بقلم :: عائشة إبراهيم
لم يكن احتفالاً بالمعنى الحقيقيّ لكلمة الاحتفال، أي تلك الحالة المبهرجة التي تبدو فيها علامات الزينة والابتهاج، كان أشبه بمظاهرة تحشيد كبيرة تبتلع طلاب الجامعة من الذين ينتمون بشكل خاص إلى القبيلة التي تملك زمام السلطة في البلاد، كانوا يتدفقون في مسيرات لاهبة باتجاه قاعة المسرح وينادون في هتافاتهم بضرورة تطهير الجامعة من أبناء القبيلة الأخرى أي تلك المصنفة بحسب معايير الولاء بأنها قبيلة خائنة.
تصاعدت حالة الاحتقان حين أقفلت أبواب القاعة في وجه شابين من أبناء القبيلة المغضوب عليها، وحين حاول أصغرهما اختراق الحفل قوبل بالتهديد والوعيد، وأخرج أحدهم مسدسه وأشهره عليه، فاندفع زميله الأكبر وبحركة التفافية ليختطف المسدس ويصوّبه في وجه الحشد الذي تراجع قليلاً إلى الخلف وسط ذهول الصدمة.
سادت همهمات في البداية ثم ارتفعت لتتحول إلى صياح: سلاح!.. سلاح!… سلاح في الجامعة!!… كانت المرة الأولى منذ حوالي عقدين من الزمن، التي يُشهر فيها سلاحٌ بالحرم الجامعي، الأمر الذي أرعب الطلاب من القبيلتين على السواء، ولكنه ضمَن الانسحاب الآمن للشابين من بين جموع شبان القبيلة المتنفذة..
توجها إلى مقر سكنهما، والذي يقع بالطابق الرابع والأخير لمبنى الجامعة، إذْ يشغل الطابق الأول المسرح والمكاتب الإدارية، ويشغل الطابقين الثاني والثالث قاعات الدراسة، فيما خُصص الطابق الرابع كمبيت لأولئك الطلاب الوافدين من خارج المدينة، وكان الخبر قد انتشر على نطاق واسع وتزايد القلق فسارع بعض مسؤولي الجامعة بالتدخل وطالبوا الطلاب القاطنين في الطابق بتسليم المسدس ودرء الفتنة في محلها.
قال الشاب الأصغر، وهو الذي يتقن أصول الحجة والمُفاصلة بأنه، وفي عرف قبيلته، يُعتبر إشهار السلاح بمثابة إزهاق روح، وهو بذلك يرفض التنازل وتسليم المسدس إلى الطرف المعتدي ما لم يوافق على ذلك أهله وذووه بحسب الأعراف الاجتماعية السائدة، فأثار ذلك غضب المسؤولين وخرجوا متوعدين غاضبين، الأمر الذي زاد من قلق الشاب وزملائه حول سلامتهم، فأرسلوا من يتدبر لهم أمر الحصول على بندقية، وقبل أن يشع نور الصباح كانت بندقية كلاشنكوف مخفية في معطف سميك ممدة تحت سرير بإحدى غرف الطابق الرابع.
بحلول الصباح، تنامى من بعيد صوت حشود غاضبة يقودها طلاب من القبيلة المتنفذة، اقتربوا من الباب الرئيسي وحاصروا المبنى من الخارج، وكانوا يطلقون النار في الهواء من بنادق ذات أشكال مختلفة، فتدافع الطلاب القاطنون بالطابق الرابع لاتخاذ مواقعهم بعد أن أوصدوا الباب الرئيسي لمبنى الجامعة بالمزاليج، ليصبح المبنى من الداخل تحت سيطرتهم.
ركض الشابان نحو البندقية التى خبآها تحت السرير، تناولها الأكبر .. سحب التأمينة.. هيّأ الرصاصة في بيت النار.. وجّه الفوهة من نافذة الطابق الرابع باتجاه الحشود في الخارج وداس بأصبعه على الزناد.. ركل الأصغر فوهة البندقية بيده ليدفع بها في اتجاه عمودي.. انطلقت ثلاث رصاصات في صلية واحدة متجهة نحو الأفق بعد أن كادت أن تخترق الرؤوس الرابضة في الأسفل. لم يمت أحد … تنفس الطرفان الصعداء..
سادت لحظات حرجة تراجعت على إثرها المجموعة التي تحاصر المدخل، محتمين بجدار سور الجامعة، أما تلك القابعة في الداخل فقد باغتتهم الصدمة والشعور بالخطر الحقيقي، ليقينهم بأنهم لم يعد باستطاعتهم الخروج ولا يملكون من السلاح للمواجهة إلا بندقيةً يتيمةً ومسدساً تم الاستيلاء عليه خلال المواجهة الفائتة، فيما كانت فرق الأمن في الخارج والتي تحالفت مع القبيلة المتنفذة تطلق صافرات الإنذار وتدعو عبر ميكرفوناتها محتلى المبنى إلى الاستسلام، دون أن تتخيل، وعلى وجه الدقة أعدادهم أو مقدار تسلحهم، وهو ما دفع ذلك الحلف إلى الاحتماء بالسور واستدعاء المزيد من العناصر.
خلال اللحظات التي أعقبت الصحو من الصدمة، ركض الطلاب في الطابق الرابع باتجاه الأسرّة المعدنية، ينزعون عنها الأغطية والشراشف، ويفككون قوائمها الأربعة ذات الشكل الاسطواني، والتي تستند في أحد طرفيها على زاوية مثلثية تشبه أخمص البندقية. قاموا بتوجيه أعمدة الأسرّة ذات الفوهات الأسطوانية في اتجاه القوات الرابضة في الأسفل، ونشروها على مدار نوافذ مبنى الجامعة بطوابقه الأربعة أما شراشف الأسرّة فقد لثّموا بها وجوههم تاركين عيونهم تبرق مصوبةً نحو أهداف البنادق الوهمية التي بدت تدجج المكان بالرعب، فلم تستطع القوات المتحالفة وعلى الرغم من أسلحتها الفتاكة الاقتراب من المكان.
استمر الوضع حتى وقت المغيب، وكلا الطرفين في حالة تأهب وقلق. عقب ذلك صدرت التعليمات من أعلى سلطة في الدولة بتنفيذ عملية إنزال جوي فوق سطح مبنى الجامعة للقبض على المجرمين، وحُدد صباح اليوم التالي موعداً لوصول التعزيزات التي ستقوم بعملية الإنزال، في تلك الأثناء وتحت جنح الظلام الدامس كان طلاب الطابق الرابع ينسحبون من المبنى بهدوء شديد عبر بوابة خلفية تاركين بنادقهم الوهمية مرتكزة على النوافذ. وحين نفذت عملية الإنزال لم تجد قوات الأمن إلا كُرات من القماش الملفوف على شكل رؤوس ملثّمة خلف كل عمود سرير.
ملحوظة/ الحدث أكل عليه الدهر وشرب، لم يبقَ منه إلا الطرافة الأخيرة والتي سُقتها للتنذر بحادثة الأسلحة الوهمية المستخدمة أثناء خطف الطائرة. أتمنى ألا يفسر الأمر تفسيراً جهوياً.