في الغابة، كما في الحياة…
قد تعلو الأصوات وتحتلّ المواقع،
لكنها لا تصنع ظلا، ولا تنبت ثمرا…
————–
كان هناك شجرة ضخمة في قلب الغابة، يقال إن جذورها تمتد إلى أعماق الحكمة، وإن أوراقها كانت تظلّل من يعرف كيف يعتني بها.
لم تكن ككل الأشجار، بل كانت تلقب بـ”شجرة العرف”، شجرة قامت على ميثاق الصمت والعناية، وأثمرت لمن صبر عليها، وآوت من احترم ظلها.
توارثت الحيوانات مسؤولية العناية بها جيلا بعد جيل، وكان يختار للأمر أهل الدراية: السلحفاة البصيرة، البومة المتأملة، النحلة المجتهدة… أولئك الذين يعرفون متى يسقى الجذر، ومتى تقلم الأغصان، ومتى يترك الأمر لسنن الطبيعة.
لكن ذات موسم، تغيرت الرياح.!
تعالت أصوات القردة من أسفل تهتف بحرارة:
“لقد طال صمت الحكماء وبطؤت خطواتهم، نحن الأجدر.. نحن الأسرع… نحن الأعلى صوتا…!”
تدفقت القردة نحو الشجرة، لا بنية العناية، بل برغبة في الصعود، في الظهور، و في إعلان السيطرة.
“الشجرة لنا..!” صاح كبيرهم وهو يعتلي الغصن الأعلى.. “سوف نعيد ترتيبها على طريقتنا“
بدأت الفوضى. قُطفت الثمار قبل أوانها، سكبت المياه بلا حساب، هشّمت الأغصان باسم “التحرّر”، وسمّيت الفوضى “تجديدا“..
صفّق البعض، فالحركة تبهج العيون المتعبة.
لكن شيئا فشيئا، خفّت الأوراق ومال الظلّ وجفت الثمار.
غادرت النحلة دون أن تودّع و اختفت البومة في الليل، وانسحبت السلحفاة و اعتكفت إلى قوقعتها، تنتظر موسما آخر.
أما القردة، فما تزال تقفز بين الأغصان، تتقاذف ما بقي من الثمار وتلوّح من الأعلى بزهو خادع…
ظنّت أن السيطرة تعني القيادة، وأن الضجيج يغني عن الفهم…
وفي الغابة، كما في الحياة…
قد تعلو الأصوات وتحتلّ المواقع،
لكنها لا تصنع ظلا، ولا تنبت ثمرا
قد تعتلي القردة الأغصان، لكن الشجرة لا تعطي سرّها إلا لمن يفهم صمتها.
فليست كل سيطرة قيادة،
ولا كل من في الأعلى… يرى إلى البعيد..














