صحفيات ليبيات عند خط النار

صحفيات ليبيات عند خط النار

في مواجهة المجتمع

صحفيات ليبيات عند خط النار

نجاة عسكر ـ ليبيا

“قد أكون أول صحفية ليبية من مدينتي تجازف بالذهاب للجبهة لتغطية الأخبار بداية انتفاضة فبراير 2011، وقد تجاوزت خطوط النار لأصل لنقاط حربية ساخنة قرب المواقع النفطية بشرق ليبيا، ووثقت الأحداث التي مرت بتلك المنطقة”، تقول مصوّرة الحرب مبروكة المسماري.

مبروكة المسماري

كانت المرة الأولى التي اختبرت فيها مبروكة العمل الصحفي كمصورة مع بداية الثورة في بنغازي عام 2011، قبلها لم يكن لديها أدنى فكرة عن طبيعة هذا العمل، لتكون من النساء الليبيات القلائل اللواتي احترفن هذه المهنة. متحديات بذلك التشكيك السائد في قدرة الصحفيات الليبيات على الحضور في جبهات القتال وتغطية الأحداث من خطوط النار الأمامية للحرب الدائرة في مناطق ليبية مختلفة منذ 2011.

ليست الوحيدة

مبروكة ليست الوحيدة، فهناك غيرها وإن كنّ قليلات تصدين لهذه المهمة ويعملن في الخطوط الأمامية للجبهة، منهن المراسلة في وكالة “الغيمة” إيمان بن عامر والتي نقلت أحداثاً من الخط الأمامي للنار تخبرنا عن استعدادها للمخاطرة قائلة “أبادر وأصر على تغطية أخبار الجبهات رفقة زميل لي، وأفضّل أن أكون على قدر عال من الواقعية“.

تشير إيمان إلى أن تغطيات الاقتتال ليست أمراً هيناً ”إننا نغطي الأحداث في المستشفيات الميدانية وفي الخطوط الأمامية للحرب. شاهدتُ جرحى وقتلى وشباباً فقدوا أطرافهم، كما غطيت أحداثاً أخرى مؤلمة كالعثور على جثث ضحايا الهجرة عبر ليبيا”.

أما مبروكة فتروي أنها “في إحدى التغطيات بمدينة إجدابيا رأيت جثثاً متفحمة، وعلى الرغم من قسوة المشهد صورتُ الحدث، قام زملائي بدفنهم بشكل جماعي لأن أعدادهم كانت كبيرة، كانوا مشوهين، ولم أستطيع مشاهدة ما قمت بتصويره أبداً مجدداً”.


الصحفية غادة الشريف

العمل سراً

أول تغطية حرب قامت بها مبروكة رفقة زميلين لها كانت سراً، حيث لم تخبر أهلها، ”لم أكن أطلع أهلى على تغطياتي ال في جبهات القتال، كنت أدرك أنهم سيرفضون خوفاً على سلامتي، أختي وحدها كانت تعرف، تفهمها لرغبتي كان داعماً لي، حتى أنها قامت هي وأمي بمفاجأتي بكاميرا تصوير احترافية في بداية الثورة“.

نفس التصرف لازالت تعتمده إيمان التي تدرك أن رفض أهلها لعملها الصحفي في مناطق الحرب سببه الخوف على سلامتها ”كثيراً ما نتجادل لكنني في نهاية الأمر كنت أذهب للتغطيات في أماكن القتال“. مع هذا، لا تخبر إيمان أهلها عادة بذهابها لمناطق خطرة. تقول ”إدارة الوكالة فقط من تعلم، وأخبر صديقتي المقربة تحسّباً لأي ظرف طارئ، لكني أخبر أهلي عندما أعود“.

مواجهة مع المجتمع

على خط المواجهة مع المجتمع تقف الصحفية غادة الشريف من مدينة مصراتة والتي تعمل مراسلة ميدانية بقناة سلام الفضائية، وهي تخوض معركة مع فكرة عدم قبول عمل النساء في مجال الصحافة، تقول غادة ”لم أخض تجربة الذهاب إلى مواقع القتال، بعد تخرجي من كلية الإعلام توقعت أنني سأغطي أي خبر من الممكن أن يحدث في المدينة التي أعيش فيها، ولكن تفاجأت أن وجودي كامرأة في ساحات القتال التي جرت في ليبيا غير مقبول، فتيقنت أنني لا أستطيع مطلقاً الخوض فيه خوفاً على نفسي؛ لأنه لا يوجد من يحميني من أي جهة كانت”.

وتضيف غادة ”غير مقبول اجتماعياً أن تقوم فتاة بتغطية الحرب في الجبهات وأعتقد أن الأمر مرفوض بشكل مطلق وغير مطروح لمجرد النقاش، مجرد عملي كصحفية في مدينة مصراتة خاصة يعتبر شيئاً خارجاً عن العادة، وأنا حالياً الصحفية الميدانية الوحيدة في مدينة مصراتة”.


أحمد حمزة المدير التنفيذي للجنة الوطنية لحقوق الإنسان

عمل بدون تأهيل

تغطيات خطوط النار تحتاج تدريباً وجاهزيةً عالية حسب رأي إيمان وهو ما لا يتوفر للصحفي والصحفية على حد سواء في ليبيا حيث لا يحصلون على تدريب يؤمن حياتهم في الحروب، ولا على تأهيل نفسي بعد عودتهم من تلك التغطيات، “مرت بنا كثير من الأحداث الخطرة، أحدها تعرضنا للقصف في إحدى تغطياتنا العادية، وفي عام 2019 تمت محاصرتنا في منطقة السبيعة مع جماعة الإغاثة وجهاز الإسعاف، ولم نكن قادرين على الخروج من مناطق الاشتباك، في ذلك اليوم تلقينا خبر مقتل زميلنا المصور محمد بن خليفة”.

عن ردود فعل زملائها في العمل تقول مبروكة أن الرجال منهم تقبلوا قرارها ودعموا وجودها معهم، غير أن بعض النساء في محيطها لم يتقبلن الفكرة، “كنتُ مثاراً للأسئلة… من تكون؟ ماذا تفعل؟ لابد أنها غير ليبية؟”.

حراك غير موثق

ورغم تعدد الشواهد يقول أحمد حمزة المدير التنفيذي للجنة الوطنية لحقوق الإنسان “لا يوجد نساء صحفيات ليبيات دخلن لمناطق النزاع أو الاشتباك بهدف التغطية الإعلامية”. كما ذكر أنه لم يسبق للجنة تسجيل أي حالات قتل أو تمييز على أساس النوع الاجتماعي في جبهات القتال.

فيما تشير الأرقام والإحصائيات في العالم إلى أن التغطيات الصحفية أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر خطورة على الصحفيين من أي وقت مضى. أما في ليبيا منذ ثورة 2011 ضد نظام القذافي، وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش، أكثر من 91 حالة لصحفيين تعرضوا لتهديدات في الفترة بين منتصف 2012 حتى نوفمبر 2014، سجل منها ثلاثون حالة اختطاف أو اعتقال تعسفي وثماني حالات قتل، بينما أحصت منظمة “مراسلون بلا حدود” والمركز الليبي لحرية الصحافة خلال عام 2016 مقتل صحفيَين اثنين ليبيين وتعرض ثمانية آخرون للاعتداء الجسدي و نهب مكاتب مؤسستين إعلاميتين حكومية وأخرى غير حكومية، وفي عام 2018، فر 67 صحفياً من البلاد، فيما تعمل 8 وسائل إعلام ليبية من بلدان أخرى في الشرق الأوسط بحسب المركز الليبي لحرية الصحافة.

وذكر المركز الليبي للإعلام، أن 250 حالة انتهاك سجلت ضد الصحفيين الليبيين خلال العام 2017، وحالات إخفاء قسري بين صحفيين ومدونين وأصحاب رأي، وسجلت مدينة طرابلس الرقم الأكبر في حالات الإخفاء القسري.

فيما أوضحت منظمة مراسلون بلا حدود، في تقريرها السنوي للعام 2017، أن حرية الصحافة تواجه تهديدات غير مسبوقة، ووضعها خطير للغاية في أكثر من ثلث الدول التي شملها التقرير (72 من أصل 180)، واحتلت ليبيا المرتبة 163.

غير أن جميع تلك الإحصائيات لم توضح نسبة النساء من مجموع ما وثقته من حالات، وبالتالي لا يمكن تحليل تفاوت نسب خطورة الوضع على الرجال أو النساء، خطورةٌ لم تمنع الصحفيات على قلة عددهن عن المبادرة، ولم تذكر أي مؤسسة محلية أو دولية مقتل أو إصابة صحفيات ليبيات في مواقع القتال.

————————————————–

تم إنجاز هذه المادة ضمن مشروع “الأحداث كما ترويها الصحفيات” المدعوم من هيئة الأمم المتحدة لدعم المرأة والمنفذ من قبل أكاديمية شمال أفريقيا للإعلام.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :