سعد السني
ظهر سيف الإسلام بلقطات سريعة وتصريح مقتضب وبملامح مضطربة ونظرات شاردة ،لا أحد يعرف من أين أتى ؟ولا إلى أين ذهب ؟ومن قام بحراسته؟ لا يمكن أبداً التأكد أنه يقوم بما يقوم به بمحض إرادته ، بعد مروره السريع وتصريحه المختصر تحول جزء من المشهد ،،ولكن بحضور شبحي غريب لم يطرح برنامجه السياسي ولم يتضح أين كان مختفيا طيلة السنوات الماضية ولا كيف انتهت قصة اعتقاله؟ هذا إذا كانت قد انتهت فعلاً .
ولكن في كل الأحوال إذا كان سيف الإسلام يحظى بشعبية لدى بعض البسطاء الذين يربطون بين الفوضى القائمة وزوال النظام السابق ، مع أن الفوضى القائمة ما هي إلا حصاد أربعة عقود من القهر والقبضة الأمنية وإلغاء القانون والدستور واستبداله. بنظريات العقيد وعبقرياته الخضراء ،كانت أربعة عقود بشعة ولم يلمعها ويجعل منها شيئا مقبولا إلا فوضى فبراير وإجرام الميليشيات. وتغول المناطق المدعومة غربياً أما النظام السابق فليس فيه ما يبعث على الحنين إلى العودة إليه، لقد كانت أربعة عقود من البروبوغاندا والهتاف باسم الصقر الوحيد الذي تلبّسه وهم بأنه أحد الذين أرسلت بهم العناية الإلهية لإنقاذ البشرية ودفع الشعب الليبي ثمن هذا الوهم المرضي وأُرهق الشعب من أمره عُسرا ،سُخرت ثروات البلاد من أجل الدعوة والتبشير بنظرياته وحلوله الخضراء و الحاسمة التي طرحها في كتابه الأخضر المكون من ثلاثة أجزاء من القطع الصغير ،يمكن بقليل من التنسيق وتصغير الخط كتابته في أربع صفحات A4 وهو كتاب رغم الملايين التي صرفت لتلميعه ليس إلا مجموعة (أوامر)يصدرها دكتاتور (لا ديمقراطية بدون مؤتمرات شعبية ) (اللجان في كل مكان ) ،،(الطفل تربيه أمه) إلخ…
لا يمكن تسمية هذه الأوامر العسكرية بالنظرية،فالنظرية بناء مفاهيمي معقد ،تسبقه دراسات دقيقة ونقد علمي للنظريات السابقة وخطوات منهجية أخرى يعرفها أرباب العلوم الإنسانية ،وعليك أن تعتبر هذه التأملات البسيطة على أنها آخر ما توصل إليه العقل البشري لحل مشاكل العالم الاقتصادية والسياسية ،وكذلك الاجتماعية ،وأننا بفضلها استطعنا تجاوز سويسرا كما كان يقول العقيد جاداًً ،عليك أن تصدق ذلك أو أنك خائن رجعي مندس، يجب تصفيته ، أربعة عقود من الضحك والاستكراد باسم الاشتراكية والعدالة،أربعة عقود وأعضاء اللجان الثورية يسكنون القصور الفخمة ويركبون المفاخر ويضطهدون الخلق ويتسابقون بأنواع السيارات الفخمة في (الملهاد) ويثرثرون حول العدالة الاجتماعية وعصر الجماهير ،لقد كان مشهداً بشعاً ومقززاً ،كان كل من يعترض على هذه البشاعة يُسجن أو يُقتل ،أو يهمش وتُدمر حياته بأساليب غاية في الخبث والنذالة ، لكن للأسف تغوّل وإجرام الميليشيات القبلية والمناطقية ،هو ما جعل من القهر حلما بعيد المنال للكثيرين.