بقلم :: إبراهيم عثمونة
ذلك الفرح الذي أخبرتكم به في منشوري يوم أمس ، والذي اجتاح “عبد الرحمن جماعة” فور سماعه نبأ الإفراج عنه وعن رفاقه تلاشى عند باب السجن في صباح اليوم التالي . وليس الفرح وحسب بل تلاشى كل شيء كان موجوداً في داخله . فلا الفرح والسعادة التي غمرته طيلة الليل بقي منها شيء في داخله ولا ذلك الحزن الذي لفه طيلة العشر سنوات هو الآخر بقيّ منه شيء في داخله . سأل رفيقيه اللذين عن يمينه وعن يساره إن كانا سعيدين أو حزينين فوجدهم يكادان يطيران من الفرح ، وتحسس جوفه الذي عاش أكثر من عشرة سنوات حزيناً ثم فجأة امتلأ بالفرح ، ولم يجد في داخل جوفه لا الحزن ولا الفرح….
حدث ذلك عند الباب الرئيسي لسجن بوسليم.
ولم يجد تفسيراً لما حدث.
فهو في الليلة الماضية وساعة أعلموهم بنبأ الافراج أخبر عبد الرحمن رفاقه أنه فرحاناً جداً ، وأنه طفق يشعر بالفرح قد وصل حتى أذنيه وشعر رأسه ، وأنه يكاد يستمع لصوت الفرح من داخل أدنيه . لكنه في الصباح ، ساعة فتحوا لهم الباب الخارجي المطل على الشارع وعلى السيارات تلاشى كل شيء ولم يعد لا حزيناً كالسنوات ولا فرحاناً كالليلة الماضية ، وشعر بالعدمية لأول مرة في حياته ، وفكر عبد الرحمن لو يتراجع عن الباب خطوات للوراء لعل الفرح يكون قد انسلخ منه وبقيّ في الداخل ، عندها سوف يلبسه كما يلبس القميص والسترة ويعود ويخرج به ، لكنه تردد واستبعد فكرة أن يكون الفرح كالقميص وكالسترة ، وحين كان رفاقه في غاية السعادة وهو يشعر بقسوة اللاشيء تكاد تمحوه من الوجود عاد عن الباب خطوات ، وشاهدوه رفاقه يعود عنهم ويقف في الداخل ، ثم بعد خمس دقائق شاهدوه يُحكم أزرار قميصه وسترته جيداً ويتقدم نحوهم بخطوات ليست كالخطوات.
(غداً حكاية أخرى له)