علي خليفة الزائدي .. قائد ورسالة

علي خليفة الزائدي .. قائد ورسالة

  • شعبان التائب

تأسست الحركة الكشفية في ليبيا في شهر فبراير من عام 1954 بعد عدة محاولات في مدن طرابلس وبنغازي قبل هذا التاريخ ولكن لم يكتب لها النجاح والاستمرار ، المؤسس الفعلي للحركة الكشفية الليبية المبنية على الأسس والمبادئ الكشفية المعترف بها عالميا هو المرحوم علي خليفة الزائدي ، انطلق – رحمه الله – في تطبيق فكرته معتمداً على إيمانه بحب وطنه وقوة عزيمته وإخلاصه في عمله ، مرتكزا على خبرته الطويلة في المجال الكشفي باعتباره رائدا من روادها وفارساً من فرسانها القلائل المشهود لهم بالخبرة والحنكة القيادية في ذلك الوقت “عمل بفكره ومبادئه بهمة ونشاط وقوة إرادة لخدمة الفتى عن طريق الحركة الكشفية التي يعتز بها حينما كانت تعد من لهو الشباب ، ولم تكن في ذلك الوقت قد بلغت الدرجة التي تعتبر فيها من الأساليب التربوية الصحيحة التي يمكن أن تعتنقها دولة وأن يؤمن بها مجتمع يريد لنفسه الحياة الأفضل ، وكان هذا العمل صعباً في أرض غير ممهدة وعقول غير معدة ، ولكن بالإيمان الصادق والعزيمة القوية والإرادة الصلبة ، تمكن علي خليفة الزائدي قائدنا الكشفي من أن يشق طريقه مع زملائه كالطليعة الرائدة ، وأن ينشر هذه الحركة ليس في لبنان فقط ولا في ليبيا فقط ، بل امتد نشاطه إلى آفاق أبعد بإسهامه بالفكر الناضج والرأي الثاقب والقيمة الطيبة والشمائل الحلوة التي كنا وما نزال نستمدها من هذا العصامي المؤمن بحق وطنه عليه[1]. عَطَاءٌ بِلَا تَوَقّفٍ. واصل العطاء بلا توقف ، ومن نواة الفرقة الأولى انتشرت الفرق وصارت الحركة عنوانا للوحدة الوطنية ، ازدادت التضحيات ومن حوله صار التلاميذ والاْبناء والبنات اْجيالا من القادة والمربين الذين يمثلون وطنهم اْروع تمثيل ، ويعطون من عرقهم ودمهم اْيضا دون انتظار ثمن ، الزائدي رجل وحركة قائد ورسالة ، رائد لأجيال تواصلت ولم تنقطع ، الزائدي من رجال ليبيا النبلاء الذي اْعطى وضحّى ، وكان مثالا لصورة مشرقة للوطن فى اْزهى سنواته ، الزائدى مدرسة في الوطنية والتربية والقيادة[2]. حين عاد علي خليفة الزائدي من لبنان إلى وطنه ليبيا اْواخر عام 1953 ليؤسس الحركة الكشفية ، كانت انطلاقة الفرقة الأولى بقيادته بمدرسة طرابلس الثانوية مكونة من سبعة وثلاثين طالبا ، وقتها كان الوطن قد بلغ عامه الثالث من الاستقلال والشباب فى فراغ والإمكانيات متواضعة ولم يكن البعض ممن حارب الفكرة وسخر منها ووضع أمامها العراقيل يعتقد اْن الرجل يبسم فى وجه الصعاب ويمضي ليبني الكشفية الليبية بكل حماس ويرفع الاْحجار بتشجيع ومساندة من الدولة الفتية ، وكذا أولياء الأمور والمربين الذين عرفوا قيمة الزائدي والحركة والرسالة والفكرة ، وعلى الدوام البقاء للفكرة والرسالة قبل أي شيء آخر[3].

صُعُوبَاتٌ وَعَرَاقِيلٌ. نعم إن الزائدي لم يجد الطريق أمامه ممهداً، ولا العقول معدة لفهم فكرته بسهولة، بل وجد الكثير من العراقيل والمصاعب، وكان يدرك أنه ” سيتعرض لصعاب وعقبات لا أول لها من آخر، ويدرك أيضاً أنه مقدم على تطبيق تجربة جديدة لفكرة لم يكن يعيها إلا القليل النادر من أبناء الوطن ، ورغم ضعف الإمكانيات المادية التي كانت متوفرة لديه ، وقوة إمكانيات السخرية والاستهزاء وإطلاق الشائعات ، استطاع بإيمانه القوي ، وعمله المتواصل ، وحبه الشديد لوطنه ومواطنيه أن يمهد العقول لتقبل فكرة الكشفية في ليبيا ، ويضم إليه أنصاراً يَعُونَ القيمة التربوية لهذه الحركة ، وعانى رحمه الله ما عانى من المشاق وتذليل العقبات حتى كلل سبحانه وتعالى جهوده بالنجاح ، وجنى ثمار تلك التجربة العويصة الغامضة ، بتكوين أول فرقة كشفية في ليبيا فرقة طرابلس الأولى وبذلك خرجت الفكرة من مجرد نظرية ، تَجُول في المخ إلى شيء موجود فعلاَ ، يتحرك ويثبت وجوده بوجوده وعمله ، وواصل المربي الكبير عمل النهار بعمل الليل ، ودرّب فتيانه على تحمل مختلف المسؤوليات ، ليكونوا النواة الأولى للانطلاقة الكبرى “[4] واستطاع أن يرسي قواعد حركة شبابية قوية البنيان في زمن قياسي ، لم يكن يتوقعه هو نفسه حيث قال رحمه الله :”ما كان يدور بخَلَدِي عند تكوين أول فرقة كشفية أن الحركة تستطيع أن تضغط الزمن وتختصر السنوات وتحقق في هذه المدة الوجيزة ماحققته ، وتصبح حركة ترعى آلاف الشباب من الجنسين ، وتسهم في تطوير البلاد وتقدم المجتمع عن طريق مشروعاتها الاجتماعية والوطنية المتواصلة “[5] . فمن هو علي خليفه الزائدي؟ هذا الرجل الذي أعطى حياته وكل جهده للحركة الكشفية واستمر يعمل من أجلها إلى أن انتقل إلى جوار ربه .

مَنْ هُوَ عَلِي خَلِيفَة الزّائِدِيّ؟ الزائدي مواطن ليبي ولد سنة 1909م في مدينة الخمس بليبيا ، والده خليفة الزائدي توفي بعد وصولهم إلى بيروت بسنوات قليلة ، ووالدته اسمها حليمة الشويهدي ماتت ودفنت في مدينة بيروت عن عمر يناهز الثمانين عاما وذلك بعد وفاة ابنها علي بسنة واحدة أي سنة 1968م ، ولقد عانت هذه السيدة الكثير من قسوة الحياة ، حيث ترملت في بداية إقامتها بمدينة بيروت ، وفقدت بعدها أحد أبنائها في ظروف غامضة أثناء الحرب ولم يتجاوز عمره الثمانِي سنوات ، ثم فقدت ابنها الثاني إبراهيم في ريعان شبابه وهو من الملحنين المعروفين في لبنان حيث لحن أغلب الأناشيد الكشفية ، ثم سرقت منها الحركة الكشفية ابنها علي وخطفه منها الموت بعدما ما أفنى زهرة شبابه وسنين عمره في خدمة الحركة التي أحبها ووجد فيها نفسه ولم تترك الحركة الكشفية ولا الموت الفرصة لهذه الأم المنكوبة بأن تفرح بابنها وترى أولاده كما كانت تتمنى وتردد قبل رحيلها . * هاجر سنة 1911م صحبة أسرته والآلاف من الأسر الليبية التي هاجرت إثر العدوان الإيطالي واستقر به المقام في مدينة بيروت بلبنان، مات والده وهو مازال طفلاً صغيراً وتولّى رعاية أمه وأشقائه وتحمل مسؤوليتهم فكان رب أسرة من صغره ، عمل في عديد المهن والحرف لكي يوفر قوته وقوت أسرته. * قضى فترة طفولته وشبابه في بيروت حيث درس المرحلة الابتدائية والتحق بالكلية الإسلامية ثم التحق بالمعهد الوطني للموسيقا وتحصل على شهادته. * انتسب إلى جمعية الكشاف المسلم عام 1926م بالفرقة الثالثة الكائن مقرها بمحلة القنطاري وتدرج في مختلف المهام الكشفية . * عام 1933م شكل الفرقة الفنية الموسيقية وهي أول فرقة من هذا النوع في عالم الكشفية ” ومنذ ذلك الحين أصبح معروفاً بين أواسط الشباب في لبنان من كشافة وتلاميذ ورياضيين ، وبات هو الأب الروحي للفرقة الفنية للكشاف المسلم ، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت هذه الفرقة شغل بيروت الشاغل ، وكيف ينسى البيروتيّون الشاب الأسمر الزائدي وفرقته الموسيقية العظيمة التي دربها أحسن تدريب ، فكانوا ينتظرون الأعياد والمناسبات الوطنية فيخرجون إلى الشوارع أو يقفون على شرفات منازلهم ليروا الفرقة بأعلامها وطبولها وعلى رأسها القائد الزائدي يبعث الحماس بأناشيده الوطنية والكشفية موطني موطني الشباب لن يكل همه.. أن يستقل أو يبيد.. موطني موطني ..” [6]. * قام عام 1934م بقيادة مجموعة من الفرق الكشفية كان له دور كبير في إنقاذ وإسعاف جرحى الكارثة التي عرفت بكارثة كوكب الشرق . * أصبح عام 1937م قائداً لمجموعة من الفرق الكشفية ثم مفوضاً لمنطقة بيروت ، ومديراً لبيت الكشاف . * أقام أول مخيم صيفي على هضبات ( رويسات صوفر ) عام 1938م وقاده بنجاح مما أدى إلى تعيينه مديراً لهذه المخيمات إلى غاية 1952م وكانت تستقبل الكشافة والطلبة والأساتذة من مختلف البلاد من داخل وخارج لبنان ، كما تولى قيادة المخيمات التدريبية لعرفاء الطلائع والقادة التى كانت تقام في العطلات المدرسية صيف كل عام . * عين عام 1948م مفتشاً عاماً للكشاف المسلم في لبنان ، واستمر في هذه المهمة إلى غاية 1952م حيث انتخب عضواً في الاتحاد الكشفي اللبناني وعضواً في مكتب العمدة للكشاف المسلم ، وفي نفس السنة كلف بقيادة البعثة التي ساهمت في مساعدة الجرحى الوطنيين والأجانب إبان الحرب العالمية الثانية . * مثل لبنان في جامبوري السلام العالمي الذي عقد بفرنسا سنة 1947 إلى جانب قيادته للبعثة اللبنانية إلى الجامبوري أثناء الاجتماع الدولي العام . * تولى عملية استقبال وإسكان النازحين الفلسطينيين في لبنان خلال النكبة الفلسطينية عام 1948م ” ،حيث عاصر تلك الحرب وشارك فيها ولكن دون أن يحمل بندقية، فقد اقتصر نشاطه على العمل الاجتماعي والمتمثل في استقبال اللاجئين وتنظيم إقامتهم وخدماتهم وتموينهم ، ومعلوم أن نكبة فلسطين صاحبتها هجرة وتهجير آلاف الفلسطينيين وتركهم لبيوتهم ومزارعهم هرباً من الموت والمجازر البشرية التي ارتكبها الصهاينة “[7]. * قاد بعثة الجوالة اللبنانية في الاجتماع الدولي الذي عقد بالنرويج . * تخرج على يديه عدد كبير من قادة الحركة الكشفية في سوريا ولبنان خلال وجوده في لبنان . * إنشاء سلسلة جماعة فنون الغاب التي زودت المكتبة الكشفية بمجموعة من أنفس المؤلفات والبحوث الكشفية ، حيث ألف رحمه الله خمسة كتب ، وأشرف على ترجمة وتنقيح ستة عشر كتاباً غيرها ، وكان يأمل في إعادة طباعة هذه الكتب بعد تنقيحها وتعديلها لكي تساير التطور الذي حققته الفنون الكشفية . * عاد إلى وطنه في ديسمبر من عام 1953 م وأسس أول فرقة كشفية في طرابلس في شهر فبراير من عام 1954م . * عمل بعزيمة وإصرار على إرساء قواعد الحركة الكشفية على أسس سليمة ومتينة ، حتى تم استصدار قانون كشاف ليبيا عام 1958م وانتخب قائداً عاماً وتحمل هذه المسؤولية إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى . * أسس حركة المرشدات عام 1958م . * عين مستشاراً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بدرجة وكيل وزارة عام 1964م . * عين عضواً بالمجلس الأعلى للشباب منذ أول تشكيل له عام 1965م * انتخب عضوا في أول لجنة كشفية عربية ، وأعيد انتخابه لدورة ثانية . * نال الأوسمة التقديرية التالية : 1- وسام الاستحقاق اللبناني سنة 1954م . 2- نيشان الاستقلال عظيم الشأن من الطبقة الثانية مع الرصيعة سنة 1966م 3- وسام الذئب البرونزي سنة 1966م وهو أرفع وسام كشفي عالمي، ويعتبر من القادة الأوائل الذين تحصلوا عليه على مستوى العالم . 4- قلادة الكشاف العربي سنة 1966م ، أرفع وسام كشفي عربي ، أول من تحصل عليه. 5- وسام الصليب الفضي اليوناني سنة 1966م أرفع أوسمة الكشافة اليونانية. 6- وسام الصقر الفضي سنة 1966م أرفع أوسمة الكشافة المصرية. 7- وسام الفينكس سنة 1966م من أرفع أوسمة الكشافة اليونانية. 8- وسام الأرز الوطني اللبناني من رتبة ضابط سنة 1966م وهو آخر وسام تقلده الزائدي من الحكومة اللبنانية قبل وفاته بأيام .

المَرَاجِعُ: [1] مقتطفات من كلمة مدير المكتب الكشفي العربي ومستشار الحركة الكشفية لدى جامعة الدول العربية المرحوم محمد علي حافظ أثناء توسيم المرحوم علي خليفة الزائدي بوسام الذئب البرونزي ” أعلى وسام كشفي عالمي ” يوم 21-4-1966 -منشورات مجلة الكشاف العربي العدد الثاني السنة الخامسة يوليو 1966 [2] – من مقال للأستاذ سالم الكبتي بعنوان الزائدى: من الجمعة إلى الجمعة… صور وسطور منشور موقع ليبيا المستقبل الإلكتروني بتاريخ 2016/12/28 [3]- الدكتور أحمد سالم الأحمر – منشورات مجلة ورسالة يناير 1968. [4]- مجلة ورسالة يناير 1968. [5]- القاضي محمود نعمان – من مقال ذكريات لا تمحى – جيل ورسالة العدد السابع السنة الرابعة يناير 1968 وهو من أصدقاء الزائدي وزميل دراسة له . [6]- محمد الأمين المنصوري –

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :