حوارات من داخل اروقة جامعة سبها – ( 2 )

حوارات من داخل اروقة جامعة سبها – ( 2 )

بقلم :: عابد الفيتوري 

مناكفة وصديق .. استاذ بقسم اللغة العربية وآدابها .. يتنفس شعرا :
كيف لي ان اكتب الشعر؟
الاجابة : فقط غني!!! .. للشعر لحن .. صدر وعجز .. قوافي موزونة الرتم والإيحاء .. تتدفق كالغناء .. احفظ اشعار الاولين .. ودرر كلام النابهين .. تفيض القريحة في الحين .
هكذا انتم دائما معشر الشعراء .. تعدون وصفاتكم من تحبير الكلام .. تختفون عن البصر ، وراء حلكة الحروف .. تبحثون عن كلمات جديدة ، وأساليب لغوية مقعرة ، واستعارات مكنية مريبة .. وتصريحية عجيبة .. لشرح مشاعركم المكبوتة بالإيماء خشية .. وتعانون ضعف الصوت على الرغم من جودة اتقانكم للغة .. وأود ان اقول لك : ان معظمكم يعاني الانطوائية .. هذه حقيقتكم .. متسكعين على قارعة الاحرف والعبارات .. اما اولئك الذين يكتبون شعر الوصايا منكم .. ويعتقدون انها حكم .. ويعيدون نسخها نسخة عن نسخة .. فلا ارى فيهم سوي متسوقين ينادون حواف عربة خضار .. يعرضون اصناف البضاعة عينها .. ويتبجحون بأنها طازجة .. تغري شهية الغاوون .
نكتب الشعر لأننا نحب اللغة .. للأحرف نغم وروح .. جرس عذب الكلام .. جسر الود والآخرون .. الاخرون هم الجحيم .. قال سارتر .. نكتب الشعر كي تعيش اللغة في جلد آخر .. وحلة قشيبة تستجدي الافكار النبيلة .. والقيم الجميلة .. في الشعر نتنفس الهواء بأريحية .. ونزفر بآهاتنا العصية .. ننعم بنسمة رطبة تنعش قلوبنا الحائرة .. وأحلامنا البائرة .. الشعراء هم الحالمون .. احب التيه في عقول الآخرين ، ايها الجحيم .
قال ابن حيان : ” كم من دم سفكه فم ، كم إنسان ، أهلكه لسان ، رب حرف أدى إلى حتف ، لا تفرط فتسقط ” .. كنت احفظ الكثير من الاشعار فيما مضى .. اجد فيها رفيق عندما لا اجد ما اقرأه .. كلمات تترنم .. وقوافي تتألم .. قوالب تبعث على الغثيان .. يعاد صياغتها من شاعر لآخر بافتتان .. صار الابكم في لغتكم يتكلم .. والأعمى مبصرا :
أنا الـذي نظـَرَ الأعمى إلى أدبــي … وأسْمَعَـتْ كلماتـي مَـنْ بـه صَمَـمُ
وأخر في الفخر :
إنّ الذي سَمَكَ السّماءَ بَنى لَنَا … بَيْتاً دَعَائِمُهُ أعَزُّ وَأطْوَلُ
ضَرَبتْ عَليكَ العنكَبوتُ بنَسْجِها … وَقَضَى عَلَيكَ بهِ الكِتابُ المُنْزلُ
حُلَلُ المُلُوكِ لِبَاسُنَا في أهْلِنَا … وَالسّابِغَاتِ إلى الوَغَى نَتَسَرْبَلُ
ويجيبه متواعد :
أعددت للشعراء سما ناقعا … فسقيت اّخرهم بكأس الأول
أخزى الذى سمك السماء مجاشعا … وبنى بناءك فى الحضيض الأسفل
أحلامنا تزن الجبال رزانه … ويفوق جاهلنا فعال الأطول
وأخر مثلهم :
إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ .. تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا
واخر يتزلف :
كأنك شمس والملوك كواكب .. إذا طلعت لم يبد منهن
وعندما تقرضون العجيب منه :
ألم تعلم بان القتل ورد لنا كالماء حين صفا وطابا
وقلت لها قرى وتقى بقولى كأنك قد قرأت به كتابا
فقد جاء الكتاب به فقولى .. ألا لا تعدم الرآى الصوابا
جلبنا الخيل من بغداد شعثا عوابس تحمل الاسد الغضابا
بكل فتى أغر مهلبى تخال بضوء صورته شهابا
ومن قحطان كل أخى حفاظ إذا يدعى لنائبة أجابا.
وتتنمرون على بعضكم .. قال الوليد العنبري : مرت امرأة من بني نمير على مجلس لهم ، فقال رجل منهم : أيتها الرسحاء . فقالت المرأة : يا بني نمير ، والله ما أطعتم الله ولا أطعتم الشاعر ، قال الله عز وجل في تنزيله ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) وقال الشاعر :
فغض الطرف إنك من نمير .. فلا كعبا بلغت ولا كلابا
هجاء ورثاء .. ثناء واستجداء .. حسرة وانتشاء .. تزلف ومدح .. تفاخر وردح .. تشعلون الحرائق .. وتتفننون في الطرائق .. هو ديدنكم .. ومنكم اهل زجل :
عفتوا لبنا لين بزعناه .. لا تشربوا منه ولا ينضم
وكانا ذهبنا وراح لاتجاه .. نباتوا وتو نلقوا طريق سقم
احنا ليش ننهانوا على سباه .. وليش البريء فينا بريء انظلم
واخر مثله :
فزان ما رديت بالك منها .. بلا مال يا صاحب تبي تدفنها
فزان ما هي سقالة .. ولاهيش في وادي وسيع الجالة
فزان راهي رعيتك .. وللجيّ ما تقدر تجيك لبيتك .
وثالث يتحسر مثلهم .. يلفحه حنين :
أشتاق يا فزان تمرك في فمي .. من قال أن النفط أغلى من دمي ؟
ورابع يتظلم :
وأنا اللي ماشي دروب طويله وانا اللي ظلم الزمن رماني
وانا اللي ناقل احمول ثقيله حمال ما حامل احمل حملاني
وأنا اللي نعدل أن نقله ميله وما عدل عادل عدله ميلاني
وخامس :
عسكر جندنا الطليان الله ينصرنا ع لسلام
بيت من الشعر .. كطائر يحلق في الاعالي .. يجوب الامكنة .. والأزمنة .. ينثر الحكم .. وعذب الكلم .. تتلقفه الاجيال .. وتتوارثه دهورا طوال .. غني ايها الجحيم .. وتذوق الشعر .. تصبح شاعرا .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :