- عتيق حيدر
قال الله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]
في وقت تتصاعد فيه الأزمات الاقتصادية التي تعصف ببلادنا، ويكافح فيه المواطن الليبي لتأمين أساسيات الحياة، برزت في الآونة الأخيرة مشاهد غريبة عن بيئتنا وقيمنا، لعل أكثرها إثارة للجدل والاستنكار هو ما يُعرف بـ”رمي الأموال على الفنانين والفنانات” في الحفلات والمناسبات.
مشهد صادم في زمن الحاجة
أرقام تقريبية من تقارير منظمات محلية تشير إلى أن أكثر من 70% من الأسر الليبية تعاني من صعوبة في تلبية احتياجاتها الأساسية، وأن متوسط الدخل الشهري للفرد لا يغطي سوى 60% من تكاليف المعيشة. في مثل هذا الواقع، يطل علينا مشهد قيام بعض الأفراد برمي مبالغ نقدية على فنانين أو فنانات خلال الحفلات، وكأن المال فقد قيمته، أو كأن هذه الممارسة تمثل “مظهرًا من مظاهر الفرح” في نظرهم.
لكن في الحقيقة، لا علاقة لهذا التصرف بالكرم أو السخاء، بل هو إسراف فجّ، وإهانة للنقود التي تعب الناس في كسبها بعرق جبينهم، وهو كذلك كفران بنعمة الرزق.
قراءة اجتماعية للظاهرة:
يقول الدكتور سالم أبو القاسم، أستاذ علم الاجتماع بجامعة طرابلس: “هذه المظاهر تمثل انحدارًا في منظومة القيم، وتكريسًا لثقافة الاستعراض الفارغ. إنها لا تؤذي مشاعر الفقراء فحسب، بل تغرس في الأجيال الناشئة فكرة أن المال وسيلة للظهور والتفاخر، لا وسيلة للبناء والإنتاج.”
ويرى مختصون أن انتشار مثل هذه السلوكيات يعكس فراغًا ثقافيًا وضعفًا في الوعي الديني والأخلاقي، ويؤشر إلى حاجة المجتمع لبرامج توعية جادة تحيي قيم الاحترام والاعتدال.
البعد الشرعي والتحذير الإلهي:
الإسلام دين الوسطية، نهى عن التبذير والإسراف، واعتبرهما من سمات أعداء القيم، قال تعالى:
﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء: 27]
وفي هذا السياق، صرّح الشيخ محمود الفيتوري، عضو دار الإفتاء الليبية، قائلاً: “رمي الأموال بهذه الطريقة أمر محرم شرعًا، لأنه يجمع بين الإسراف، وإهانة النعمة، وتقليد عادات لا تمت للإسلام بصلة. الواجب على المسلم أن يصرف ماله في وجوه الخير والبر، لا في مظاهر اللهو والابتذال.”
دعوة للتشريع والمحاسبة
من منطلق حماية القيم المجتمعية، يطالب مواطنون ونشطاء بدار الإفتاء: بإصدار فتوى رسمية تحرم هذه الممارسة وتوضح خطورتها.
السلطات التشريعية: سنّ قانون واضح وصارم يجرّم هذه الأفعال، على غرار ما هو معمول به في بعض الدول العربية التي اعتبرتها سلوكًا مشينًا يعاقب عليه القانون.
الأجهزة الأمنية والقضائية: ملاحقة من يمارس أو يروج لهذه الظاهرة، وتطبيق العقوبات بحقهم.
إن المال نعمة، وشكره يكون بحسن تدبيره، وبإنفاقه فيما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع. أما بعثرته في مشاهد اللهو فهي طريق إلى زوال النعمة وضياع القيم.
المجتمع الذي يصمت عن هذه المظاهر، يفرط في أهم ما يملكه: أخلاقه وهويته. فلنقف جميعًا صفًا واحدًا ضد هذه السلوكيات، ولنجعل من احترام النعمة وحفظها جزءًا أصيلًا من ثقافتنا اليومية.














