مَن يعدل ميلها؟

مَن يعدل ميلها؟

بقلم :: عبد الرحمن جماعة

قبل أكثر من ربع قرن كنت مغرماً بفتاة سورية، تسكن بالقرب منا، كنت أتبعها من بيتها إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى البيت.
حاولت جاهداً أن أستميل قلبها، لكنها كانت تتجاهلني بكل برود، كلما ألقيت وردة أو رسالة في طريقها كانت تدعسها برجلها وكأنها سيجارة في مستودع غاز.
ذات نهار أحرف..
التفتتْ إلي وقالت كلمتين: “مالت عليك”!
عرفت أن الكلمة خليجية وليست شامية لكنني لم أفهم معناها في حينها.
سألت أبا أحمد الحداد عن تفسير الكلمة، فضحك مني، لو علم أبو أحمد أن ابنته هي صاحبة الكلمة لما ضحك. لم أخبره لسبب واحد وهو أن أصغر قطعة حديد في ورشة الحداد تؤدي إما إلى القتل أو الشلل الرباعي.
القصة انتهت عند هذا الحد، لم أعد ألاحق الفتاة لأني أصبتُ بحالة من اليأس والإحباط.. وهذه أول ميلة!.
الميلة الثانية: أنني دفعني الفضول لتجربة الحشيش، فمن سيجارة ميروانا إلى كره الدراسة التي تركتها فيما بعد، مع أنني كنت من الأوائل.
الميلة الثالثة: جربت التجارة، فخرجتُ منها مديوناً.
الميلة الرابعة: حاولت أن أكون حراً، فقضيتُ في السجن إحدى عشر عاماً بالتمام والكمال، وبدون محاكمة.
الميلة الخامسة: كنتُ أول من شارك في ثورة فبراير، وأنا أحلم ببلد يحترمني كإنسان فقط لا غير، كنت أحلم بوطن لا يحكمني فيه سوى القانون، كنت أحلم بشعب لا يطبل لحاكم، ولا يزمر لطاغية، ولا يُمجد سارقاً، ولا ينتخب المجرمين، ولا يمتدح الفاسدين، ولا يخرج في الميدان يهتف ويطالب بشنق رجل لا ذنب له سوى أنه قال رأيه.
كنتُ أتمنى استقامتها، فازداد اعوجاجها.
كنت أحلم باعتدالها، فازداد ميلانها!
رحلت بنت أبي أحمد وتركت لي صورتها التي لم تفارق خيالي، وميلاتها التي لم تغادر حياتي.. لكنها لم تخبرني بأن آخر وأثقل وأشد ميلاتها ستكون في أعز ما أملك!.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :