- المهدي يوسف كاجيجي
سادتنا .. أصحاب الفخامة والمعالي، بداية وقبل أن اكتب لكم، أحببت أن تتأكدوا من انني لم اشك لحظة واحدة في وطنية أي واحد من حضراتكم، وأنا أجزم أن كلا منكم يحب ليبيا علي طريقته الخاصة، ولكن الحب أنواع ” ومن الحب ما قتل” كما قال الشاعر العربي عبدالملك الاصمعي. وطبعا كلنا قرأنا حكاية الدب الذى دخل يتفقد صاحبه، فوجده نائما وعلى وجهه توقفت ذبابة، فأحضر حجراً كبيرًا والقاه على الذبابة فقتلها وقتل صاحبه من شدة الحب.
خودوا عيونا شوفوا بيها !
نحن للأسف لا نعرف كيف ترون المشهد فى بلادنا، ولذا لدينا اقتراح بسيط. هل تتذكرون الأغنية التونسية الشهيرة التي يقول مطلعها:[لاموني اللي غارو مني وقالولي اش عجبك فيها ***جاوبت اللي جهلو فني خودوا عيني شوفو بيها]. ماذا لو اخذتم عيوننا ” تشوفوا بيها ؟”، ربما تحدث المعجزة وترون حقيقة ما جرى لليبيا وطنا وشعبا، وتدركوا إلى أي مدى من الانحدار وصل له شعبكم البائس. لن نعيد على مسامعكم السرد الممل عن الكرامة الضائعة، والفساد المتأصل، والانهيارات المتواصلة في كل مناحي الحياة، والذل الذي تحول إلى اسلوب حياة، والصفاقة والعهر والفساد التي تحولت إلى ثقافة سائدة بين معظم العاملين في جهاز الدولة، المشكوك في وجودها اصلا. شعب يموت كمدا وهو يشاهد على مرآى ومسمع من كل الدنيا رزقه وهو ينهب، وبيته وهو يسرق، ودماءه وهي تسفك، ووطنه وهو يقسم ويتم بيعه ” بالطلوق ” بعقود يبصم عليها بأصابع يد ميتة. شعب تحول إلى مضحكة في محيطه الاقليمي والدولي يعيش في وطن تجمع على “نهشه’ كل حثالات الدنيا من افاقين ومرتزقة، وتحول إلى لقمة سائغة بين ايدٍ لا تعرف الرحمة، انطبقت عليه مقولة طارق ابن زياد (أضيع من الايتام في مأدبة اللئام).
سادتنا، أصحاب الفخامة والمعالي، اكرر وبصدق أنني لا اشك مطلقا في وطنيتكم وولائكم لهذا الوطن، ولكن إشعاع السلطة يحجب الكثير من الرؤيا، ومع الزمن يفقد الحاكم الرؤيا الحكيمة، ويفقد المقدرة على استيعاب ما يجري حوله، ويفقد البصر والبصيرة لما يجري، فتبدا المأساة الحقيقية عندما يرى الاشياء بعيون الحاشية المحيطة به. سادتنا، لقد تعبنا والوطن الذي جمعنا يضيع من بين ايدينا، لم يبق أمامكم إلا استعادة عيونكم لرؤية الحقيقة، وتذكروا جيدا أن الخراب القادم لن يُستثني منه أحد.
* الصورة: بريشة الفنان الليبي المبدع محمد الزواوي رحمه الله.