طرابلس الغرب وبرقة (1795-1858) دراسة لأنماط الأوضاع الأقتصادية ” الجزء الاول “

طرابلس الغرب وبرقة (1795-1858) دراسة لأنماط الأوضاع الأقتصادية ” الجزء الاول “

عرض وتقديم : أبوبكر مصطفى خليفة

ماهي الأوضاع الاقتصادية لكل من إيالة طرابلس الغرب وبرقة خلال الفترة من عام 1795 إلى العام 1858 ؟وماهي تاثيرات هده الاوضاع على المواطنيين الليبين في تلك الفترة؟ومادا عن التدخل الخارجي في شؤؤون الايالة وتداعياته الاقتصادية؟

هذه التساؤلات يجيبنا عليها الباحث محمد عبد الجليل إحبيل في رسالته لنيل درجة الإجازة العالية ” الماجستير” في قسم التاريخ من جامعة الزاوية والتي حملت عنوان إيالة طرابلس الغرب وبرقة 1795- 1858 دراسة لأنماط الأوضاع الاقتصادية ويشير الباحث إلى جل الدراسات التاريخية السياسية والتعمق فيها بحيث تدرس كافة جوانب الحدث السياسي ، والنتائج المترتبة عليها ، فيما احتلت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية درجة أقل من اهتمام الباحثين أسباب عدة ، لعل  أهمها : قلة المادة التاريخية المتناولة لهذه الجوانب ، وتناثر الموجود منها على دور المحفوظات المختلفة ، مما يجعل عملية البحث فيها شاقة وعسرة ، وتاريخ طرابلس الاقتصادي يندرج تحت هذا الإطار ، فهو لايقل أهمية عن التاريخ السياسي ، ولايمكن إغفاله ، من حيث أنه يؤثر ويتأثر بكافة الأحداث السياسية، داخلية وخارجية ، ثم إن هذه الأحداث أترث في شكل أنماط وأنواع من المتغيرات على اقتصاد طرابلس على مر تاريخها.

وركز موضوع الدراسة على فترة زمنية محددة من تاريخ طرابلس الغرب تبدأ من عام 1795 ، وتنتهي في عام 1858م تهتم بمعرفة أوضاع الايالة الاقتصادية وأنماطها ، وعموماً فقد جرت عادة معظم المؤرخين على جعل طرابلس الغرب (إيالة) خلال فترة الحكم القرمانلي ، (وولاية) منذ عام 1864م ، أما أسباب تحديد هذه الفترة الزمنية فتعود إلى أن عام 1795م يمثل فترة وصول يوسف باشا لحكم طرابلس ، وهي مرحلة مميزة ومختلفة عن بقية فترات حكم الأسرة القرمانلية من حيث :-

مكانة يوسف باشا التي أسهمت في وصوله للحكم ، فكان ذا شخصية قوية على المستوى الدولي ، والمحلي ، وبخاصة إقامة علاقات واسعة مع الدول الأوروبية اتسمت بالندية في مراحلها الأولى .

إن وصوله للحكم أوجد مكاناً مهاباً للإيالة كدولة قوية الجانب ، وبالتالي تمتعت في عهده باستقلالية – في كثير من النواحي – عن الدولة العثمانية ، ورغم حصوله على فرمان توليته منها ، إلا أنه استمر في إيجاد أسس لبنائها بناء قوياً تتفق مصالحها بالدرجة الأولى مع مصالح الدول الأوروبية ، وبعيداً عن مصالح الباب العالي .

ولقد حمل عام 1858م الكثير من الحوادث الهامة التي تعد حداً فاصلاً في تاريخها ، ففي هذا العام تم القضاء على حركة غومة المحمودي التي أرهقت الحكم العثماني كثيراً في منطقة الجبل الغربي ، وفيه ايضاً تم إلغاء تجارة الرقيق رسمياً في عموم الدولة العثمانية، ومنها طرابلس ، رغم أهميتهااقتصادياً ، وحمل هذا العام نهاية حكم الوالي عثمان باشا صاحب البصمات الواضحة عليها ،وفيه أيضاً تم إنشاء المدارس الرشيدية فيها التي كانت خطوة هامة في الإصلاحات العثمانية، وشهد هذا العام أيضاً صدور قانون الأراضي (الطابو) في الدولة العثمانية الذي نظم استغلال الأراضي وملكيتها وتقسيماتها ، ونظم كذلك استيفاء الضرائب منها ، صحيح أنه لم يطبق في طرابلس الغرب إلا مع سنة 1874م إلا أن صدوره يمثل إضافة مهمة إلى إصلاحات الدولة العثمانية التي شملتها .

أما عن أهداف الدراسة يقول الباحث فهي تتعرض لأنماط من الأوضاع الاقتصادية التي مرت في الوقت نفسه تدرس ظاهرة مفادها سيطرة مصدر اقتصادي واحد على اقتصادها ، واضمحلاله ، وبروز مصدر آخر على مر فترة الدراسة .

إن دراسة هذه الظاهرة خلال عهدين مختلفين يعطينا فسحة للمقارنة بين السياسات الاقتصادية التي اجتهد يوسف باشا ومن جاء بعده من الولاة العثمانيين في رسمها حرصاً على استمرار البقاء ضمن الوضع الدولي الذي أصبح يتغير بشكل ملحوظ في هذه الفترة ، وكان لابد من الاستعانة بالجداول والأشكال البيانية للتدليل على بروز هذه الظاهرة ، مع التنبيه على أن ما تناولناه هو ما توافرت حوله المعلومات فقط .

إن الدراسات التي تناولت الجانب الاقتصادي في تاريخ إيالة طرابلس تناولته بشكل عام ، فالاهتمام بالجزئيات غاب عن معظمها ، بحيث أن دراسة سلعة نقدية أو مصدر اقتصادي معين لم يتم في معظمها ، فمثلاً  كتاب (كولافولايان) : ليبيا أثناء حكم يوسف باشا القرمانلي انصب الاهتمام فيه على ذكر الأحداث السياسية بشكل واسع ، مع إبراز بعض الإحصائيات ، والجزئيات المتعلقة بالجانب الاقتصادي التي كان لها دور في تبيان بعض جوانب هذه الدراسة ، وهذا الكتاب لم يتتبع مصدراً مالياً أو وضعاً اقتصادياً بعينه وما يمثله بالنسبة للميزانية العامة للإيالة ، بل كان عرضه لبعض الأرقام بمثابة التدليل على ما أثره الواقع السياسي على بنية النظام الاقتصادي فيها .

ومن بين الكتب التي اعتمدت في هذه الدراسة كتاب (إسماعيل كمالي ) : وثائق عن نهاية العهد القرمانلي ، والذي كان له دور في معرفة الأدوار السياسية التي مرت بها الإيالة وبعضها من الشذرات التي تهتم بالجانب الأقتصادي ، اعتمد عليه الباحث في سد أي عجز في الجانب الوثائقي الأصلي حول مواضيع تتعلق بسياسة يوسف باشا القرمانلي الاقتصادية .

كما استفاد الباحث في دراسته أيضاً من كتاب (ردودلفو ميكاكي) : طرابلس الغرب تحت حكم أسرة القرمانلي ، والذي تحدث عن جل الأوضاع السياسية في الأيالة في تلك الفترة ، وذيل بمجموعة من الوثائق التي تم الاستفادة منها خاصة ما يتعلق بالمعاهدات التي وقعها يوسف باشا القرمانلي مع بعض الدول الأوروبية ، رغم فقدانه لبعض الإحصاءات والأرقام الإقتصادية التي تتعلق باقتصادها في هذه الفترة .

كذلك استفادت الدراسة وبشكل كبير من كتاب (عمر على بن إسماعيل ) ، انهيار حكم الأسرة القرمانلية في ليبيا ، والذي يحتوي على مجموعة من الإحصاءات التي دللت على جانب من الأوضاع الاقتصادية المهمة في فترة الدراسة ، وذيل ايضا بمجموعة من الوثائق ، ثم الأستفادة منها عند الحديث عن آلية التعامل بين الباشا والدول الأوروبية واثناء حدوث النزاعات حول المبالغ المالية والأتاوات المطلوب منها .

أيضاً استفادت الدراسة من كتاب (كوستانزيوبرنيا) : طرابلس 1510-1850م والذي يغطي جل فترة الدراسة سياسياً والذي احتوى أيضاً على بعض الأرقام والإحصاءات خاصة في العام 1850م والتي تمثل شرحاً لأوضاع الأيالة بصفة عامة في هذه السنة .

أما أهم الأبحاث التي ركزت عليها الدراسة فهما مقالتان: الأولى / إحصائيات حول : تجارة بنغازي – لكالوجيرو بياتزا – ضمن مقالات المجلة التاريخية  المغربية ، القسم الفرنسي ، باعتبارها تغطي حجم التبادل التجاري بين ميناءي الأيالة ببنغازي وطرابلس ، وكذلك بين ميناء بنغازي وبعض الموانئ الأوروبية ، وفهم ألية العمل الاقتصادي لبنغازي في عام 1828م .

أما المقالة الثانية / بعنوان مالطا تحت الاحتلال البريطاني ، والأسرة القرمانلية الحاكمة بطرابلس 1800-1835م ، وتتناول حجم التعامل بين الإيالة ومالطا في ظل الظروف الدولية آنذاك ، وبجزء قليل استفادت الدراسة من كتاب الصالحين (جبريل الخفيفي) : النظام الضريبي في ولاية طرابلس الغرب 1835-1911م ،حيث أدرجت فيه بعض الأرقام التي تناولتها الدراسة بالتحليل والتقييم .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :