جنّة التماسيح

جنّة التماسيح

هند الزيادي

يقول الخبر: “قتلت مجموعة من القرويين  ثلاثمائة تمساح في محميّة مّا في مكانّ مّا  وسط خارطة العالم.وارتكبت هذه المذبحة انتقاما لرجل من سكّان تلك المقاطعة يُعتقد أنّه قتل في هجوم عليه من تمساح في تلك المحميّة”

هكذا قرأت الخبر مثلي مثلكم، فاستغربت من شدّة بأس هؤلاء القرويين الطيّبين.رغم أنّ معرفتي بهم لا تكاد تكون عميقة، فأوّل قروي منهم صادفته كان يرعى أغنامه في منطقة ممنوعة، حاولت تحذيره لكنه لم يفهم إشارتي وتجاهلني بغباء. ثم رفع قميصه وبال على أقرب شجرة له معطيا ظهره لي و للاغنام حياءً من أن تراه.لم يكن يعلم أنني رأيته لما واقع نعجة رغما عنها ظانّا أن لا أحد يراه.طيبون جدا.رأيته وسمعت صرخته لما وصل إلى النشوة فجفلت النعجة وركضت منه تاركة عضوه يقطر .وجفل القطيع فجرى خلفه يجمعه من جديد وهو يمسح عضوه في طرف قميصه وقد انصرف ذهنه بسرعة عن شهوة النعاج إلى فكرة أخرى بعد أن شبع.

طيبون هؤلاء القرويّون.معظمهم يعمل إمّا في مصانع الكابلات البلاستيكية والكهربائية وغيرها وإمّا في محميّة التماسيح بينما البقية الباقية ومعظمها من النساء تتوزّع خادمات في بيوت السّكان الجدد الذين جاؤوهم من وراء البحار طمعا في هوائهم النقيّ ويدهم العاملة البخسة لازدهار مصانعهم وأعمالهم.الرّجال كانوا يعلمون أن الهواء النقي واليد العاملة البخسة إنضاف إليهما بشرة نسائهم السمراء الناعمة اللتي لا تكاد ترى لها مثيلا في العالم.لكنّهم لم يحرّكوا ساكنا من طيبتهم.فهم مسالمون.ومادامت قدرات نسائهم  تساعد في تحسين مزاج رؤساء العمل و مشرفيّ خطوط الإنتاج في مصنع الكابلات ومصنع الأحذية الرياضية ومصنع الملابس ومحمية التماسيح(وهم بالمناسبة من الوافدين الجدد أيضا) فلا ضير في ذلك مادام انبساط أرباب العمل يدرّ على القرية أموالا ورضى وبهجة وسلاما ودعة عيش.

مسالمون جدا هؤلاء القريون.حتى أنني استغربت من قوّتهم وقدراتهم على التنظّم والتخطيط المحكم للهجوم على التماسيح وقتل مائتين وتسعة وتسعين تمساحا دفعة واحدة.انتبه أيها القارئ ،الخبر الذي كتبته صحف الطّرائف يقول إنهم قد قتلوا جميع تماسيح المحميّة.وأنا اقول لك أنهم لم يقتلوا سوى مائتين وتسعة وتسعين تمساحا.إسمع منّي فانا ادرى.لالا لست الكاتب ايها القارئ الغبي .ولست شخصية رئيسة في هذه الحكاية الطريفة ولا أحد الوافدين الجدد.وضمير المتكلم الذي أستخدمه لا يدلّ على أيّ من ذلك

أنا أعيش الآن في مكان بعيد ناء عن تلك القرية والمحمية وتلك المصانع التي تلوث الهواء والماء بفضلاتها.تسللت من هناك لما وقعت الواقعه.ساد الهرج والمرج وبدأت المذبحة وبما انني لا أحب الضوضاء  فقد أجدت الإختفاء ريثما هدأت ثم غادرت المكان نهائيّا إلى حيث  يمكنني التمتّع بمأكل جيّد وماء صاف وعيش رغِد ولحوم حمراء طازجة ذات نكهة خاصّة مجبولة بجفاف سنين لا تعاني منه إلّا  إفريقيا …بِرْكتي لي وحدي ولا يشاركني فيها أحد.لالا ، لست الكاتب أيها القارئ الغبي ولست شخصية رئيسة في هذه الحكاية الطريفة ولا احد أولئك الوافدين الجدد.وضمير المتكلم الذي أستخدمه لا يدلّ على شيء من ذلك. أنا التمساح رقم ثلاثمائة.أنا قاتل ذلك الرّاعي الطيب.عيبه الوحيد أنه كان مفرط الشهوة ولم ينتبه لي عندما حاولت تحذيره.أدار ظهره ليبول وكنت جائعا.وكانت نجاتي معجزة عند أولئك الوافدين الجدد.ولا يمكن أن أصوّر لكم فرحتهم عندما عثروا عليّ.صرت مشهورا واطلقت عليّ في صحفهم هناك “الناجي” .ووصلتني رسائل عدّة من أطفالهم فيها رسومات جميلة. وجمعوا مالا كثيرا نقلوني به إلى مكاني الحالي.وصار يأتيني زوّار من جميع أنحاء العالم وكانت نجاتي دليلا على توحش الإنسان في ذلك المكان وسط خريطة العالم حيث مصانع البلاستيك ومصانع الأحذية والنساء ذوات البشرة السمراء الناعمة الطرية.أنا الآن في جنّة التماسيح حيث لا أحد بمقدوره تحويل جلدي إلى حقيبة يد نسائية تخطر بها زوجتك وتتباهى ، وحيث لا أحد يقدر أن يحوّلني إلى حذاء في قدمي راعي بقر متحاذق.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :