“عودي قبل فوات الأوان “

“عودي قبل فوات الأوان “

مريم احمد

وأين أنت يا من فرطت بأهم أركان هذا الدين العظيم.. أنت يا من لم تعرفي الله, ولم تعرفي الصلاة والصيام إلا في رمضان, فإذا خرج رمضان تركت ذلك كله, وكأنك لا تعلمين أن رب رمضان هو رب سائر الشهور والأعوام.. وكأنك لا تدرين أن الموت ليس له ميعاد محدد, وإذا جاء فقد انتهى كل شيء.. وأقبلت على أمر عظيم قبر وظلمة وديدان.. منكرٌ ونكير الملكان.. بعث وحساب، وأهوال وعذاب.

وأين أنت يا من ضيعت الحجاب, ولبست أجمل الحلي والثياب, وخرجت ليراك الشيبة والشباب.

حجابك في انحدار.. ينقص باستمرار.. نخشى عليك من النار.. ومن غضبة الجبار.

وأين أنت يا من تعصين الزوج, وتفرطين في حقوقه, وأنت تعلمين أن دخول الجنة لا يكون إلا بعد رضاه عنك.

وأين أنت يا من ضيعت حقوق الأبناء؛ فحرصت على طعامهم وشرابهم, وما يقوي أبدانهم, ولكنك نسيت أو تناسيت ما يغذي أرواحهم.. لم تعلميهم الصلاة, ولم تدريبهم على الصيام, ولم تحفظيهم القرآن.. ورضيت بأن تشارك الخادمة وأجهزة الإعلام في تلك المهام الجسام.

يا من تشتكي الفقر، وقلة ذات اليد، وقلة البركة.

يا من تشتكي كثرة الفواجع، والمصائب، والبلايا.

يا من تبكي من قسوة الزوج، وكثرة المشاكل، وعقوق الأبناء، وقطيعة الأرحام.. لقد آن الأوان, وجاءتك الفرصة.

لقد أظلك شهر الصيام, جاءك والله  شهر الصبر.. شهر الفرج.. شهر الرحمة والرضوان.

أختاه,

جاء الوقت الذي تعودين فيه إلى خالقك.. جاء الوقت الذي تعود به النفس إلى الراحة والسكون, إلى الطمأنينة والأمان.. إلى المحبة والرضا.. إلى الخير والبركة.. إلى السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

آن الأوان يا أختاه للتوبة والرجعة والأوبة.

عودي إلى الله.. وحرري نفسك من الذل للهوى والشيطان.. توبي إلى الله توبة صادقة, واجعلي حياتك كلها تسير على ما يحب الله, فلا تعصي الله بسماع حرام، ولا بكلام حرام، ولا بنظر حرام، ولا بلباس حرام، ولا بمال حرام؛ فإن جسدك الضعيف على النار لا يقوى..

جددي العهد مع الله على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات..

استغلي عمرك, واستفيدي من وقتك, واعملي لآخرتك, فهي الدار الحقيقية وهي الدار الباقية.. خلود فلا موت, فإما نعيم بلا شقاء, أو شقاء بلا نعيم، وإما راحة بلا عذاب, أو عذاب بلا راحة… فانظري حماك الله أيهما تختارين.

أقبلي على الله, وتقربي منه؛ فأنت محتاجة إليه, تذللي له, وادعيه بالليل والنهار بالسر والجهار, فهو قريب منك يسمع نداءك, ويجيب دعاءك: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر: 60] }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ{ [البقرة: 186]، }أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ{ [النمل: 62].

من لك سواه.. من يجبر كسرك.. ويفرج كربك..؟!

من يغنيك.. من يكفيك.. من يهديك؟!

من يعطيك إذا حرمك الناس؟!

من يعزك إذا أذلك الناس؟!

من يغفر ذنبك؟! من يستر عيبك؟!

تقربي منه شبرًا.. يتقرب منك ذراعًا.

اطلبي منه العون وسوف يعينك.

اطلبي منه الهداية والتوفيق, وسوف يوفقك لطاعته, ويهديك سبيله، ويجنبك شر نفسك وشر الشيطان.

تقربي منه, وسوف ينصرك, ويأخذ بحقك ممن ظلمك: }إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ{ [محمد: 7].

تقربي منه, وسوف يغنيك, ويبارك لك في مالك: }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ{ [الطلاق: 2، 3].

تقربي منه, وسوف ترين السعادة والهناءة: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل: 97].

تقربي منه, وأطيعه يحنّن عليك الزوج والأبناء والأهل والأقرباء.

تقربي منه يفرج كربك, ويزل همك وغمك, ويسهل أمورك: }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا{ [الطلاق: 4]، }فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا{ [الشرح: 5، 6].

تقربي إليه, وادعيه بصدق وإخلاص ويقين, وسوف يشفي أمراضك، ويداوي أسقامك، ويقوي بدنك: }وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ{ [الشعراء: 79، 80].

أختي المسلمة,

خاطبي نفسك, وعاتبيها, وقولي لها:

إلى متى يا نفس, إلى متى الغفلة؟

إلى متى يا نفس التفريط والتقصير؟

إلى متى يا نفس العبث واللهو والضياع؟

إلى متى يا نفس تضييع الأوقات؟ والعمر محسوب، والأجل محدود.. وملك الموت واقف ينتظر.

ألا يخفيك الموت وسكرته.. والقبر ظلمته

ويوم القيامة وأهواله.. والنار وشدائدها ..؟

ها أنت ترين كل يوم ملك الموت يتخطف أحبابنا وإخواننا من بيننا, ونحن لا نستطيع رده.. وسيأتي اليوم الذي يقبض أرواحنا, فماذا قدمنا؟ وماذا عملنا؟

التوبة.. التوبة.. يا أختاه.

والمسارعة بالأعمال الصالحة.. فو الله, لن ينفعنا قريب, ولا صديق حبيب في ذلك اليوم العصيب.

}يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{ [عبس: 34-37].

يوم تحتاجين إلى حسنة واحدة, فتذهبين إلى أحب الناس إليك.. إلى من حملته في بطنك.. إلى من جعلت بطنك له وعاء.. وثديك له سقاء.. إلى من سهرت لأجله الليالي الطوال.. إلى من جعت لتطعميه, وتعبت لتريحيه. فتقولين: يا بُني, أعطني حسنة واحدة فقط لأنجو بها من النار, فيقول: إليك عني نفسي نفسي, لا أملك لك من الله شيئًا، فتنظرين أيمن منك فلا تجدين إلا ما قدمت، وتنتظرين أيسر منك فلا ترين إلا ما قدمت, إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر: }وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{ [الكهف: 49]، ابدئي الآن.. اليوم بل هذه الساعة، اعقدي العزم على التوبة الصادقة, وعلى الاستمرار عليها حتى بعد رمضان، وعلى المداومة على الأعمال الصالحة في كل الأوقات.

الآن قبل فوات الأوان.. وما أدراك فقد يأتي رمضان الآخر, وأنت لست بهذا المقام؛ بل قد لا تبلغي نهاية رمضان هذا العام: }وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا{ [المنافقون: 11]، }فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ{ [الأعراف: 34].

أختي المسلمة..

إذا لم تغفر لك ذنوبك في رمضان, ولم يعتقك الله فيه من النيران؛ فمتى يكون لك ذلك؟! وإذا لم يكن لك ذلك, فأنت إذًا من الخاسرين، وأنت من الظالمين، وستكونين في الآخرة من النادمين.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :