سيارتك كم ماشية؟

سيارتك كم ماشية؟

بقلم :: عبد الرحمن جماعة 

في جلسة اجتماعية كان الحاضرون يتداولون هذا السؤال..

أما عن الإجابات.. فكانت صادمة كحوادث السير!

الصدمة الأولى:

أن بعضهم تحدث عن أرقام فلكية، فسيارة أحدهم قطعت مئة ألف كيلومتر، وتحدث آخر عن 400 ألف كيلومتر، أي ما يعادل عشر دورات كاملات على كوكب الأرض!

وكان في المجلس شيخ متكئ فجلس، عقد إصبعيه السبابة والإبهام، فارداً الثلاث الأخريات، ثم قال: “وحق ربي– وما تحلفو فيا – زمان عندي كرهبة وصلتها لـ 700 ألف كيلومتر”!

وهذه المسافة كافية لتغطية رحلة إلى القمر ذهاباً وإياباً!!

الصدمة الثانية:

أنني بعدما خرجت من ذلك المجلس وركبت سيارتي تفاجأت بأن عداد سيارتي قد تجاوز الـ 100 ألف!

وبحسبة بسيطة، وباعتباري قليل السفر، وأن أغلب هذه المسافة قد قطعتها داخل المدن، أي بمتوسط سرعة 40 كم/س، فإن الفترة التي قضيتها خلف المقود تساوي 2500 ساعة، أي ما يكفي لقراءة أربعين كتاباً، أو لكتابة رسالة دكتوراه، أو لغرس 3766 نخلة من نوع (دقلة).

الصدمة الثالثة:

تكمن في السؤال المحرج الذي تقافز أمام ناظري حول نوع وكموأهمية الإنجازات التي نتجت عن قطع كل تلك المسافة، وهل تستحق هذه الإنجازات قطع كل هذه المسافة؟ وما الذي سيتغير على وجه الأرض أو في باطنها لو لم أقم بتلك الرحلة المكوكية؟!

الإجابة قد تكون أكثر إحراجاً!

لكن الذي يُخفف هذا الإحراج هو أنني أنتمي إلى بلدٍ لا يعترف باختصار المسافات، فما يمكن تحقيقه في رمشة عين، نرهق العين لأجله حد العمش!

وما يُمكن إنجازه في خطوة، قد نقطع الفراسخ لأجله!

وما يُقال في بضع كلمات، نؤلف فيه الخطب، وننظم عليه المعلقات!

وما يُمكن الاتفاق عليه، نُعطله ونُعرقله بالخلاف حوله، والجدال عليه، وكثرة الكلام فيه!

شعارنا في ذلك: “المليح يبطي” و”كل تاخيرة فيها خيرة” و”التمر ما يجيبنه مراسيل”!

مع أن عصر السرعة الذي نعيشه، جعل كل شيء يتحرك بالمراسيل، بما في ذلك التمر!!.

أنا من أمة لم تعترف بأن كثرة الكلام تقلل العمل، وأن السلك ينبغي أن يكون على قدر الخرق، حتى لا تضيع الإبرة، وأن تحديد الهدف هو الذي يُحدد الطريق والسرعة والمسافة والرفاق وكمية الزاد ونوعه، وأن كثرة المشي ليست دلالة على الحكمة والعقل، بقدر ما هي دليل قاطع وعلامةواضحةعلى الجنون!.

 

 

 

 

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :