رياء باقات الورود

رياء باقات الورود

  • نيفين الهوني

يقول دوستويفسكي

الزهور التي ستشتريها عند زيارتك لقبري لا داع لها ولا داعي لآن تبكي فوق رأسي أشتري طعاما وأعطه لحارس المقبرة هكذا أنا لا أحب الإصطناع ولا أجيد التمثيل أكره المشاعر البلاستيكية المكررة والمستهلكة هكذا أنا عملية في كل شيء حتى في أبسط التفاصيل أكره التجمل ولا أرغب في أن يزورني أحدهم من باب الواجب ولا أن يوضع على قبري باقة من ورود ثمنها وضعت له ميزانية لإحتفالية تأبينية تلتقط فيها الصور لتحفظ في أرشيف المؤسسة التي أعمل بها  وتبرر سرقات حدثت وتحدث في مصاريفها كل يوم  ..أعيش كما أنا قبل من قبل وكره من كره  حتى حل ذاك الصباح

فمذ حل الصباح وأنا أرتشف حزن الكلمات مع تحايا أحبتي الصباحية دون أن أعرف لما؟، كان صباحا باردا كصباحات المنافي في البلدان القصية.. كان هناك انقباضا في القلب ووجعا في الروح، يتسرب الضيق الى صدري، تمتلئ اوعية رئتي الرقيقة بالخوف حد الاختناق.. تغيم الرؤية في عيني، أتحول الى ورقة خريفية ستسقط يوما ما ذلك السقوط الابدي، أحتضن قلبي وحدي.. أهدهده مرددة «أيا قلبي لا تخف لا أمر أسوء من الغربة أهدأ»، أغمض عيني وأحلم أن الشمس سيبزغ نورها وسيحتضننا دفئها قريبا في تلك المدينة التي نعشق، فتفاجئني قوة هائلة من حب الحياة رافضة أن ُتحرم من جمالها ولكن بعد فوات الأوان، للحلم نهاية تفجعنا جميعاً بالموت …! مات صغيري قسرا هناك من أجل الوطن الذي غادرته طواعية ذات يوم مصيري ..مات من أجل أن يحيا السذج والتفه وسقط المتاع الا من رحم ربي رحل من أجل موقف جير لصالحهم ليعيشوا بعده سعداء ونحيا نحن تعاسة قناعاتنا بأنهم لا يستحقون الحياة .

******

لا يمكنني تخيل أنك تنازع لحظات الموت الأخيرة لوحدك في العراء.. لا يمكنني استيعاب أنك رحلت فمهما استطالت أمسيات الغياب سأظل أسأل عنك محطات السفر.. الدروب القصية، انهزامات العمر .. وخيبات الامل.. سأظل أحلم بوجهك الباسم وانت ترحل نحو التراب.. تاركا خلفك تواريخاً.. أزمنة.. وامكنة.. وسنوات من حياة لم تكتمل …! الحزن سيمر ببابنا كل ليلة يا صغيري النائم المستيقظ في ذاكرتي. وسيظل ألم رحيلك حيا في حلقي كغصة صمت أوان الكلام. فسلام لعينيك التي غادرتنا ذات فجاءة.. وورود لروحك الطائرة كفراشة ربيعية حضرت خطأً ذات خريف رمادي الوجه ممطر المآقي.. سلام لك وانت ترسم على حائط الرحيل رغم تعب الموت جداريات من فخر وانتماء.. وأنت تلملم من جثث رفاقك وزملائك باقات من حياة لأخرين لازالوا على قيد الوجع. وستظل أنين الروح المنثور حروفا وكلمات في صفحات القادم من كتب الحياة، فالمراثي على رحيل الشهداء صلاة.. وتأبينهم كل عام طقوس من عبادة.

اليوم أنا ككل الأيام  التي مضت في دفتر اليوميات و لم تمض حقا في حياتي .أتجاهل كل التفاصيل السيئة وأستمر دون شعور دون احساس دون نتائج في الحياة تذكر لكن على أمل أن الغد على الرغم من كل هذه الضربات وهذا الفقد وكم البذاءات التي تعترضنا أفضل  فحقا ما الحياة لولا فسحة الأمل..الأمل في  أن يذكرني أحدهم بعد موتي ويزورني واضعا على قبري باقة من ورود لم يكن ثمنها ميزانية لإحتفالية تأبينية تلتقط فيها الصور لتحفظ في أرشيف المؤسسة التي أعمل بها وتبرر سرقات حدثت وتحدث في مصاريفها كل يوم ..

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :