كتب :: محمد الانصاري
ما كان بالأمس همساً صار اليوم دندنة ، وغداً واقعاً ويجب علينا جميعاً تقبله ، فما كان مطلبا لفئة صغيرة، أمسى يجد صدى كبيرًا بين الناس وله وقع في النفوس، فالمتتبع لحراك المجتمعات يدرك أن فعلها تراكمي ، وأن محظور اليوم لابد أن يكون مباحاً غدا ، ً طالما توفر الدافع لديها، حتى وإن لم يكن فعلها منظماً . لم يكن غالبية مواطني الجنوب الليبي يؤمنون بجدوى الانقسام أو فكرة حجب الموارد الذاتية فيما سبق، وغالباً ما اكتفى أهل الجنوب بتجاهل هذه الفكرة لاعتبارات عديدة، إلا أن حالة التأزم وتتاليها على الجنوب الليبي ، لم تبق للأغلبية ذريعة ومبرراً أمام المطالبين بذلك ، وقد تكون تلك النداءات والبيانات التي تصدر هنا وهنالك بين الفينة والأخرى والتي تدعو تارة بحجب الموارد ، أو إنشاء حكومة مستقلة عن ثنائي الحكومات هو بداية التململ بالجنوب الذي يفضي في نهاية الأمر إلى شكل جديد من الانقسامات بليبيا، وليس لليبيين الأفضلية عن بقية الشعوب حتى تكون استثناء حال توفرت الظروف. إن الانقسام عملية لا تتأثر بالشعارات كثيراً ، و لابد أن تحقق إذا ماتوفرت شروطها ووفقاً لتجارب الأمم والدول التي شهدت حالات التقسيم رغم اختلافه ، إلا أنها تتفق في رباعية التقسيم (وهن السلطة المركزية وعدم تحقيق استقرار سياسي جيد يساعد على التنمية الاقتصادية ، الحالة القهرية للسكان نتيجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية ، ومحيط إقليمي ودولي متقلب ليس متفقا على رؤية واضحة للدولة ، مجموعات مغمورة طامحة للقيادة والسلطة، وانحسار مطالب الجموع في الاستقرار تحت أي شكل ) وكما أن الاعتماد على الذاكرة الوجدانية والترابط الاجتماعي لايكفى للحيلولة دون وقعه ،إذ عادة في ظل التوترات وعدم الاستقرار ما يتصاعد العداء بين مكونات المجتمع على نحو مكثف، يفضي إلى ازدياد الشك بين أغلب مكونات المجتمع، بحيث يعتقد كل مكون أو مجموعة تحمل أي طابع أنها مهددة من قبل الجماعة الأخرى، وعدم توفر شرط واحد لا يعني سبيل الصواب هو التمسك به لوحده ، إنما السبيل هو إنهاء غالبيتها بدلاً من الاكتفاء بالحل الليبي وهي ثنائيات التسفيه والتخوين والطعن في الأهلية باسم الوحدة الوطنية أو عدم الاكتراث . وليس منطقياً منا محاولات تقييم نجاح أو فشل ذلك الانقسام لأنه لا يعد أولوية للمطالب في حينه ، كمحاولات زرع غرس فكرة العدول عن الفكرة،إذ أن الأمر بالنسبة للمطالب لايتعلق بنجاح أو فشل ذلك الانقسام ،بقدر ماهو متعلق بالانقسام ذاته وطرقه، فالفار من مملكة الأسرة نادراً مايفكر في النجاح أو الفشل إنما جل تفكيره ينصب في كيفية الخلاص ، مما يراه اضطهاداً وانسداد أفق وقيد حريته، تلك التصرفات ليست مبنية على دراسة منطقية إنما هي ردات فعل تتناسب مع الظروف المحيطة بالحالة ، تبدأ بالتهديد غير المباشر بغية جذب الأنظار والقرب من دائرة الاهتمام عبر ومضات وسط السطور ، وسرعان ماتنتقل إلى تهديد مباشر بعد تفاعل عنصر القهر الذي يعد دافعاً مهماً، ومن ثم تتصاعد في ظل تجاهل المطالب إلى مجهول متعدد، تتحكم فيه عدة عوامل وأهمها العوامل الخارجية . لسنا في صدد شرح واقع الجنوب، ولكن يظل ذلك الواقع القهري مطية نحو كل أشكال الانقسام ومحاولات الانشطار،في ظلّ استمرار النزاعات بشمال البلاد وتربص المحيط الدولي والإقليمي المتقلب ، فغالبية ظروف الانقسام متوفرة ولا يكفى عند التنبيه، القول المأثور ” أبناء الجنوب من همش الجنوب ” أثناء فتح ملف حال المواطن بالجنوب الليبي ونحن ضمن دولة ، في محاولة واضحة للتملص من المسؤوليةوامتصاص الحنق بتبادل تهم المسؤولية أو انتظار فتور ذلك التململ ،فالإصلاح الوقائي وسد الذرائع هو الراتق الوحيد للخطر،وتلك مهمة الدولة التي يجب أن تمنح حقوق مواطنيها طوعاً ، قبل أن تضطر لمنحها كرهاً وقت لا يغني منحها شيئاً .
إن التذكرة أفضل مايمكن القيام به كتنبيه مسبق للمجتمع وطرحها بتجرد قبل أن يصبح همس اليوم فعلاً غداً وليس شرطاً أن يكون تنظيراً مؤيد لتلك الحالة أو يدعو لها ، إنما يحذر من وقوعها ونحن في غفلة .