سيل سيدي إدريس وكَيْل ستيفاني

سيل سيدي إدريس وكَيْل ستيفاني

المهدي يوسف كاجيجي.

 في الستينات من القرن الماضي فاض الكيل، بالملك إدريس السنوسي الرجل الحكيم، والذي اشتهر بالزهد. من النوادر التي تحكى عنه بعد سقوط نظامه، مفكرة صغيرة عثر عليها من ضمن أوراقه، مدون فيها المصاريف المنزلية ومنها 14 جنيها، المبلغ المطلوب تسديده لشراء خروف عيد الأضحي. غضب مرّة وكان سبب غضبه انتشار حالة الفساد والرشوة والمحسوبية، فوجه خطابا للأمة اشتهر وقتها باسم ” قد بلغ السيل الزبى” يقول في مقدمته: [ إنه قد بلغ السيل الزبى، وما يصم الآذان من سوء سيرة المسؤولين في الدولة من أخذ الرشوة سرا وعلانية، والمحسوبية القاضيتين على كيان الدولة وحسن سمعتها في الداخل والخارج، مع تبذير أموالها سرا وعلانية] خطاب اعتبره المحللون وقتها، بمثابة تحريض لكل ليبي على محاربة الفساد والرشوة والمحسوبية، مما أدى إلى إسقاط الحكومة، وتقديم الكثير من المسؤولين للتحقيق والمحاكمة. مضى على الخطاب أكثر من ستين عاما، تغيرت فيها الدنيا كثيرا، سقط فيها النظام الملكي والجماهيري، ومضت أكثر من عشر سنوات على تجربة فبراير، التي لم تتخذ شكلاً واسماً بعد. لم نعرف بعدها هل نحن دولة، أو دويلات متشرذمة؟ دائرة مفرغة يدور فيها شعب تعس، يواصل حالة الانحدار المتواصل نحو المجهول. حروب أهلية، تحالفات مشبوهة، تدمير متواصل للبنية الاقتصادية والاجتماعية. عشر سنوات فشل فيها الليبيون في الوصول إلى اتفاق لإقامة دولة، بل وصلوا إلى حالة من الانقسام والتشرذم والتمترس والاحتماء بالأجنبي وفقدوا فيها اتخاذ القرار. حالة ميؤوس منها عشر سنوات تداول على المشكل الليبي خلالها، أكثر من ستة ممثلين للأمين العام للأمم المتحدة، منهم عرب وعجم حاولوا أن يفهمونا، تربعوا أرضا في بيوتنا، ورفسوا البازين، وأكلوا الكسكسي، ومنهم من لبس البدلة العربية، وأكل خبزة الشعير بالتن والهريسة، ولكنهم في النهاية فشلوا جميعا في فهمنا. دخلوا علينا بعقولهم، غادرونا غير مأسوف عليهم، حاملين ذكريات تعسة، وأمراضا أقلها السكر وضغط الدم. آخرهم الأمريكية “ستيفاني وليامز” النائبة للبناني “غسان سلامة”، الذي استقال وهرب بجلده. جاءت ليبيا حاملة خبرة 24 سنة في العمل الدبلوماسي، منها 6 سنوات في دول عربية. حاصلة على ماجستير في الدراسات العربية، وآخر في الأمن القومي، إضافة إلى إجادتها اللغة العربية. السيدة ويليامز تلعب في الوقت الضائع، ولم يبق لها إلا أياماً معدودات في طريقها للتقاعد واللاعبون في المشهد الليبي، ومن ورائهم خبراء في اللعب على ضياع الوقت، مصرون في لعبهم كي يستمر الحال كما هو عليه. فاض الكيل! عندما وجه الملك إدريس خطابه للأمة محذرا أنه ” قد بلغ السيل الزبى” كانت النتيجة سقوط الحكومة. وبعد مرور أكثر من ستين عاما أصبح البلد كسفينة نوح، تشريعيا مجلسان، وتنفيذيا حكومتان، ولدفاعها جيشان، ولصك عملتها مصرفان، وهلم جرا .بلد مقسم ومشرذم بلا قيادة. أما السيدة ستيفاني، ممثلة المجتمع الدولي، الذي يعلن غير ما يبطن، فيبدو أنها أرادت قبل رحيلها أن تبرئ ذمتها أمام الله وأمام الشعب الليبي المنكوب ببنيه، وأن تقوم بالتنبيه للحالة التي وصلت لها ليبيا، والتحذير من القادم.

 فخلال اجتماع عام، وأثناء إلقاء خطابها بالإنجليزية انتقلت فجأة للغة العربية قائلة: الحال في ليبيا ينطبق عليه القول العربي (فاض الكيل)، فضجت القاعة بالضحك، واعتبرها الليبيون نكتة فضحكوا هم أيضا. وبما أن السيدة الفاضلة عندما بعثت برسالتها على طريقة “تويتر” تدرك أن الليبيين أذكياء، وأن اللبيب بالإشارة يفهم، وتدرك أيضا أن من بيدهم الأمر، تعنيهم المصالح أكثر من الأوطان، لذلك قامت بمحاولة أخيرة قبل الرحيل، ووجهت خطابا واضحا وصريحا ومباشرا تقول فيه: [أيها الليبيون أفيقوا، الوقت ليس في صالحكم، يوجد الآن- على أرضكم – 10 قواعد عسكرية لقوات أجنبية و 20000 من قوات أجنبية أو مرتزقة، وجودهم لمصلحتهم، وانتهاك مروع للسيادة الليبية. تدهور للظروف الاجتماعية والاقتصادية. في يناير 2021 مليون وثلاثمائة ألف ليبي بحاجة لمساعدة إنسانية، وانخفاض حاد في القدرة الشرائية للدينار الليبي. أزمة كهرباء رهيبة، أزمة فساد وسوء إدارة، وتفاقم في أزمة كورونا. هناك فاعلون أجانب وجهات محلية، تنخر في فساد منتشر. اختطاف واحتجاز تعسفي واغتيالات

وما بين سيل سيدي إدريس الذي وصل الزبى، وكَيْل السيدة ستيفاني الذي فاض، فقد مضى وقت طويل، ولا يزال الليبيون يواصلون الضحك، ويمارسون مع بعضهم البعض لعبة “عنز ولو طارت “. وليرحم الله ليبيا وأهلها مما هو قادم.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :