الفتاة التي نريدها ويريدها المجتمع …!

الفتاة التي نريدها ويريدها المجتمع …!

 كتب :: برنية محمد

عن أنس رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن عال جاريتينِ حتى تُدرِكا، دخلتُ الجنةَ أنا وهو كهاتينِ، ))وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وفي رواية أخرى: ((مَن عال ثلاثَ بنات فأدَّبهن ورحِمهن وأحسَن إليهنَّ فله الجنة. ))هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلك عنايته بالفتاة التي يقال عنها اليوم: إنها مهضومة الحق ومضيعة الوجود!وإذا تأمَّلنا الحديث النبوي الشريف، وجدنا أنه يجمَعُ أهمَّ الصفات التي يجب أن يُوفِّرها الآباء لبناتِهم، حتى ينشَأْنَ النشأةَ الصالحة النقية الصافية، التي هي تأديبٌ ورحمة، وحُسن صحبة، ويندرج تحت ذلك ما لا حصر له مِن العناية والرعاية وحسن المعاملة.لقد جاءنا علمُ النفس الحديث لينتهيَ في بُحوثه ودراساته إلى ما دلَّنا عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فها هو يؤكد أن الفتاة (أي فتاة) لا تنغمِس في الشهوات ولا تنحرف في سلوكها إلا إذا فقدتِ الحبَّ الحقيقي، وفقدت السندَ العاطفي، وأحسَّتْ بالإهمال، فإذا وفَّر الأبُ لابنتِه المحبَّة وحُسن الصحبة، فإنها تستجيب له إذا وعظها وأدَّبها وأسدى لها النصح.لقد علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أن الفتاةَ تحتاج قدرًا كبيرًا من الرعاية الواعية، والعناية والمحبة الحريصة؛ حيث تنتظرُها المسؤوليات الجِسام في واقعِ الحياة، إنها تحتاجُ لمَن يحتوي طاقتَها ويُبَلْوِر شخصيَّتها، وإلا عاشتْ في ضياعٍ وهي لا تُدرِك دورَها الحقيقي المطلوب منها تجاه نفسها وأسرتها.

فما الفتاة التي نريدها ويريدها المجتمع؟ وكيف نُربِّي بناتِنا في عصرٍ مليء بالشهوات والمُغْرِيات والمؤثرات الخطيرة التي جعَلتْ فتاةَ اليوم تائهًةً حائرة؟

إن الانفتاحَ على العالَم والتغيُّرَ السريع والمفاجئ الذي شمِل كافَّةَ نواحي الحياة، وهدَّد المفاهيم والقيم؛ لا شك أن هذه الريح طالَتِ الفتاةَ فجعلَتْها – رغم توفر سبل المعيشة السهلة، وإتاحة الفرص والإمكانات – تجري وراء المظاهر الخادعة، وتشغَلُها صراعات «الموضة» وموجات الاستهلاك، وهنا تأتي مسؤولية الآباء والأمهات ليُنشِئوا هذا الجيلَ مِن الفتيات اللاتي يكُنَّ ركنَ النصر القادم وأهم دعائمه.

إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حول رعاية البنات – يُؤكِّد لنا ثلاثًا مِن أهمِّ ما يجب تأمينُه للبنتِ، وهو ما دَعَتْ إليه نظرياتُ علم النفس الحديث، إنها الرحمة والرعاية وحسن الصحبة، مع تأديب ونصح وتوجيه.

وعلى الآباء أن يُمارِسوا تعاليمَ الرسول صلى الله عليه وسلم بكامِلِها في طريقة تعاملهم مع بناتهم خاصة، ولا يُفضِّلوا عليهنَّ الذكور، ثم عليهم أن يكونوا قدوةً لبناتهم؛ حتى لا يُصبِح نصحهم هباءً منثورًا، وبذلك يُؤمِّنوا بإذن الله سبحانه وتعالى اندماجَ بناتهم في بِنْيَتهم السلوكية، وَفْقَ أهدافهم التي يريدونها، ويضمنوا استجابةَ بناتهم لما يزرعونه فيهم مِن صفات.

أما الفتاة: فهي الفتاةُ ابنةٌ في بيت والديها، فنُرِيدُها فاعلةً فيه، تنشر المحبة والحياة والحيوية؛ فتحمل همَّ أمِّها، وتسعى في مساعدتها، وتَحْمِل بعضًا مِن مسؤولياتها، ونريدها مسانِدةً لوالدها تُشاركه همه، وتُسانده في عمله ومصالحه، دون تدخل مُفرِط ولا سلبية نائية.

ونريدها الحريصةَ على أمها وأبيها، وأختها وأخيها؛ فتُطبِّق الإسلام على نفسِها، وتدلُّهم على الخير؛ كتلك الفتاة التي أنكرَتْ على أمها مزجَ اللبنِ بالماء خلاف أمر أمير المؤمنين، وذكَّرَتْ أمَّها بالله تعالى الذي يطَّلع ويرى، ثم صارَتْ جدةً لأمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز ! نريدها الحانيةَ على أخواتها، الموجِّهة لهم لما فيه مِن خير وصلاح، وتَعِظُ وتنصح، وتدلُّ على الخير، وتحب الطاعة، وتبغض المعصية. نُريدها المُتعلِّمة التي لا يمنعها الحياءُ مِن التعلم، ولا يحملها طلَبُ العلم على ترك العِفَّة والحشمة والحياء.

