالية وثراءها الرمزي”. لهذا فإن هذه الدراسة تبحث في “كيفية عمل جماليات التعبير للصورة في الفيلم الروائي العربي”.

لا أحد يستطيع أن يجادل في أهمية تحديد مصطلحات الدراسة في البحث العلمي، فالمفاهيم العلمية تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للباحث، لهذا عمل المؤلف على تقديم وشرح مفاهيم أساسية في دراسة جماليات السينما المغاربية، في الحقل الأدبي والفلسفي والعلمي، واختيار الحقل العلمي المناسب لدراسة جماليات الفلم المغاربي. وهذه المفاهيم هي مفهوم  الصورة السينمائية (الصورة هي التي تكون على نفس المستوى مع مفردات الفيلم السينمائي الأخرى بقصد الوصول إلى التعبير إما جمالياً أو فكرياً”)، والتكوين( “التكوين هو تنظيم عناصر الصورة داخل حيزها وصولاً للشكل الجمالي والمضمون التعبيري)، والإطار (الإطار ينظم العناصر المكونة للصورة ويحدد نظرة المشاهد ويوجه إحساسه بتلك العناصر) والتعبير.

في الفصل الأول يتناول المؤلف المفهوم الجمالي من خلال إستعراضه لفلسفة الجمال إبتداء من افلاطون ومرورا بــ(شيللر). هكذا تطرق المؤلف إلى هذا المفهوم كما جاء في المذهب الحسي وعند العقليين وكما يحيل عليه الانفعال الذي يخص طبيعتنا الإنسانية. ويرفض الجهاني وجود معيار لقياس القيمة الجمالية في العمل الفني، لأن من خصائص المعيار الجمالي أن لا يكون ثابتاً. وبهذا المعنى يمكن جعل القيمة الجمالية “لا في الجميل وحده، وانما القبيح أيضا يدخل في المفهوم الجمالي للصورة.

ولتجاوز هذه الوضعية، يقترح الجهاني في الفصل الثاني دراسة موضوع جمالية الصورة السينمائية فيشير إلى أقوال العديد من المؤرخين الذين تحدثوا عن (جورج ميليه) باعتباره واضعا للتقاليد الإنطباعية السينمائية وأن النقلة النوعية للسينما كانت على يديه وذلك من خلال محاولته إضفاء واقع من الخيال والأحلام على السينما. وتناول المؤلف أراء وتنظيرات أهم الحركات السينمائية وما يتمثل فيها من اتجاهات مختلفة بداية بالاتجاه الشاعري، ثم ما قاله أوائل علماء الجمال الذين اهتموا بالسينما مثل (ايلي فور) و(شووب) و(رينه كلير) الذي قال إن الفيلم الناجح يعتمد على المغزى والعواطف، والانفعال والحركة والإيقاع. والمفهوم الجمالي هنا يعتمد على الفيلم والعدسة من خلال العلاقة بينهما التي أساسها التتابع الحركي أو الصوري.

اهتمت الصورة السينمائية السريالية تهتم بالشكل المحير الذي يصدم المشاهد ويحفزه معتمدة على الدهشة والغرائبية، ولم تعد الصورة في كثير من معانيها محاكية للواقع. في حين انشغلت الحركة التعبيرية الألمانية بمحاولة التعبير عن المعنى. وأثارت (الموجة الجديدة) الفرنسية(1958-1959) التي ضمت مجموعة من الكتاب والرسامين والسينمائيين أبرزهم (فرانسوا تروفو) و(كلود شابرول) و(جان لوك جودار) رد فعلها اتجاه الشكل التقليدي للفيلم السينمائي. وعليه سيقوم المؤلف بعرض ومناقشة تنظيرات الواقعية بمختلف اتجاهاتها السينمائية التي هدفت إلى أن تكون السينما معبرة عن الواقع.

ومن خلال الطرح الذي قدمته (السنيما – عين) يؤكد المؤلف على إن جمالية السنيما تكمن في اهتمامها إلى الوصول للحقيقة من خلال اعتمادها على موضوعية آلة التصوير. لهذا قد يلاحظ المؤلف أن المدرسة الفرنسية تنعت نفسها بالواقعية. ويشير (بازان) بأن كل عصر يبحث عن واقعيته حيث لا توجد واقعية واحدة بل واقعيات، والواقعية هي تلك التي تنبع من جمالية الواقع. ومن خلال ما استعرض حول أبرز تنظيرات الواقعية بخصوص جوهر السينما يتضح أن السنيما هي فن التعبير عن الواقع بالصورة.

وفي الفصل الثالث يتناول المؤلف موضوع درامية الصورة. فالفلم السينمائي في الأصل هو قصة مروية بالصور. وهذا يعني أن الفيلم السينمائي يضغط الأحداث فضلاً عن كون الصورة هي تكثيف للفعل. والحوار في الفيلم السينمائي ينهض بمهمة كشف الموقف أو دفع الحبكة إلى الأمام أو تطوير فكرة الموضوع أو جعل وصف الشخصية أكثر تأُثيرا. كما يتضح أن الصمت يكون التعبير عنه بالصورة أعمق وأشد تأثيرا فالصورة ينبغي أن تكون حاصلة لقدر كبير من التأثير الدرامي ومن خلال تشابك عناصر الدراما تكون القيم الدرامية واضحة.

إن الفكرة الجوهرية التي بنى عليها الجهاني دراسته هي أنّ  الوحدات الخاصة بالتعبير الدرامي في الصورة السينمائية تعتمد على التكوين والإضاءة وزاوية وحركة آلة التصوير وكذلك العناصر الأخرى من موسيقى وحوار ومؤثرات صوتية، ومؤثرات بصرية، بالإضافة إلى (المونتاج) من حيث سرعة الإيقاع ووسائل الانتقال. وإلى جانب الصوت هناك الموسيقى التي لها أهمية في تقديم القصة وتصعيد المشاهد الدرامية وفي بعض المشاهد المتسلسلة يبدو من المهم تصعيد الموسيقى لإبراز الحدث كما في فيلم (الهارب من الجندية) إخراج (بودوفكين).

في ضوء كل هذه المعطيات سيتناول المؤلف في الفصل الرابع الصورة وتقنيات وحركات آلة التصوير، وأحجام اللقطات وأنواعها وزواياها، ، والمؤثرات البصرية والصوت وذلك لما لهذه التقنيات من فاعلية في ايصال المضمون. أما الفصل الفصل الخامس فتحدث المؤلف عن مستويات التعبير في الصورة السينمائية التي هي نتاج لفهم وتوظيف وسائل التعبير السينمائي، فكما أشار (بيركينز) بأن الوسائل الأساسية للتعبير الفني هي الصورة المركبة والمقربة والمونتاج.

وفي ضوء ما تقدم فإن التعبير له مستويات متعددة وكلها تدخل في الفيلم السينمائي وبهذا فإن للتعبير شكلا ومضمونا لإيصال الإنفعال وفق تقنيات السنيما المعتمدة على الحركة داخل الصورة وحركة آلة التصوير وحركة المونتاج وحركة الفيلم ككل. إن الشكل الفني الجمالي والمضمون الفكري يدفعان لأن يكون التعبير أكثر قيمة لأن الصورة السينمائية تسعى للاكتمال لأن الفعل في الفيلم متدفق وكل صورة تستدعي صورة أخرى تمثل تعبيرا عن الموضوع.

خصص المؤلف الفصل السادس والأخير للجزء التطبيقي، حيث قدم دراسة تطبيقية مقارنة لمجموعة من الأفلام السينمائية الروائية العربية التي تم إنتاجها في البلاد العربية. وحرص المؤلف على تنويع اختيار عينة الدراسة إذ شملت أفلاما ذات مواضيع مختلفة. وبدأ المؤلف تحليله المقارن بفلم “ظل الأرض”. اختيار الباحث لهذا الفلم موفق جداً، ذلك أن المخرج حاول أن يعالج موضوع علاقة الإنسان العربي بالمكان، وموضوع الهجرة إلى الخارج، وعلاقة السلطة بالموطن، ووضعية الهوية المحلية في ظل التكنولوجية المتقدمة. وجاء الشكل تعبيرا عن المضمون ممثلا في اندماج العائلة بالبيئة، فالطفل مستقبل والأم الحاضر، والشيخ الماضي. يقول المؤلف: إنه تعبير مباشر عن عمق التلازم، بين الأجيال وإن تعاقبت وتجاورت.

أما اختيار المؤلف لفلم “نسيم الروح” فقد جاء بناء على قصة الفلم التي اجتهد المخرج فيها بأن يطرح علاقة حب تبدو غريبة من نوعها وتفتح بابا لفهم الواقع وما يفرضه من سلطة وتسلط واقتحام وزلزلة وطمس وتدمير لإنسانية الإنسان وتجتهد في تهميشه وتقزيمه للتعبير عن حالات يصعب البوح بها. بالتالي المضمون في الفيلم كان يتعدى كونه قصة حب إنسان لإنسان أن الحلم مهما بلغ من رعب وهو متخيل فإن الواقع أكثر شراسة وأعمق تحولا في تدمير الإنسان.

  يمكن تلخيص حكاية الفلم الثالث “لوس وردة الرمال” في عرض حياة امرأة وكفاحها في سبيل العيش إلى جانب إعالة أخيها الوحيد المعاق جسديا العاطل عن العمل في مجتمع صحراوي. من خلال حكاية الفيلم حاول المخرج أن يطرح قضية عجز الإنسان في مواجهة الحياة وهيمنة الطبيعة عليه، بالإضافة إلى تأكيده على مسألة الحلم، الحلم بالزواج، وبالمال والمطر، والسفر والهجرة مع اصطدام الأحلام بواقع المكان الذي لا يرحم وبعادات وتقاليد لا تعترف بغير الموروث. أما في العينة الرابعة وهي فلم “شاطئ الأطفال الضائعين”فإن حكاية الفيلم تبني جماليتها (جمالية القبيح) من بوجود فتاة تقيم علاقة غير شرعية مع رجل، وينتج عن هذه العلاقة قتل الفتاة لهذا الرجل لأنه رفض الزواج منها، وقد أسفرت هذه العلاقة عن حمل الفتاة مما أجبر أباها وزوجته على حبسها داخل البيت ومنعها من الخروج خشية الفضيحة والعار، ولكن أمرها يفتضح فتحاول الفرار بإبنها. يقول المؤلف إن جمالية الفلم لا تتجلى في مضمون القصة، ولكن في عنوان الفلم (شاطئ الأطفال الضائعين) الذي يؤكد قضية الطفل الذي يوضع في متاهة الضياع ويتعرض لقسوة البشر والمجتمع.

في العينة الأخيرة اشتغل المؤلف على فلم “المومياء”، وتتلخص حكاية الفيلم في قصة أهالي دير البحر بمنقطة طبية في مصر، يتوفى زعيم القبيلة فيرثه أبناءه مقتنيات (فرعونية) تتمثل في آثار ومومياءات وأفراد القبيلة يعيشون على بيع هذه الآثار للتجار، ولكن بعد وفاة زعيم القبيلة يرفض أبناءه السير على الطريق المتبع في القبيلة لشعورهما بأن ما يحدث يعتبر سرقة إرث حضاري بأكمله فيقرر تبليغ المختصين بمكان تلك الآثار، ويتم نقلها عبر مركب في النيل.

من خلال هذه الحكاية طرحت مسألة الماضي والحاضر وتقديم هذا عبر التكوين التشكيلي البصري، الذي اعطى قيمة جمالية وتعبيرية للفيلم من خلال البحث في موضوع هوية الإنسان المصري التاريخية”.

وضمن الملاحظات الختامية في هذا العرض يمكن أن نقول إن المؤلف قد رصد هذه الأفلام لأكثر من مرة وقام بعملية التفريغ على حسب نوع وعدد للقطات مما أوضح العلاقة بين المستويات الثلاثة بالصورة أي علاقة الإنسان بالأشياء والمكان ونوع العلاقة الصحيحة التي تفرضها البيئة. وبهذا المعنى فإن هذه الأفلام حاولت باجتهاد أن تستخدم اللغة السينمائية في التعبير. ورغم الاسئلة التي يمكن أن يطرحها قارىء هذا الكتاب، فإن الفضل يعود إلى صاحبه في تشخيص العديد من جوانب القصور التي تعاني منها المدرسة النقدية المغاربية في السينما، وكذلك المدرسة المغربية، وفي تحديد آفاق جديدة للتفكير من أجل تجاوزها، وهي آفاق يجب إعادة النظر فيها.

(الأفلام ) العربية موضوع الدراسة:

  • عبد السلام، شادي، فيلم المومياء مصر 1967.
  • الوحيشي، الطيب، فيلم ظل الأرض تونس 1982.
  • عبد الحميد، عبد اللطيف، فيلم نسيم الروح سوريا، 1998.
  • بالحاج، محمد، رشيد، فيلم لوس وردة الرمال، الجزائر 1989.
  • فرحاتي، الجيلاني، فيلم الأطفال الضائعين، المغرب 1992.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :