بقلم: حسين أغ عيسى/ صحفي وناشط سياسي
نرى أن شكل الدولة الليبية الحديثة في إفريقيا له مناظرات واسعة ومختلفة، فقد أدت نهاية حقبة معمر القذافي إلى تغييرات ذات طابع غير منظم نوعا ما فنلاحظ أن فروع السلطة بغض النظر عن أهميتها تتدحرج نحو الأفضل في طريق معمرية مغيرة المناظر والهيكل في ظل غياب نظام يمكن أن يكون بديلا لهذا الهيكل التنظيمي المعمري، وذلك طبعا لايمنع أن الثوار نجحوا في تحقيق رغباتهم التحررية والتي مكنت الشعوب الليبية من الوقوف ضد أفكار الكتاب الأخضر التي تفرض بقوة عدم التدخل في شؤون البلاد والعباد وحتى إعطاء الرأي والرأي الآخر، لا يخفى على أحد أن بعد إطاحت حكم القذافي ظهر الكثير من المؤسسات الإعلامية التي كانت عليها قيودا وتعتبر فرعا أساسيا في ظهور الدولة الليبية الحديثة أو ما يسمى دولة ما بعد القذافي، وكذلك الأحزاب السياسية. من المعروف أن بهذه الخطوات يكون المجتمع خطوة أساسية في بناء الوحدة الوطنية، لكن ليبيا ما بعد القذافي أثبتت أن نجاح تجربة التحرير في حقبة الاستعمار الفكري لايمكن أن يتحول إلـى نجاح فـي بناء الـدولـة الليبية الجديدة المستقلة بثرواتها التي كانت يوما تبرع منها على دول واليوم العكس.! وقد اعتبر العديد من الباحثين أن الدولة الليبية حاليا لم تظهر إلا كنسخة إفريقية للنظام الاستعماري الغربي من حيث تسلط النظام، ذلك لأن سيطرة نخبة معينة على الحكم وعدم الفصل بين الحاكم والدولة أدى إلى دكتاتورية السلطة السياسية وانتشار الفساد، خاصة في النخبة الحاكمة وفرض الأيديولوجيات التي تقوم على ترابط كل من السياسة والقبيلة والاقتصاد. نرى أن المصالح والحاجات الخارجية لغرض الأمن وتحقيق العدالة اللذان ترددهم الدول الغربية في إفريقيا لم تكن إلا وسيلة مقومات تمت صناعتها وإلحاقها بالدول الأوروبية التي استعمرتها لأهداف ترفض التبعية الدائمة. كذلك من أهم إشكاليات بناء الدولة الليبية أنها لم تجد المساعدة والمؤازرة من المجتمع الدولي لمساعدتها على تطوير نفسها والخروج من الشكل القبلي القديم إلى شكل الدولة الحديثة ومن ثم الانتقال إلى التنمية والتطور والتخطيط لصنع كوكبة سكانية موحدة ومجتمعة، وسبب ذلك الصراعات الدولية بين القوى الكبرى لتصبح ليبيا مسرحا لمعسكران الاشتراكي والرأسمالي، إضافة إلى ما قامت به بعض الشركات المتعددة الجنسية من دور سلبي بعد رحيل القذافي في إفساد السياسيين الليبيين وسعيها لتحقيق مصالحها على حساب الشعب بحجة عدم الاستقرار. ومصادرة بعض الدول لأموال شركات ضخمة ليبية أي يملكها الشعب الليبي نموذجا يكفي لفهم لعبة المصالح التي تلعبها هذه الدول المختلفة ويكفي كذلك لفهم أن مسؤوليها تعلموا بذكاء الدرس الغربي الذي يدرسونهم منذ سنوات. هـكـذا يظهر فشل الدولة الحديثة وأخفقـت، وهـو مـا يطرح التسـاؤل حول الأسباب التي أدت إلى ذلك. وهنا نجد مجموعة نظريات تفسر سبب هذا الإخفاق من بينها نظرية أشرنا إليها أعلاه وسنكررها وهي سياسة ملء البطون التي لعبها أشخاص وصلوا الحكم في وقت يهز الشارع فرحا وترحيبا بالتغيير. والحكومات المختلفة التي صنعت لذات الغرض إلا من رحم الله لأننا لا نجهل وجود فئة كثيرة من فئة ليست بقليلة تسعى جاهدة في تطوير الذات والتنمية البشرية وتطوير المهارات الحياتية التي ستجعل الدولة المدنية الحديثة في إدارة البلد بعيدا عن الصراع العسكري أي القبلي أو الشخصي. ويبقي السؤال المطروح هل ياترى ستتمكن حكومة الوفاق الوطني الليبي المعترفة بها دوليا ونظيراتها من تغيير هذا الواقع الممل ليتمكن الشعب الليبي بجميع أصنافه من ذوق حلاوة التغيير؟