أربعة عقود ونيّف ، من الزمن الجميل على خشبة المسرح الوطني ، ممزوجة بالعشق لأستاذ الشعوب الباذخ ، متواصلة ما بين الكاميرا و الجمهور ، صلاح الأحمر بابتسامته الدافئة التي لا تكاد تغادر محياه ولا يمكن فصلها عن تفاصيله ، ضيفنا في هذا العدد صحبة عقد أعماله الجميل ( الفريز ، نهاية جرعة ، في صمتها حكاية ) متوحد مع المسرح حتى في أصعب لحظات الوجع والفراق يوم رحيل والدته لم يترك الخشبة ، كان أول وأصعب تحدٍ يواجهه يوم جسد شخصية تبلغ من العمر 45 وهو ابن 24 ربيعا ، حديث ذو شجون يجمعنا به في حوارنا هذا .
المسرح منذ منذ نشأته الإغريقية والرومانية والرومان إلى تاريخه العربي والليبي هو دائما الخندق الذي يقاتل منه الفدائي
عن جديده حدثنا الفنان صلاح الأحمر قائلا :
أهلا وسهلا بكم في هذا البراح الفني فوق خشبة المسرح الوطني ( الكشاف سابقا ) سعيد بوجودكم في براحات الإبداع الفني ، فمن الجميل أن تكون لنا صحف تضحي لإظهار الجانب الجميل .
وأضاف : مع عدد من الزملاء لدينا أعمال فنية منها (عدلها ) وهو من تأليفي وإخراج الفنان القدير محمد بلعم يضم عددا من الممثلين الزملاء وهم الفنان المخضرم محمد بن يوسف والفنان مصطفى الشيخ والفنانة المميزة زبيدة قاسم أيضا لديّ عمل مسرحي بعنوان ( الفريز) وفيلم تلفزيوني يحمل عنوان ( نهاية جرعة ) وآخر بعنوان ( صمتها حكاية ) وهو عمل يحكي عن الآثار كقيمة قومية وكموضوع درامي شغل تلفزيون وليس عملا وثائقيا عن الآثار لكن هو حدوته رواية إخواننا السوريين اشتغلوا عن قصة الآثار والعصابات ونهب الآثار وأنا اشتغلت العمل هذا الذي أطلقت عليه في صمتها حكاية هذا طبعا إذا رأى النور ووجدنا من ينتج هذه الأعمال .
للأسف الشديد هناك من يشدنا إلى الوراء سواء في هذا الوقت أو سابقا ولا نتمنى للمسرحيين الجدد نفس مصيرنا بل نريد لهم مستقبلا جميلا اا
وعن سؤالنا لها ، البعض يتساءل أين صلاح الأحمر أجاب :
خلال هذه السنوات نحن موجودون ولم نجلس في بيوتنا ولا في المقاهي لكي نندب حظنا أو نتحدث عن شيء ماضٍ بل نعمل لتوثيق مرحلة عشنا كل تفاصيلها ماضيا وحاضرا لنرى مستقبلها في صورة أطفالنا الجميلة رغم كل شيء .
لكنك مبتعد تماما عن معظم المحافل الفنية لماذا ؟
الفنان الليبي وبشكل عام ربما يكون مبتعدا عن واقعه لينسجم في تطلعاته نحو بناء رؤية جديدة تخدم المسرح أو تخدم الفن بشكل عام يعمل الفنان الليبي بصمت حتى يجد المناخ الذي يؤهله لتقديم الجيد والمفيد وهذا لا يعني الابتعاد ، لكن الظروف المحيطة قد تجعل البعض يتقوقع في محارب عطائه وبصمت ، أيضا بعض الإشكاليات داخل الوسط الفني خاصة قد تكون سببا في قلة الإنتاج الفني و ظهور الإعلامي ، ومع ذلك يحاول الفنان الليبي أن يكون موجودا فهو الشمعة التي تضيء عوالم المشاهدين .
أربع عقود ونيّف من العمل المسرحي المتواصل كيف تراها ؟
يذكر المسرح فتذكر المقولة الشهيرة عن كونه أستاذ الشعوب ، وكما يقال أعطني مسرحا أعطيك شعبا واعيا مثقفا ، ونحن في حاجة ماسة إلى المشهد الثقافي وإلى المشهد الرياضي والمشهد الاجتماعي لبناء ليبيا ، وعلينا أن نترك السياسة للساسة. تواجهنا مهمة كبيرة تتمثل في نقل المجتمع إلى نور العلم والمسرح .
وأشار : المسرح منذ الخليقة سواء كان في ليبيا أو المسرح منذ نشأته الإغريقية والرومانية والرومان إلى تاريخه العربي هو دائما الخندق والجبهة التي يقاتل منها الفدائي لأن المسرح يحتاج لفدائيين هناك فنان وممثل مسرحي فدائي وهناك فنان تاجر إذا صحت هذه العبارة ، المسرح بحاجة لتضحيات ضخمة ونحن ضحينا بالكثير من عمرنا ومن وقتنا في سيبل أن نوصل هذه الرسالة السامية .
ووضح :: لكن للأسف الشديد هناك من يشدنا إلى الوراء سواء في هذا الوقت أو سابقا ولا نتمنى مستقبلا للمسرحيين الجدد نفس مصيرنا بل نريد لهم مستقبلا جميلا ومزدهرا .
وأنا أتحدث هنا عن التضحيات الجميلة من المسرحيين أتذكر الفنان القدير فتحي كحلول في مسرحية ( بالمحلي الفصيح ) .
مع مجموعة من الفنانين منهم الفنانة منيرة الغرياني والفنان عبدالله الشاوش والفنان علي الشول هذا يعطي بشرى خير بأنه لا توجد انتكاسة للحركة المسرحية الفنية في ليبيا كما يشاع وخير دليل هو قيام مجموعة من الشباب لتقديم عمل مسرحي في مهرجان قرطاج الدولي تحت عنوان ” الرقص على أنغام السيفون ” منهم الفنان محمد عثمان والفنان أيمن الغرياني العمل من إخراج حسين العلواني وساعد في الإخراج أسعد الدوكالي وفي هندسة الديكور الفنان التشكيلي سالم التميمي وكان عملا مسرحيا رائعا أي هناك إضاءات فنية جميلة في الضوء والنور هي ضياء للوطن فلابد أن يشع شعاع شمس الفن والمسرح كل البيوت المقفلة لتنير الحياة .
نحن بستان من الزهور اليانعة ولكنها في غير مناخها الحقيقي
كما للفن ثمنه في حياة الفنان الليبي بشكل خاص له بصمته أيضا فكيف كانت عليك ؟
الفن غذاء للروح ولأن الفن رسالة سامية يحملها الفنان ويظهر فيها ويمثل بلده ويتعرف على الآخرين من خلال هذه الرسالة النبيلة فالفن ليس لعبة وليس تجارة و ليس سمسرة ،الفن لابد أن يكون نابعا من الأعماق و الإحساس بالوطن والمجتمع .
هل تعتقد أن المسرح الليبي مازال بخير ؟
نحن بستان من الزهور اليانعة ولكنها في غير مناخها الحقيقي لدينا القدرات الهائلة جدا للتقديم في كل المجالات خاصة في المجال الإعلامي والثقافي حيث لدينا منفذين ومقدمي برامج وصحافيين وإعلاميين وممثلين وطاقات هائلة وخير دليل مشاركة الفنانين الليبيين في الخارج بشكل مميز جدا أنا أتذكر أن الفنانين الليبيين عندما اشتغلوا في مسلسل ( المفسدون في الأرض ) أمثال المرحوم شعبان القبلاوي والفنان الراحل عبد الله الريشي والفنان القدير لطفي بن موسي أطال الله في عمره وكذلك الفنان الراحل عمران راغب المدنيني و الراحل علي القبلاوي رحمهم الله وغفر لهم كانوا قامات فنية هائلة وعلى خشبة المسرح غنى عمالقة الفن الليبي أمثال الفنان الراحل محمد حسن والفنان الراحل محمود كريم والفنان الراحل محمد السليني والفنان راسم فخري والفنان عبد اللطيف حويل أسماء كثيرة وأيضا في فن المالوف والموشحات العربية الراحل حسن عريبي والراحل الشيخ قنيص وغيرهم من القامات الفنية التي قدمت ألوانا رائعة من الفن الليبي .
لدينا القدرات الهائلة جدا للتقديم في كل المجالات
واستشهد : وعندما نتحدث عن الإخراج يأتي اسم شيخ المخرجين حسن التركي والراحل خالد مصطفى خشيم والمخرج الراحل محمد مختار عيسي والمخرج محمد بلعم والمخرج عبد الله الزورق هذه القامة الكبيرة جدا في المسرح والسينما والتلفزيون وعبدالسلام عون وسالم البدري وهناك كثير من الأسماء ومن التقنيين ومهندسي الصوت أذكر منهم جمعة بن تاهية وناجي الطبال و عادل بن هروس عندما نقول لدينا أسماءٌ، هم فعلا رواد هذا في طرابلس ناهيك عن الذين في بنغازي وفي الزاوية وفي كل ربوع ليبيا أي بلادنا بها فنانون لهم قدرات جدُّ رائعة في كل مجالات الإبداع الفني .
في كل هذا الخضم ما هو جديد صلاح الأحمر؟
فيلم بعنوان ” نهاية جرعة ” شرعنا في تصويره منذ مدة وهو من تأليفي و إخراج كريم المنشاوي تدور فكرته حول جملة قضايا اجتماعية حقيقية مثل قضية المخدرات التي لا شك أننا نعلم جميعا بأنها أصبحت ظاهرة كبرى في العالم ولكن نهاية الجرعة قد لا تكون جرعة تعاطي المخدرات فقط وإنما هي جرعة الطمع والجشع والفقر والمرض والاكتئاب والحرام والأشياء المخالفة لطبيعة الشرع والقانون وهي الفكرة التي طرحت ضمن المشاهد وسلط الضوء عليها .
وبعد أن لاقت كل شخصية حتفها في هذا الفيلم نرى رسائل جدُّ مؤثرة وتحمل مضمونا عظيما نراه من خلال قصة كل شخصية وخاصة شخصية فرج الذي حصد مزرعته وزوجته خيرية التى جشعت وطمعت وطمحت بأن تنعم بحياة سعيدة وعيشة رغيدة دون أن تدرك حقيقة أمر زوجها الذي انجرف في مسار الهلاك
الفن يولد مع الإنسان، فنانٌ بدون موهبة ليس فنانا والفنان بدون حصالة أو حصانة فكرية وثقافية وأدبية ليس فنانا
وأضاف :: يشارك في هذا العمل نخبة من الفنانين هم رمضان المزداوي الفنانة هدى عبدا للطيف العائدة للتمثيل بعد غياب دام فترة طويلة و أحمد كابوكا ووليد العربي والصديق الشاوش و أحمد الطيرة ومحمد الهوني وعبدالرحيم الشريف أما الكادر الفني وهم في التصوير . ناصر البديري و هندسة إضاءة صلاح الجهني وهندسة صوت عبد السلام سنين فنى تجميل وخدع عبدالمعطي الوصيف مدير إنتاج . سالم الحمادي و الحمد لله ونسعى دائما لتحقيق الجديد متي توفرت لنا الإمكانيات
البعض يرى الفن مهنة كأي حرفة أخرى فكيف تراه أنت ؟
الحقيقة الفن يولد مع الإنسان فنانا بدون موهبة ليس فنانا والفنان بدون حصالة أو حصانة فكرية وثقافية وأدبية ليس فنانا والفنان إذا لم يقف على خشبة المسرح وعانى الآلام داخل المسرح والجهود التي تبذل في كواليس المسرح من حيث أنه يقدم هذه المادة للمتلقي ليس فنانا وأنا امتهنت هذه المهنة ولا أقول مهنة لو وضعتها في إطار المهنة أي شخص بإمكانه أن يقوم بها ولكن هذا المكان له علاقة بروحانيات معينة هي جزء من تركيبة الإنسان وهي الروح .
أتذكر أنني جئت للمسرح يوم وفاة والدي لأنني لا أستطيع الاعتذار عن تقديم دوري في المسرحية بل قدمتها رغم الحزن الذي يحيطني وكل الآلام لكن لا يمكنني عدم الحضور وتقديم دوري فوق خشبة المسرح وأمام الحضور وأيضا عندما توفيت والدة الفنان فتحي كحلول وهو على أهبة الاستعداد للخروج لتقديم دوره في العمل المسرحي واستمر ، كذلك المرحوم رمضان القاضي جاءه نبأ وفاة أمه على خشبة المسرح فواصل تجسيد الشخصية التي كان يمثلها ولم يغادر ، المسرح روح تسكن داخل أروحنا أي أن الفن إذا لم يسكننا لا نستطيع أن نطلق عليه فنا.
في مسرحية ” لعبة السلطان والوزير ” تحديت نفسي وجسدت شخصية تكبرني بعقدين ونجحت في التحدي
مواقف تستوطن ذاكراتك الخصبة والندية ؟
لدي الكثير منها ، ولكن دائما أنا أقول إن الذكريات الجميلة هي التي فيها مسالة التحدي في أنك تتحدى نفسك قبل أن تتحدي الآخرين أنا في مسرحية ” لعبة السلطان والوزير ” لم تكن لي شخصية بهذه المسرحية لكن كنت مساعد مخرج للأستاذ البوصيري عبد الله لأن هذه المسرحية من تأليفه وإخراجه وشاركنا بها في مهرجان المسرح عام 1982 م وكما ذكرت أنني لم يكن لي فيها دور فقط كنت مساعد مخرج ولكن حفظت المسرحية وعشقت الدور الذي لم يقنع أكثر من ممثل المخرج به ففي يوم كانت تقام فيه التدريبات قلت للمخرج أنا سوف أقوم بهذا الدور حتى لا تقف التدريبات وبعدما قدمت الدور قال لي المخرج البصيري الدور لك أنت وكان عمري في ذلك الوقت 23 عاما والشخصية التي قدمتها كان عمرها 45 عاما وكيف أنت تتحدى نفسك وتطلع من 23 إلى 45 إنه فارق كبير ولكن بالتحدي تحقق وصار حقيقة حتى تقنع المتلقي وكانت أمامي قامة كبيرة وهي السيدة الراحلة سعاد الحداد وكان الراحل رمضان القاضي رحمه الله وقدمت الدور على أحسن وجه حتى أنه كتب عنه الراحل الأستاذ نجم الدين غالب الكيب رغم أنني لم أكن أعرفه لكنه كتب عني وقال صلاح الأحمر إنه موهبة نرجو الاهتمام بها وحمايتها حتى لا تتلاشى وتندتثر من عالمها المسرحي والله فرحت جدا بما كتبه هذا الأديب الفاضل رحمه الله والحمد لله أنا تحديت نفسي فكتب لي النجاح .
وهذا يعد من المواقف الجميلة التى أعتز بها الموقف الجميل والمواقف عديدة ففي مسرحية ” دائرة الشك ” وزع السيد فرج أبو فاخرة أوراق العمل على أكثر من شخصية وكان مرتبطا بموعد للعرض فجاء وقدم لي كثالث ممثل الورقة وكان متبقيا على العرض 9 أيام فقالوا كيف سيقدم ويوفق صلاح والعرض باقي عليه 9 أيام فقط فأحد الزملاء الله يتقبله بالرحمة إن شاء الله قال : إذا استطاع صلاح الأحمر خلال 9 أيام أن يشتغل هذا العمل المسرحي فأنا مستعد أن أضعه على ” اكتافي ” وأرجع به لمكان سكناه والحمد لله وفقني الله وأنجزت العمل بكل نجاح ولم يكن التحدي له بل لنفسي هو في الحقيقة أعطاني دفعة فعلية لكي أتحدى نفسي وحققت النجاح عبر هذه الخشبة التي نجلس عليها الآن .
حديثك معي جله يتكلم عن المسرح ؟ أين الدور الدرامي معك ؟
أنا لست بعيدا عن الأعمال الدرامية هي تشمل المسرح والتلفزيون والفن بشكل عام مثل نص مكتوب مسموع أو مرئي أو مسرحي هي درامي ثم يأتي الدور الذي تقدمه إذا كان تراجيديا أو كوميديا لقد اشتغلت في المنوعات كثيرا على مدى 20 عاما متتالية حيث قدمت مسلسلات درامية اجتماعية وشاركت في مهرجانات عديدة منها الدولية والمحلية وقد تم اختياري فيها كعضو لجنة تحكيم دولية في مهرجان القاهرة لسينما الأطفال والحمد لله وفقني ربي في هذه المهمة والنجاح للجميع وأنا أقول إن نجاح الفنان الليبي سواء في الداخل أو الخارج هو نجاح لكل الفنانين الليبيين دعوة كل الزملاء، إخوتي الفن حب، الفن عطاء الفن والوفاء وإذا ضاعت هذه الأشياء لا يبقى فن الفنان يقدم في رسالة لابد أن نحافظ عليها ونحترمها ونجلّها جميعا .
كلمة لمن ترسلها ؟؟
إلى كل عاشق للفن الأصيل وكل بلادي الحبيبة التي أتمنى لها العودة للنجاح والعمل والبناء والتقدم في كل المجالات والله يكون في عون الجميع تبقى التحية لكم ولكل العاملين بهذه الصحيفة الموقرة