- المستشارة القانونية : فاطمة درباش
تقوم العقيدة الإسلامية على مبدأ وحدة الجنس البشري،وأن الاختلاف بين البشر ،سواء في الأرزاق أو مصادر الدخل أو الأعمار أو الألوان أو الأعراق إنما يهدف إلى إعمار الكون في إطار من التعايش والتعاون والتكامل، وتتضح هذه الحقائق في محكم آيات القرآن الكريم كقوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً}.
وقوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }. فمن أهم الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان حق الحياة فقد كرّم الله سبحانه وتعالى الإنسان بأن خلقه في أحسن تقويم وجعل له مهمّة إعمار الأرض وخلافته فيها، وللإنسان في الإسلام الحقوق التي تضمن تكريم الإنسان وعدم إهانته،وحق الحياة في الإسلام هو أوّل الحقوق التي يتمتّع بها الإنسان وأهمّها، ولا يقتصر هذا الحق على الإنسان المسلم، بل يشمل كل البشر، ومن واجبات الدولة في الإسلام أن توفّر الحماية اللازمة وضمانات استمرار حياة كل مواطنيها من مأوى وأمن وإعانة صحية. فمن أول المحظورات على حق الانسان في الحياة هو التعدي على حياة إنسان لقوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
فيمتد النهي في الإسلام على التعدي على حق الحياة، ليشمل قتل أي إنسان كان، أمّا الاستثناء فالحق هنا لا يعني أن يقوم الفرد بقتل الآخرين بنفسه، وإنّما تقوم الدّولة عن طريق القضاء بالحكم على الأشخاص وتنفيذ تلك الأحكام
. فحرّم حمل السلاح على المسلمين، وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم ): “من حمل علينا السلاح فليس منا”. كذلك جاء الاسلام وسبق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في كامل نصه على الحقوق وشددعلى حق الإنسان في الحياة فحرم قتل الأجنّة واعتبره تجاوزاً على حقّهم في الحياة فقال تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}.بالتالي يعد حق الحياة أول الحقوق الأساسية وأهمها بين الحقوق الفقهية التي أقرها الشرع الإسلامي من أجل كرامة الإنسان، وتأتي بعده سائر الحقوق، إذ لا معنى لجميع الحقوق مع انعدام هذا الحق ، وقد ضمن الإسلام حق الحياة لكل إنسان بل لكل الموجودات المخلوقة التي يحمل وجودها معنى الحياة،ولم يحظَ أي حق من الحقوق الأخرى في القرآن الكريم بمثل ما حظي به حق الحياة من اهتمام، ويؤكد القرآن بحرص شديد على أهمية المحافظة على الحياة،إذاً نجد نظام العقوبات في الإسلام كمبدأ لا يتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية لا بل إنه يحافظ عليها من خلال حماية النسيج الاجتماعي والكيان الإنساني الفردي والجماعي،بالتالي فإن هدف تلك العقوبات الصارمة في الإسلام بحق مرتكبي الجرائم،لأن العقوبة تتمثل في حماية المجتمع وسلامته وتماسكه الاجتماعي. فالتطبيق الفعلي للعقوبة إنما يهدف إلى تحقيق مفهوم الردع كأساس. فنزعة الإسلام الإنسانية، متمثّلة في مجموعة من المبادئ والقواعد والأحكام التي تحمي الإنسان وغيره، سواء في أوقات السلم أو في أوقات الحروب، ولقد أكد الإسلام على ضرورة الالتزام بها، وأن التزام المسلمين بها يُعد التزامًا دينيًّا بحيث يترتب على مخالفتها الجزاء الدنيوي والأخروي،وإذا كانت حقوق الإنسان قد توصل إليها المجتمع الدولي منذ عدة سنوات، فإن ما توصل إليه المجتمع الدولي يمثل في الحقيقة بعض ما جاء به الإسلام في هذا الخصوص منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، إذ أن الإسلام قد جاء بأنظمة وبضوابط لحقوق الإنسان تميزت بالسبق وبالريادة، فالأمر الثابت هو أن المبادئ التي أتى بها المجتمع الدولي بعد معاناة طويلة لا تختلف في مضمونها عن المبادئ التي جاء بها الإسلام في هذا المجال. حقوق الإنسان التي جاءت بها الشريعة الإسلامية حقوق عامة ،وهي شريعة أرسلت للناس أجمعين على اختلاف أصنافهم وأجناسهم وألوانهم،فالإسلام عالمي في دعوته، وفي خطابه، وفي أمته، وفي قيمه، وفي نظامه الاجتماعي، هذه المقومات وغيرها سيبقى معها الإسلام عالميًا. فالإنسانية قيمة لها احترامها في الإسلام، وليس ذلك خاصاً بحالة الإنسان أثناء الحياة فحسب. بل يمتد ذلك الحق، وهذه الحماية للإنسانية في أثناء الموت وبعد الموت أيضاً؛ إذ من حق الإنسان إذا توفي أن يُحترم جثمانه، ونترفق به ونكرمه، لقول النبي(صلى الله عليه وسلم) ”إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ إِنْ اسْتَطَاعَ”.