إنها الفتاةُ الخبيرة بكَيد أعدائها الذين يسعَون سعيًا حثيثًا لإفسادِ الفتاة المسلمة، التي صمدَتْ عبر العصور والأزمان، رغم كل الإغراءات التي تتعرَّض لها، والتي تحيط بها من كل جانب.

إنها السيدةُ التي فهِمت لعبةَ الأعداء، ومحاولة الهبوط بالمرأة باسم الحرية، وإذلالها باسم التقدمية، والمتاجَرة بجسدها عبوديةً للمال والمادَّة.

ثم هي المُبدِعة في مجال العلم الذي تختاره ويناسبها بصفتها امرأة مسلمة؛ لتكون أستاذةً في فنِّها، متفوقة فيه، وتُصبِح عالِمة بمعنى الكلمة؛ كأمثال آلاف النساء في التاريخ الإسلامي؛ مثل: أم الحياء حفصة البغدادية، وأم حبيبة عائشة الأصبهانية، التي منحت الكثيرَ مِن العلماء إجازاتٍ في العلم والتحديث!

إنها الفتاةُ المسلمة الواعية التي لا تكون سلبيةً في مجتمعها، ولا خاملة، ولا بعيدة عن مصالح أمَّتِها ودينها وبلدها، فتكون مشاركةً فعَّالة، نشيطةً إيجابية مؤثِّرة تنشُر النورَ والسرورَ، وتبعَثُ السعادة وأسبابها ومُقوِّماتها بين صاحباتها وفي مجتمعها.

كل ذلك تكونُ عليه الفتاة المسلمة الأبيَّة القوية الفاضلة، كل ذلك مِن غير إخلال بحجابها وحيائها وحشمتها وعفتها، وشموخها في زمن الانكسار والذلة التي تُعاني منها الفتاة في المجتمع الحديث.

فلا نريد فتاةً ضعيفةً يهزُّها أو يُؤثر فيها نفاقُ المنافقين، ولا يستهوِيها ما يطرح من مُغرِيات تدعو للفسق والمُجُون والانحراف عن النهج السليم.

أمَّا تجهيز نفسها لبيت الزوجية الذي ينتظرها، فإننا نُكبِر الفتاة التي تستعدُّ لمستقبل حياتها حين تتزوَّج، فتتعلم فنون رعاية الزوج، ومهارات المنزل؛ ليكون منزلُها معبرًا عن صفاء روحها، وجمال طبعِها، فتكون الزوجة الفاضلة المُتقِنة أمور الدين والدنيا، فإن الله جميلٌ يحب الجمال.هذه هي الفتاة التي يُريدها الإسلام، ولها في سلَفِها مِن بنات الصحابة والتابعين الأسوة الحسنة، فلها أسوةٌ في أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، هذه الصحابيةُ الكريمة التي كان لها دورٌ فاعل في الهجرة النبوية المباركة، وليس ما بذلَتْه في ذلك خافيًا على مؤمن ولا مؤمنة، وإذا تأمَّلنا سُلوكها واستقر أنا شخصيتها، نجدها فتاةً حملتْ همَّ أبيها، فساعدَتْه في مصالحِه، وساندَتْه في عبء ما يرجوه ويُخطِّط له، وتولَّتْ مسؤوليةً مناسبةً لأنوثتها، فكانت نِعْمَ العونُ في الهجرة، تحمل الطعام وتنقُلُ الأخبار.

وأسوة بنت سعيد بن المسيب رحمه الله، تلك الفتاة حاملة علم والدها الحييَّة الطائعة، التي رفض أبوها زواجَها مِن ابن أمير المؤمنين خشيةً على دينها، فلم تكن تُعارِضُ أو تتأفَّف، وهي تعلم أن أباها يعمل مِن أجل مصلحتها.

ولها في نساء العصر الأيوبي أسوةٌ أيضًا؛ فها هي فاطمة بنت سعد الأنصاري التي وُلِدت عام 552 هـ، وبدأتْ دراساتِها                                                                                         في بغداد على يدِ عدد كبير من كبار العلماء، وكانت ممَّن شارك في الحياة العلمية والسياسية عن طريق زوجها زين الدين علي بن نجا.

تلك هي المرأة التي نُرِيد، قوية في دينها، عالِمة بما ينفَعُها، تَعُدُّ نفسَها لتكون أهلًا لحمل مِشعَل النور، والمُشارِكة في الحياة الاقتصادية والسياسية والعلمية حسب الحاجة.

هذه هي الفتاةُ، وإلا كانتْ مثل أولئك الفتيات اللاتي تشغَلُهن (الموضات) والتجوُّل في الأسواق، وتضييع الوقت بالقيل والقال، وينشغلن بالترَّهات والتوافهِ من الأمور، ويمضين الأوقات بالسهر الذي لا فائدة منه ولا جدوى.

إنَّ الحياء سعادةٌ وحضانةٌ

وبه كمالُ الدينِ والإعفافِ

فَخْرُ الفتاةِ بدينِها وبخُلْقِها

ولباسِ ثوبِ فضيلةٍ وعفافِ

لا بالتبرُّجِ أو بعَرضِ مَفاتنٍ

تُغرِي الشبابَ بهزَّةِ الأعطافِ

فيه السموُّ وراحةٌ نفسيةٌ

تقضي الحياة جميلة الأطياف

اللهم وُفِّق فتيات الإسلام لما تحب وترضى يا رب العالمين.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :