- محمد أبوالعزايم
حدَّثَني جَدٌّ لم يُدرِكهُ زماني،
وعلى إحدى كَتفيه عصاهُ،
وفوقَ الكَتِف الأخرى حطَّتْ أُمٌّ
لتمُدَّ المِنقارَ وتُطعمَ أفراخَ يمامٍ خُضرًا
بجَناحاتٍ لم يَنبُتْ ريشٌ_بَعدُ_ ليَكسُوَها،
ومناقيرَ صغارْ.
حدَّثني، وعصا التِّرحالِ على الكتفِ الأولىٰ
معجزةٌ تتَبدَّىٰ؛ ذلك أن عصًا يابسةً كانت آهِلةً
بالورَقِ الخُضرِ، وأعشاشِ الطَّير
وبالثَّمَرِ الطيِّبِ..والنوَّارْ
حدَّثَني، وأنا أشهدُ معجزةً أخرى تجري؛
إذْ تمتدُّ الكتفُ الأخرى أغصانًا
لِتُراوِحَ ما بين يمامٍ حَطَّ عليها..
ويمامٍ طارْ
حدَّثَني بيقينِ نبيٍّ مُرتحِلٍ في الأرضِ،
يُحدِّثُ لا من تِلقاءِ النَّفْسِ؛
ولكنْ من وحي الأسفارْ.
حدَّثَني أن العودةَ وعدٌ ألهَمهُ اللهُ أناملَ جدَّاتٍ
طرَّزْنَ خرائطَهُ فَوق عباءاتِ نساءٍ
لا منصوباتٍ بالكسرةِ، لكنْ
منتصباتٍ كالنخلِ العالي،
وصبيَّاتٍ أبكارْ.
حدثني خيطُ الجَدَّةِ لَمَّا لاذتْ بي
لأُمَرِّرَهُ في سَمِّ خِياطٍ
ضاقَ يُحاولُ أن يقهرَ خيطَ النورِ الباقيَ
في عينينِ مقاوِمتينِ،
ويهزمَ أعصابَ يدَينِ تَحيكانِ طريقَ العودةِ
بالخيطِ الواصلِ ما بين المقهورينَ
_إلى ميقاتٍ سيَتِمُّ_
وبين الله المقتدرِ القهَّارْ.
حدَّثني شهدٌ يَهطِلُ من عينيك
_إذا صعد الشهداءُ_
بأنَّ الأنهارَ على خدَّيكِ
طريقُ الشهداء إذا صعدوا
ليؤاخِيَهُم_في الفردوس الأعلى_
عسلُ الأنهارْ.
حدثني قمرٌ يطلعُ من شاهقِ عينيكِ جميلًا
ليُسمِّىَ أحلكَ ما في الليلِ
_وقد طال عليكِ الليلُ_
بَشيرَ نهارْ.
حدثني غيرُ ملاكٍ في الملأِ الأعلى للشِّعرِ
بأن أتأمَّلَ عينيكِ ووجهَ عباءتكِ النَّورانيَّ
_طويلًا_ حتى أجْتَليَ الأسرارْ.
حدثني كلُّ أولئكَ عنكِ، وعن مفتاحِ الدارْ
يا وارثَةَ المِفتاحِ،
ومانِحَةَ المفتاح الرَّمزَ،
وصاعدةً بالرَّمزِ إلى سمَواتِ التأويلِ الأقدَسِ
حتى يُشرقَ شمسًا في لُغةِ الأقدارْ.
مِن أيَّةِ نفخةِ روحٍ عاطرةٍ
في نفَسِ الله سَريتِ نسيمًا
ومشيتِ على شوكِ الأيامِ قطيفةَ صبرٍ،
يُدميها الشوكُ فتنضَحُ بالمسكِ،
وتقترحُ المسكَ دماءً لعروقِ الشهداءِ الأبرارْ.
أشهدُ_ يا المخلوقةُ من صبرٍ_
أنَّ الخالقَ سَوَّاكِ _على مهَلٍ_ برهانًا،
لِيُقِيمَ على الدنيا حُجَّةَ أنَّ الصبرَ جميلٌ،
والأجملُ أنك لا زلتِ _إذا هَبَّتْ ريحُ السُّوءِ_
تلوذينَ بمفتاح الدَّارْ.
حتى إنْ أُسبِلَ جَفْنا سقفِ البيتِ على عينيهِ،
وخَرَّتْ جُدرانٌ، ألقى واحدُها الرأسَ،
ومات على صدرِ جدارٍ ألقى الرأسَ،
ومات على صدر جدارْ.
وانفرَطَ الزيتونُ الحَيٌُ شهيدًا
فوقَ ترابِ حديقةِ بيتٍ مُنهدمٍ، لا مُنهزِمٍ،
وتسامىٰ الزيتُ، وصلَّت عيناكِ عليهِ،
وفاضت روحُ الأشجارْ.
لكنَّكِ_يا وحْدكِ_
وحدَكِ تُبقينَ على شرفِ الرمزِ
وتحتضنينَ النَّبْتَةَ في القلبِ الصَّبَّارْ.
يا غارسةً دمعكِ في حَدَقِ الأرضِ
بيوتًا،وحدائقَ زيتونٍ، ونخيلًا،
وبنينَ يُهروِلُ أجمَلُهُم حتى دكَّانِ اللهِ
على ناصيَةِ الشارعِ؛
حيثُ البنُّ الآجلُ_مُنتظرًا_ يعبِقُ
في مَحمَصةِ العطَّارْ.
عَجِّلْ يا ربُّ؛ السامرُ مُنعقِدٌ في البيتِ
ويَنتظرُ القهوةَ زُوَّارْ.
في الشارعِ_إذ يركضُ حاملًا البُنَّ إلى البيتِ_
روائحُ شَتَّى تتقافزُ كالأطفالِ،
وتدعو رائحةَ البنِّ إلى بعضِ المرَحِ العِطريِّ؛
فَثَمَّةَ عِطرٌ تحمِلُهُ نَسَماتٌ عبَرَتْ حبلَ غسيلٍ
في إحدى الشرُفاتِ/
ترابٌ مختلطٌ بالمسكِ العالي/
نوّاراتٌ جلَبَتْها الريحُ وداستْها أقدامُ عيالٍ
يستبِقون على كُرَةٍ.. وطعامٌ تطهوهُ امرأةٌ،
فيمُرُّ دُخَانُ شواءٍ من نافذةٍ في مطبخها
للشارعِ تَصحَبهُ أنفاسُ بُهارْ.
وتقولينَ، أُصَدِّقًُ؛
حتى لَكأنَّي بثلاثتِكُم_واللهِ_
الطفلُ يناوِلُكِ البُنَّ على عجلٍ،
بَينا أنتِ تقولينَ تأخَّرتَ كثيرًا
والجدُّ ينادي مستعجلًا القهوةَ: يا بِنتُ
وأنت تجيبينَ: على النَّارْ.
وتقولينَ؛ أُصدِّقُ:
إن السامرَ _مُنعقدًا_ ينتظرُ السُّمَّارَ الآتينَ غدًا،
حتى إن فَضُّوا_اليومَ_السُّمار
وتقولينَ، أُصَدِّقُ حتى لا يسقط من يدك المفتاح
فينهارَ البيت وننهار
سيقولونَ بأني مازلتُ أُغنِّي لك شِعْرًا
وبنوك بغزَّةَ سُكْناهُمْ مَحضُ شريطٍ
يُجريهِ التلفازُ على شاشتهِ
نعشًا تَحمِلُهُ كَتِفُ الأخبارْ.
ويقولون بأنَّا تُهنا حين أضعنا الدربَ،
وفرَّقَت الأرضُ خُطانا حين تفرَّقنا،
حتى أُوقِفْنا في حربٍ لا تُشبِهُها الحربُ؛
عدوٌّ آلتُهُ آلَتُهُ، أمَّا نحنُ..فآلتُنا الأشعارْ.
ويقولونَ يقولونَ يقولونَ..فأصمتُ،
لكنّي لا أعرفُ أن أصمتَ إلا شِعرًا،
لا أعرفُ_والعجزُ حِيالي_
أن يقتُلني أو أقتُلهُ إلَّا شِعرًا؛
فأنا القاتلُ، والمقتولُ.. كلانا في النارْ.
لكنَّكِ_بردًا وسلامًا_ تبتسمينَ
فيدنو مِنِّي قمرٌ يطلُع من شاهق عينيكِ حَنونًا
لِيُسميَ أحلكَ ما في الليلِ
_وقد طالَ عليكِ الليلُ_ بَشيرَ نهارْ.
وتُناولُني بسمةُ عينيكِ القلمَ: اكتُبْ؛
حَسْبي من شعرك تأويلُ الرَّمزِ،
وأن يَحمل_في كَفِّي_ للآتين غدًا
مِفتاحَ الدارْ.