عكاز الأعمى وبطاقة الفيزا

عكاز الأعمى وبطاقة الفيزا

  • تقرير :: زهرة موسى

كثيرا ما يقع الشخص في ذات الفخّ الذي نصبه لغيره فيصدق المثل ” نية العمى في عكوزه “! هذا المثل يصف تماما ما حدث لإحدى الشخصيات في قصتنا (وهو الشاب فتحي) الذي يروي لنا فيها تفاصيل جريمة حدثت بإحدى مصارف المدينة ،وبمحض الصدفة ” كان (محدثنا) شاهدا عليها “. فتحي شاب ثلاثيني “موظف ، و ناشط مدني ” يقطن بمدينة سبها، بدأ حديثه وملامح الانزعاج واضحة عليه ، وبتجهم جليّ للعيان قال : “أحيانا .. يحدث أن يقع أحدهم ضحية لنفس الفخ الذي نصبه لغيره ، فكما يقال ” من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ” هذا المثل يصف تماما ما حدث في ذاك اليوم ، عندما كنت في زيارة لمصرف ما بمدينة سبها من أجل إتمام بعض الإجراءات المصرفية لصديق مقرب ، ولكن ما حدث أمامي كان بمثابة الصدمة الكبيرة ، و أثبت لي بأن هناك الكثير من خبايا الفساد التي تجري في المصارف خلسةً ، وبعيدا عن أعين الناس . واسترسل فتحي يصف تلك الحادثة باستهجان : ” قد لا يخفى علينا جميعا ما نعانيه من فساد إداري بالمصارف ،حالها حال معظم المؤسسات الحكومية في البلاد ، ومن البديهي أن يستغل ضعاف النفوس أصغر الفرص لتحقيق ما يطمحون إليه من ثراء فاسد .

فمنذ أن فتح ملف الدولار ” الفيزا كرت ” بدأ بعض الموظفين باستغلال الأمر لصالحهم ، وجعله مصدر رزق غير مشروع يدر عليهم الكثير من الأموال، فتشكلت عصابات من موظفي عدد من المؤسسات إضافة إلى موظفي المصرف ، وغالبا ما تضم تلك العصابات “موظفا مصرفيا و موظفا بالسجل المدني ، و آخر محرر عقود “

 ! هذه العصابات تقوم بإتمام كافة الإجراءات المطلوبة باسم أحد زبائن المصرف (خاصة أولئك الذين يقطنون في القرى حيث يصعب عليهم التردد على المصارف بشكل دائم لمتابعة حساباتهم و إجراءاتهم ، مما جعلهم ضحايا يتم بواسطة بياناتهم استخراج ” الفيزا كرت” دون إذنهم ، ويتم بيعها ، و حين يأتي الزبون الغافل من هؤلاء ليستخرج البطاقة يكتشف أن هناك بطاقة مفعلة باسمه ، ولا يمكنه استخراج بطاقة أخرى فيحرم بذلك من حقه كمواطن في صرف الدولار !

و قد كان لدى البعض من زبائن المصارف بعد اكتشافهم هذا الأمر وعي قانوني ،فقاموا برفع قضية ضد المصرف الذي اختلس بطاقات الفيزا الخاصة بهم. والبعض الآخر لاحول له و لاقوة ، و هذا الأمر ليس مقتصرا على مصرف واحد فحسب، بل إن معظم مصارف المدينة تقوم بذات اللعبة لنهب المواطنين . بعد برهة من السكوت ..استرجع محدثنا ذكرى ذاك النهار و أكمل قائلاً : ” عندما ذهبت ذاك اليوم، بدأ المكان مزدحما جدا ، لأنه موعد استلام بطاقات ” الفيزا كرت ” للزبائن حسب ما أعلن المصرف، و كانت القاعة مكتظة بالزبائن المختلفين أشكالاً و لهجات من سكان سبها وماجاورها من قرى ، بدأ الموظفون ينادون على أسماء الزبائن المدرجة في القائمة ، وكل يذهب لاستلام بطاقته .. وفي خضم الفوضى و الزحام العشوائي استمر أحد الموظفين بقراءة القائمة حتى جاء دور رجل مسن من الضواحي المجاورة للمدينة وقد تكبد عناء الحضور لاستلام بطاقته التي حان دورها ، لكن فجأة تعالى الهرج و المرج و اشتد النزاع بين موظف قائمة التسليم و أحد الموظفين الذي أراد أن ينهب البطاقة رغماً عن أنف زميله هذا الذي يريد تسليمها لصاحبها الموجود في القاعة .. واستمر إصرار موظف القائمة على تسليم البطاقة لصاحبها وهو الرجل المسن ، وتطور الشجار حينها و تعالت الأصوات، و ارتبك المكان في غمرة الصراخ و الجدال بين الطرفين !

المريب في الأمر : لما كان ذلك الموظف المتهجم على زميله يريد استلاب ما ليس له بتلك الفجاجة و ” عيني عينك” أمام حشد الزبائن الآخرين !!

احتدم النزاع وبصعوبة تم فضه في نهاية المطاف بتسليم البطاقة التي شحنت بقيمة 10,000 دولار لصاحبها المسن المحظوظ الذي لم يقم يوما بأي إجراء من إجراءات استخراج البطاقة أو شحنها بالدولار !

و كم كان هذا الرجل محظوظا ليكون حاضراً ويستلم بطاقته في الوقت المناسب قبل أن تقوم العصابة بتسليمها و بيعها كغيرها من البطاقات التي بيعت في السابق .

وعلق فتحي ” فعلا ” نية العمى في عكوزه ” تلك العصابة التي قامت بخداع ذلك الزبون المسن واستغلال حسابه ، غلبها حظه الجيد الذي أتى به ذاك النهار تحديداً ليستلم البطاقة الجاهزة و المشحونة بقيمة كبيرة بلا تعب يذكر !

أما ذلك الموظف الناهب فلا أعلم ما الذي حدث له بعد ذلك الموقف، و لا أدري هل لا يزال يعمل هناك أم أنه قد ترك العمل بالرغم من التقصي عنه من خلال بعض الأصدقاء، ما أنا متيقن منه إن الخطر سيظل محدقاً بزبائن ذلك المصرف إذا كان هذا الموظف يستمر في العمل هناك مع العصابة التي لن تدعه يعمل بأمانة و ضمير بعدما كان، فلا خيار له إلا واحدة من اثنتين: إما أن يتعاون مع الفاسدين أو أن يتخذ موقفا شجاعا لمحاربتهم ، و كم هذا صعب في ظل الظروف الحالية ،حيث تستوطن العصابات و المليشيات المدينة وكل مؤسساتها الحيوية بلا تفريق .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :