رقعة الشطرنج

رقعة الشطرنج

  • شعر :: ممدوح التايب :: مصر

(١)
الرجل الذي أحبته أم كلثوم
كان يسكن في البيت المقابل
وكان الناس يتلصصون عليه في أحلامه
على هيئة لصوص “علي بابا” ومماليك لهم
قبعات فيكتورية ويمكن علاج جنونهم بالقتل.

(٢)
غنت “الست” ذات يوم في شرفتها
وقت أن كان الشعب مشغولاً داخل رقعة الشطرنج
وقالت “إن الليل منهكٌ من السفر،
وأن بين العين ووجه حبيبي
ألف باب لألف زنزانة
بمفتاح وحيد؛
ضاع من ساعي العشق في حرب البسوس”
لم يفهمها أحد…
فغنت لله مرة، ومرة للزعيم،
ومرة أخيرة للشعب في غرفة الإنعاش.

(٣)
لم ينتبه مخترعو الموت فائق السرعات لرجلٍ
يحبو داخل حاضره، وماضيه خلفه يئن،
فكان على السعاة، وهم يلهثون بحقائب فارغة
بين السواقي الثكلى وآبار النفط،
أن يتمهلوا لألف سنة قبل أن يعودوا بإلهٍ ردئ الصنع
لا هو يشبه أجدادهم بظهورهم المحنية
ولا يشبه خضرة الأرض وعنفوان النهر
حين يركض مثل مُهرٍ بين الجنوب وبين الشمال.

(٤)
ظلت الست تردد في صمتها الذي كان مختبئاً
خلف ضجيج الثوار تارة،
وتارة في سعار البنكنوت،
أن لها حبيباً مات منفياً داخل نفسه
وعاش في قومٍ يولدون بلا أسماء
في مقابر الجند وأرصفة المحطات والمعتقلات
وأنه رغم سحنته، سحنة الأنبياء الذين يعادون الله
لو ناموا ببطون فارغة، فهو يبكي كلما رأى
طفلاً يلعق الجدران بعينيه لأنه مسجون،
داخل حلمه،
داخل زمنه الذي مايزال عالقاً
بين أمسٍ يجهله،
وغدٍ سيأتي مفقوء العينين.

(٥)
ربما مات الرجلُ بعد الست بعامين
وحيداً يغزل حزنه بخيوط الذاكرة
التي أصبحت جرحاً بحجم الرصيف والشارع
والموت الذي بسط ظله فوق المدينة
ولم تزحزحه كل الأعياد والبهاء المفتعل.

(٦)
ربما ما يزال حياً،
يجفف عرقه بكف الوهن
وهو يزرع رمال الملح بأملٍ مقطوع الأنفاس.

(٧)
لكن لا أحد ذكر أنه رآه في عاجل الأخبار
ولا في تقارير الأمن
عن تزاوج العنقاء بالخل بصاحب القبة
وعن الولي الذي كان يقف كل صباح أمام
قطار الصعيد ليموت معانقاً خوفه من البحر والمصاعد
ولا عن السجان الذي عشق القضبان
ومات يسأل الله : أين العدل في الدنيا؟!

(٨)
الرجل الذي أحبته أم كلثوم
كان يسكن في البيت المقابل
ولم يبقْ من وجوده غير صوتُ الجرامافون
يعلن اعتزاله البكاء وقد أصبح للعالم وجه قيصرٍ
يمثل كل يوم أنه سيموت بجرعة هيروين.
لكن الناس يستعيدون بعضاً من سيرته
حين يجئ من البقعة الأكثر ظلمة من خوفهم
وجهٌ يذكرهم بأن البلاد معلقة من ثديها
في المزاد، وأن صوت الست يجئ من الفراغ
مثل طلقة ليوقظ الحراس.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :