عَطـر زَمَن العَطَاء

عَطـر زَمَن العَطَاء

كتب :: أ :: شكري السنكي

سِيْرَة وهبِي البورِي مِن المِيْلاد إِلى الرَّحِيْل (1)

«أن مُجرَّد إلقاء نظرة على إحصائياّت التعليم عام 1958م لتشعرنا بأن الخطّوات التي حققتها لِيبَيا في طريق نموها في هذه الفترة وبدون دخل البترول كان بفضل جهود أبنائها وعملهم وعزمهم على خلق دولة حديثة مزدهرة جديرة بما بذلوه من تضحيات فِي سَبيل قِيَامِهَا…. وأننا نقلل من جهودنا ومجهوداتنا إذا اعتقدنا نحن أو جعلنا الغير يعتقد أن ما حققناه كان نتيجة مباشرة لاكتشاف الذهب الأسود، أن دخل البترول قد دفع عجلة نمونا وتقدمنا دفعاً جباراً غير أن شعبنا استطاع قبل اكتشاف البترول، وقبل دخول وارداته إلى خزينة الدولة أن يحقق الأسس والمرافق التي قامت عليها نهضتنا الحاليّة» الدّكتور وهبي أحمَد البوري
المُقَـدِّمَــة
لم ترحل صبيحة يوم الاثنين 7 يونيو 2010م بسلام إذ رحل معها وهبي أحمَد عقيلة البوري أحد أعمدة الثقافة والسّياسة فِي لِيبَيا، وأحد أهم مُثقفِي لِيبَيا في العقود السّتة الأخيرة وأبرز رجالاتها في مجالات الأدب والسّياسة، والّذِي يعتبرُه المُؤرّخُون والنقّاد الِلّيبيّون رائد القِصّة القصيرة بلِيبَيا. وقد نالت كتاباته عَن تاريخ لِيبَيا اهتماماً واسعاً بين أوساط الِلّيبيّين، ولفتت ترجماته عَن الإيطاليّة انتباه الوسط الثقافي بالعالم العربي.
كان البوري كثير الإطِّلاع.. وكان الكِتاب أحب رِفاقِه، فأخلص له وأَفنَى عمره فِي تحريره وتحصيله.
ألا يَا مُسْتَعِير الْكُتُب دَعْنِي *** فَّمَحْبُوْبِي مَن الْدُّنْيَا كِتَابِي
فَفِي تَحْرِيْرِه أَفْنَيْتُ عُمُرِي *** وَفِي تَحْصِيْلِه أَفْنَيْتُ زَادِي (2)
وكان – طيّب الله ثراه – يفتح باب بَيتِه علَى مِصرَاعَيه لضيوفُه ومُريديه، ويُحَسِّن مُلاقاتِهِم ويستَقَبلَهُم بكرم وحفاوة وكَلِمَات طيِّبة تُؤثر في النُّفُوس وتستقر بها. ونسج علاقات واسعة مع أعمار مختلفة وذوي اهتمامات متنوعة، فلم يكن ضيوفه من جيل واحد، بل كانوا مِن أجيال مختلفة، ولم تكن اهتمامات زُوّارِه واحدة، بل كانت متنوعة فمنهم المُؤِّرخ والصُّحُفِي والشّاعر والأديب والمهموم بقضايا السّياسة أو الاجتماع، وبِالرَّغمِ مِن هذا فقد تفاعل مع الجميع على اختلاف أجيالهم ومشاربهم واهتم بتساؤلاتهُم وما يطرحُونه عليه مِن قضايا، فاقتربت المسافات بينه وبين الجميع، حيث كان يُنصِت باهتمام ولا يُكثر الكلام حينما يطرح رأيه، ولا يُجيب إلاّ على ما يعرف مُقْتَدِيَاً بقول الأمام الشّافِعِي: «إذَا تَرَكَ العَالِمُ (لا أَدْرِي) أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ»، وقول الأمام مَالِكٌ: «مِنْ فِقْهِ الْعَالِمِ أَنْ يَقُولَ: لا أَعْلَمُ فَإِنَّهُ عَسَى أَن يُهَيَّأَ لهُ الخَيْرُ».
أتسم بالهدوء والثبات، وكان لا يحب الإطالة فِي الكلام، معتبراً كثرة الكلام يُقَلِّل مِن أَهَمِّيَّتِه.. ويزيد مِن الأخطاء والخَطَايَا.. ولَه عواقِبُه. وكان يميل إِلى الإنصات أكثر ممَّا يتكلم، ومُحَدَّدَاً فِي كلامه أَكثَر من كونِه مُستَرسِلاً مُستَطرِداً. ولعله كان مُقْتدياً فِي ذَلِك، بِالقَاعِدَة الذَّهبِيَّة، القَائِلَة: «مَنْ كَثُر كَلامُه كَثُر خَطَأَه».
كتب البوري القِصّة والمقال، وترك للمكتبة الِلّيبيّة عدداً مِن الكتب بعضها مِن تأليفه وأخرى ترجمها عَن الإيطاليّة. وقد تنقل فِي وظائفه الرّسميّة بين مِصْر والكويت وإيطاليا والولايّات المُتَّحدة الأمريكيّة، فترك فِي أذهان مَنْ عرفوه صورة جميلة عَن الإنْسَان الِلّيبيّ، كمَا كان خير ممثل لبلاده.
دخل مساء الخميس 20 مايو 2010م إِلى «مصحة المروة» فِي مدينة بَّنْغَازِي إثر وَعْكَة صِحِّيَّة أَلَمَّت بِه، ليُنقل مباشرة إلى غرفة العناية المركزة، وانتقل إِلى رحمة الله تعالى صباح يوم الإثنين 25 جمادى الآخرة 1431 هجري الموافق 7 يونيو 2010م.
قد كان مشيُك فِي الْحَيَاة عَلَى هُدى *** فانْعم فقد بَلَغ الْمَسِيْرُ بِك الْمَدَى
قد عِشْت متَّخـذاً وُجُوْدَك فِي الدُنَا *** سَبَبَاً لإِدْرَاك الْخُلُوْد وَمَوْرِدَا
تقضي النّهَار مُفكِّرَاً ومُذكِّراً *** وَتظل لَيْلَك سَاجِدَاً مُتهَجِّدا
لَم تَعْرَف الْتِّسْعُون مِنْك سِوَى امْرِىء *** مَا مَدّ قَطّ لَغَيْر طَاهرةٍ يَدَا
هَذَا مَقَامَك فِي الْخُلُوْد فَفُز بِه *** وانْعَم فقد بَلَغ الْمَسِيْرُ بِك الْمَدَى (3)
فِي بَدْء لابُد مِن كَلِمَة
شرعت يوم الثلاثاء الموافق 8 يونيو 2010م فِي الكتابة عن الدّكتور وهبي أحمَد البوري، أي بعْد وفاته بيوم واحد، وترددت فِي اليوم الثاني أن استمر فِي الكتابة عنه بعدما نشرت مواقع عديدة، حوارات صحفية أجريت معه ومقالات تناولت محطّات مِن حياته وسيرته. وكان مصدر ترددي، الخوف مِن تكرار ما نُشر عنه دون إضافة وزيادة لمحَة، أو أن أعرض مَا سبق وأن عرضته ومَا غاص في أعماقها غيري !!. خفت وترددت ممّا يصفه الصحفيون بمضغ اللِبان !، حيث يصف الصحفيون مَنْ يكرر مَا قيل ولا يضيف إليه جديداً، بـ«ماضغ اللبان»، ويصفون مَا يقدمه بالمكرر المُمِل.
صممت على استئناف الكتابة أخذاً قصّة اللِبان بعين الاعتبار، وقلت أن الفارق يكمن فِي الأسلوب، فلكل كاتب أسلوبه وطريقته فِي تناول المواضيع مِن حيث زوايا النظر وعرض التفاصيل. وتوكلت على الله مجدّداً وكلي أمل أن أقّدِّم نموذجاً مختلفاً وَأعرض شيئاً يَبقى ويُستفاد مِنه.
ويقيني، أن شخصِيّاتُنا الوطنيّة تستحق أن يُعرف بها أكثر وأكثر، وأن يُكتب عنها العديد مِن الكتابات، ولا ضير أن يكرر الكُتَّاب سطور السيرة شرط أن ينظر كل كاتب من زاويته ويضيف على سطور غيره شيئاً مختلفاً.
ولا شكّ أن تجربة البوري تجربة إنسانيّة ثرية ومتنوعة ومليئة بالأحداث والمواقف والشخصيّات، كونه أديباً وإعلامياً احترف العمل الإذاعي والصحفي، وسياسياً عمل سفيراً ووزيراً فِي عهد وطنيّ كان سمته الإخلاص والعطاء، وفي مناخ عربيّ كان مزدحماً بالحوادث والأحداث، بالإضافة إِلى أنه شغل «منصب مندوب لِيبَيا الدائم بالأمم المُتَّحدة» فِي لحظة مهمّة مِن تاريخ عَالِمنا العربي. وسيرة البوري وتجربته تستحق أن تروى وتكتب وتدون، وإن كل تجربة إنسانيّة، قِصّة كاملة تستحق أن تَروى وتُصدر فِي كِتاب.
وسيرة البوري وتجربته تؤهلانه أن يكون فِي مقدَّمةِ الشخصيّات الوطنيّة الّتي ينبغي أن يكتب عنها وتعرض سيرتها لضرب المثل بالأشخاص محل الفخر والاقتداء الاعتزاز. وكيف لا، وهُو شخصيّة عظيمة ساهمت فِي بناء دولة لِيبَيا الحديثة، وأسست للدّبلوماسيّة الِلّيبيّة، أو كمَا قال عنه مفتاح السّيِّد الشريف فِي باب التعازي بموقع «لِيبَيا المُسْتقبل» بتاريخ 7 يونيو 2010م: “ساهم البوري فِي تشييد دولة الاستقلال منذ أن كان فِي معيّة السّيِّد إِدْرِيْس السُّنُوسي أمير ثمَّ ملك ليبَيا الرّاحل، يحرّر له رسائله وبرقيّاته، ثمَّ كمسؤول سياسي تقلّد مناصب وزاريّة عديدة. وكان حلو المعشر ولبق الحديث وواسع الثقافة ناهيك عَن الإخلاص للوطن وقضاياه، مع نظافة اليد والذمّة فِي جميع مناصبه وسيرته الوظيفيّة عبر تقلّبات الزمان على لِيبَيا… وفوق كلِّ ذلك، كان فِي طليعة الرّعيل الأوَّل الّذِي وضع أسس ثقافة ليبَيا الوطنيّة، ولم يلق بالقلم مِن يده، حتّى وهُو فِي ذروة عمره المديد، فأضاف إليها بإصداراته الّتي أغنت المكتبة التاريخيّة والاجتماعيّة، فكان وفاؤه للثقافة لا نظير له”.
أخيراً، لابُدَّ أن أقول قبل بَدء الحدِيث، أنني أدرك تمام الإدراك أن الكِتابَة عن رجل فِي حجم هذا الاستثناء صَّعبة وشاقَة، ولكن الواجِب دعاني لِلكِتَابَة عنه، ودُعَائِي أَن أَوَفَّق. وأمل فِي وقفة التأبين والرثـاء هذه، أن أتناول سيرة حياته مِن زاوية مختلفة عِن الزوايا الّتي عرضها غيري. وقد رأيت أن لدي مَا يستحق أن يُروى ويُنشر أو هكذا تصورت.. ورجائي أن يقف الحظ إِلى جانبي، وأُقدم شيئاً جديراً بالرواية والنشر.
وبِاللَّه التَّوفِيق..
مِيْلاد البـورِي ونشْأَتُه
للسّيِّد عقيلة، جد وهبي البوري، تسعة أولاد، وهم: أحمَد، حسن، يُوسف، ميلاد، حسين، عُمر، جبريل، موسى، محمّد. وكان أحمَـد عقيلة، والد وهبـي مِن كبّار موظفي الدولة إبّان عهد الأتراك فِي ليبَيا. وقد تزوج مِن السيدة جليلة البوري، وأنجبا ولدين هما: نعيم وهبـي.. وثلاث بنات، هن: عيدة الّتي تزوجها حسن إبراهيم الشويهدي، وسامية الّتي تزوجها عوض الشيباني، وفوزية الّتي تزوجها نجيب السّوادي.
ولد وهبي البوري فِي مدينة الإسكندريّة فِي 23 يناير 1916م، حيث هاجرت عائلته إِلى مِصْر عقب غزو إيطاليا للِيبَيا عام 1911م. عاد إِلى مدينته بَّنْغَازِي، فدرس في مدرسة «الفنون والصنائع» حتَّى تحصل على الشهادة الإعداديّة، ثمّ رجع مجدّداً إِلى الإسكندريّة ليواصل دراسته بمدارسها الإيطاليّة، وبعدها سافر إِلى إيطاليا وتحصل على شهادته الجامعيّة مِن جامعة نابولي.
وَفِي ستينيات القرن الماضي، درس بالولايّات المتَّحدة الأمريكيّة، حيث تحصل فِي العَام 1968م على شهادة الماجستير في الدّراسات الأفريقيّة، من جامعة «سان جونس» بنيويورك.
عاش جزءاً مِن طفولته بشارع «الرعيض» فِي مدينة بَّنْغازِي، وجزءاً مِن شبابه فِي شارع «بوسن»، ثمّ انتقل إِلى شارع «أدريّان بلّت»، وبعده إِلى منطقة «البركـة» بمقر سكنه الكائن خلف مكتبة الأنْدَلُس بـ«شارع بن شتوان». واستقر فِي سكنه الكائن بمنطقة «الفويهات» منذ منتصف السبعينات إِلى أن وافته المنية في شهر يونيه 2010م.
تنقل البوري في وظائفه ليعمل في مدن ليبيّة عدة: بَّنْغازِي، إجدابيا، البيضاء، طرابلس. وعمل فِي وظائف متعددة – وفي فترات مختلفة – في دول عدة: طنجة، روما، ألمانيا، مِصْر، الولايّات المتَّحدة الأمريكيّة، الكويت.
وبالرّغم مِن كثرة تنقلاته وإقامته فِي أجمل مدن العالم إلاّ أن مدينة بَّنْغَازِي الّتي ترعرع فيها وقضى بها سنوات طويلة مِن عمره المديد، كانت مركز البهاء والسحر والجمال عنده، ولا مثيل لها بين مدن العالم قاطبة بالنسبة له. فقد أحب بَّنْغازِي حباً جماً، فَأَحَبَّتْه كَمَا أحبها، وأكرمته كمَا أكرمها، وكيف لا وهُو الّذِي خدمها بإخلاص منقطع النظير، وكان فِي مركز حراكها الثَّقَافِي على مدار أَكثر مِن سِتِّيْن عَاماً.
شَاهَدْت أَلْف مَدِيْنَة وَمَدِيْنَة *** بَيْن الْمُحِيْط الْجَوْن وَالْقُوَّقَاز
لَكِن كَمِثْلِك مَا رَأَيْت مَدِيْنَة *** وَكَمِثْل أَهْلَك كَان كَالإعْجَاز(4)
شكل المهجر جزءاً مِن حياته، وتركت حيَاة المهجر بصماتها الواضحة على تكوينه الثقافي ونظرته للأشياء، وقد تركت محطّات ثلاثة في حياته، آثاراً إيجابية عليه:
* تجربة السّيِّد إِدْرِيْس السُّنوُسي أميراً وملكاً.
* معرفته لأحمَد رفيق المهدوي والمناقشات المطولة الّتي عقدها معه.
* مرافقته لِلشَّيْخ أَمِيْن الحُسَيْنِي مُفْتِي فلسطِين، وعملِه إِلى جَانِبِه.
وااستفَاد كَثيراً مِن ثَلاثَة أَشياء:
* السفر.
* العمل فِي الإعلام.
* العمل فِي الخَارِجِيَّة.
وسَاهَمَت ثَلاثَة أَشياء أَساسِيّة فِي دَفعِه إِلى الأمام:
* رضَا الوَالِدَين.
* التَّوفِيق فِي الزَّواج مِن سيِّدة فَاضِلَة كَانَت خَير سنداً لَه فِي دُنياه.
* الأصدِقَاء المُخلِصُون الّذِين وقَفوا إِلى جانِبِه فِي كل الظُرُوف.
تزوج وهبي البوري فِي العَام 1955م مِن السّيّدَة عُبيدة كنعان فلسطينيّة الجنسيّة، والتي ظلّت معه مِن يوم زواجه في التّاسع والعشرين مِن شهر سبتمبر 1955م إِلى آخر يوم فِي حياته، وأنجبا مِن الأولاد: أحمَد الأستاذ الجامعي بكلية الهندسة بجامعة عُمان، خالد الدّكتور الطبيب المُستشار فِي سوانسي « Consultant in Swansea, UK» فِي المملكة البريطانيّة، طارق المهندس وصاحب مكتب هندسي بمدينة بَّنْغَازِي والأستاذ غير المتفرغ بكلية الهندسة بجامعة بَّنْغَازِي، أسامـة المُهندس البحري والّذِي تحصل على شهادة الماجستير فِي إدارة الأعمال مِن جامعة هارفارد «Harvard» ويعمل حالياً فِي شركة أمريكيّة استثماريّة بطرابلس.. ومن البنات: سوسن الأستاذة بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزيّة فِي جامعة بَّنْغَازِي والمتزوجة من فريج محمّد البسيوني حفيد فريج البسيوني الّذِي ساند المجاهدين ووقف إِلى جانبهم واعتقلته السّلطات الإيطاليّة فِي معتقل «بنينا» مِن العَام 1930م إِلى العَام 1933م، وأميرة الحاصلة على شهادة الماجستير فِي الهندسة قسم تخطيط المدن مِن جامعة بفلو «Buffalo» الأمريكيّة والمتزوجة مِن هشام التاجوري طبيب الأسنان الّذِي يعمل فِي الولايات المتَّحِدَة الأمرِيكِيَّة.
أحاط وهبي البوري نفسه بمجموعة الشباب المتعلم فِي لِيبَيا إبّان حكم المستعمر الإيطالي، والتحق بالكادر الوظيفي ليشكل مع زملائه بداية النخبة الإداريّة الحديثة فِي لِيبَيا. وعمل فِي القنصلية الإيطاليّة بطنجة، كذلك مدرساً للغة العربيّة بالمدرسة الإيطاليّة فِي تلك البلاد.
وارتبط بالوسط الثقافي، فكتب فِي الصحافة الِلّيبيّة فِي مرحلة مبكرة جدَّاَ مِن حياته، وعمل فِي بَّنْغَازِي موظفاً إبّان حكم المستعمر الإيطالي في فترة المارشال إيتالو بالبو الّتي قال عنها فِي كتابه: «مُجْتَمَع بَّنْغَازِي.. فِي الْنِّصْف الأَوَّل مِن القَرْن العِشْرِيْن»، مَا يلي: “حاول بالبو التودد إِلى العرب ورفع مستواهم ومساواتهم بالإيطاليين إلاّ أن مقترحاته قد رُفضت مِن قبل روما”.
ويُذكر أن البوري عمل في مناطق أخرى مِن البلاد غير مدينة بَّنْغَازِي، حيث عمل بمدينة «إجدابيا» الّتي قضى بها فترة مِن الوقت، وكان إِلى جانبه وقتئذ محمّد الزروق بوكر صديقه الحميم وأحد رواد التعليم فِي مدينة بَّنْغَازِي والذي كان يوماً مديراً لمدرسة «سيِّدي سَالم» الشهيرة بمدينة بَّنْغَازِي.
وفِي وقت مبكر مِن حياته، أحب الشعر وحفظ العديد مِن قصائد كبّار الشعراء وعملاقة الشعر العربي، وازداد ارتباطه بالشعر بعْد معرفته بأحمَد رفيق المهدوي شاعر لِيبَيا الكبير أو «شاعر الوطن» كمَا يلقب، والّذي تعرف عليه أثناء دراسته فِي الإسكندرية، حيث ربطت رفيـق صداقة وطيدة مع عمّه موسى البوري.
واستفاد البوري كثيراً مِن أحمَد رفيق واستأنس برأيه وتوجهاته، حينما شرع فِي كتابة القِصّة القصيرة، وروى سالم الكبتي تفاصل علاقة البوري بأحمَد رفيق وبداية كتابته للقِصّة القصيرة، فِي كتابه: «وميض البارق الغربي: نصوص ووثائق عَن الشّاعر احمَد رفيق المهدوي»، بناءً على أحاديث أجراها معه، فقال: {كنت أقيم بالإسكندريّة مع أسرتي – البوري يتحدث – وكان أحمَد رفيق يأتي إِلى عمّي موسى فِي سوق المغاربة، ويقضي معه وقتاً ويتبادلان معاً الأحاديث والذّكريّات، وقد أخبرني فيما بعْد بأنه كان يحملني ويداعبني عندما كان عمري وقتئذ خمس سنوات، وأن شقيقته صالحة المهدوي، زوجة عُمر فخري المحيشي، كانت على علاقة ود وتزاور مع والدتي فِي بَّنْغازِي.. وعندما شرعت فِي كتابة القِصّة القصيرة وهُو اللون الّذِي استهواني أكثر مِن أي موضوع أدبي أخر، أذكر أنني عرضت أوَّل عمل يُنشر ليّ وهُو قِصّة «لَيْلَة الْزِّفَاف» على رفيق الّذِي استحسنها وشجع نشرها بمجلّة «لِيبَيا المُصَوّرَة» فِي عددها الصّادر فِي شهر سبتمبر 1936م}1.
ومَا يمكن أضافته هُنا، أن وهبي البوري ومحَمّد علي معتوق وإبراهيم القرقوري وعبدربه الغنّاي كانوا من أخلص تلاميذ الشاعر أحمَد رفيق المهدوي وأحبهم إِلى قلبه، وتلاميذ رفيق ومحبيه كانوا كثر.
والشاهد، قرأ البوري الأدب العربي والإيطالي، وبدأ حياته الثقافيّة قاصاً، حيث كانت القِصّة القصيرة هي وسيلته الأولى وبداية الكشف عَن مواهبه المتعددة. وكان محباً للشعر، ومعجباً بكتَّاب القِصّة فِي مِصْر مركز الإشعاع الثقافي فِي العالم العربي وقتئذ.
وعن بدايات حَيَاة البوري الثقافيّة، يروي أحمَد الفيتوري مَا سمعه مِن البوري شخصيّاً فِي مقالة نشرها في مُدوَّنتِه، فقال: “كانت علاقتي – البوري يتحدث – بالثقافة العربيّة تقتصر على قراءة مَا كان يصلنا من كُتُب ومجلاّت. وقرأت لعمالقة الأدب آنذاك كالمازني ومحمّد حسين هيكل ومحمود تيمور والزيات وغيرهم. إمّا علاقتي بالثقافة الإيطاليّة، فقد تكونت مِن خلال دراستي فِي إيطاليا، حيث كنت على صلة بـ«مجلّة الشّرق الحديث» وبمُحرِّرِيُّها مِن كبّار المستشرقين الإيطاليين”.
كان البوري ضليعاً من اللغة الإيطاليّة، وكانت لغته الإيطاليّة فِي مستوى لغته العربيّة الأم، كمَا تعلّم فِي سنوات لاحقة مِن عمره اللغة الإنجليزيّة وألم بها، ففتحت عليه أبواباً واسعة للإطلاع، لأن اللغة الإنجليزيّة أكثر لغات العالم انتشاراً، وأكثرها غزارة فِي الإنتاج.
وكمَا أسْلَفْت، نشر البوري أكثر مِن عشرة نصوص في «لِيبَيا المُصَوّرَة»، فوضع بإنتاجه القصصي المنشور فِي ثلاثينات القرن المنصرم اسم لِيبَيا على خريطة المراكز الحضرية الرّائدة فِي هذا المجال فِي الوطن العربي حينئذ مثل: مِصْر وبيروت وبغداد ودمشق.
قال أحمَد إبراهيم الفقيه الفائز بالجائزة الأولى العَام 1965م ضمن جوائز اللّجنة العليا للآداب والفنّون بلِيبَيا، عَن مجموعته القصَصِيّة «البحر لا ماء فيه»، عن قِصَص البوري، مَا يلي: {قرأت قِصَص وهبي البوري، فاندهشت للمستوى الرَّاقي الّذِي كتبت به، واندهشت مرَّة ثانيّة لأنها لم تكن قِصّة أو اثنين، وإنّما وجدته ينشر فِي «لِيبَيا المُصَوّرَة» فوق عشرة نصوص، وهُو عدد مِن القصص يوازي العدد الموجود فِي أوَّل مجموعة قصَصِيّة منشورة بعده بعشرين عاماً، أي «نفوس حائرة» للرّاحل عبدالقادر ابوهروس الصّادرة العَام 1957م، ثمَّ أن مستوى مَا كتبه وهبي البوري يكاد يتفوق فنياً على القصص الواردة فِي مجموعة «نفوس حائرة»، وأكثر مِن ذلك فإنَّ مستواها لم يكن يقل إطلاقاً عَن مستوى مَا كان يُنشر فِي العالم العربي وقتئذ، بل كان يواكب ويوازي في مستواه ما كان ينشره رواد القِصّة القصيرة في العالم العربي أمثال: محمود تيمور ويحي حقي وتوفيق الحكيم وغيرهم مِن كتّاب الثلاثينيات}2.
وفِي جانب ثانٍ، لقد عاش البوري أجواء الانقسام العربي فِي زمن التجاذبات السّياسيّة، بين القوى الداعمة والمُساندة لقوَّات التحالف بزعامة بريطانيا العُظمَى، والأخرى المؤيدة والمُساندة للألمان ودول المحور. وكــان العراقيان يُونس البحــري (1899م – 1979م) ورشيــد عـالـي الكيلانــي باشّا (1892 – 1965) من بين أشهر الشخصيّات العربيّة الدّاعيّة لدعم وتأييد الألمان، حيث نظرا إلى أن ألمانيا الهتلرّيّة ليست لها أي أطماع فِي العراق ولا أي دولة عربيّة أخرى بدليل أنّها لم تحتل أي مِن الولايّات العربيّة بعد انهيار دولة الخلافة العثمانيّة !.
لم يتعاطف وهبي البوري مع تصريحات رشيد الكيلاني وبياناته الدّاعيّة إِلى ضرورة وقوف العرب إِلى جانب الألمان وانتقاض الجيوش العربيّة ضدّ الهيمنة البريطانيّة والفرنسيّة، من خلال دعم وتأييد الألمان ودول المحور. ولم تلهب خطابات يونس البحري عبر إذاعة «صوت ألمانيا» الناطق بالعربيّة، مشاعره، كمَا ألهبت مشاعر عرب كثيرين غيره. والبحري كان ذائع الصيت بين العرب مثلما ذاع فيما بعْد صيت أحمَـد سعيد مذيع إذاعة صوت العرب زمن حكم عبدالناصر لمِصْر، ويذكر أن البحري كان يعمل مذيعاً بالإذاعة العربيّة فِي برلين، أثناء الحرب العالميّة الثانّية.
وبِالرَّغم مِن مُسَاندة البوري لمواقف الشَّيخ أَمِين الحُسَينِي مُفتِي فِلسطِين وعمله إِلى جانبه، إلاّ أنّه خالفه في موقفه السِّياسي الدّاعِي إِلى الوقوف إِلى جانب ألمانيا، حيث دعم فيما بعْد موقف السَّيِّد إِدْرِيْس السّنُوسي الدَّاعِي إِلى انضمام الِلّيبيّين إِلى «قوَّات الحلفاء» بهدف طرد المستعمر الإيطالي من لِيبَيا. ومن المفارقات، أن يُونس البحري جاء إِلى لِيبَيا بعْد استقلالها، وعُين مستشاراً إعلاميّاً وقضى فِي عمله بلِيبَيا فترة قصيرة مِن الوقت.
ولتوضيح موقف الرّجُل بشكل أشمل وأدق، نؤكِّد أن البوري كان يعلم مَا يجلبُه نظام الحكم القمعي الشُمُولي مِن مصائب وكوارث على البلد الّذِي يحكمه وشعوب أخرى مِن العالم، من خلال معرفته بالنظام الفاشي الإيطالي، فرأى – ومنذ وقتٍ مُبكِّر جَدَّاً – أن الحَّل يَكمُن في أنظمة الحكم الدِّيِمُقْراطِيَّة، ومُساندة الدَّاعِيَن لها، والابتعاد كل البُعد مِن الأنظِمَة القَمعِيَّة الشُّمُولِيَّة.
أيْضاً، انطلق البوري فِي موقفه هذا مِن ثقافة وطنيّة جعلت مِن الوطن نقطة الاهتمام والارتكّاز، لتتوالى بعده الاهتمامات الأخرى في سلم الأولويّات. فلم يترك البوري الفرصة للإيديولوجيات تتقاذفه يميناً ويساراً، بل كان محدداً فِي اختياره، وسار في توَجُّهِه بثبات ويقين وإخلاص مُنْقَطِع النَّظِير، ولذا ساند السَّيِّد إِدْرِيْس أميراً وملكاً، وانحاز إِلى ما اتفقت أمّتِه الِلّيبيّة عليه… هكذا كان الرّجُل وكذا كانت مواقفه.
ويُذكر أن البوري كان قد رأى بأم عينيه، نهاية أشرس طغاة العالم وأكثرهم دمويّة، وكان ذلك فِي إيطاليــا، حينما رأى موسولينـــي (1883م – 1945م) مشنوقاً فِي محطة البنزين في مدينة مَيُلانُو. والطاغية الدّكتاتور موسوليني كان قد عمل على ترسيخ الاستيطان الاستعماري فِي ليبَيا، وارتكب أفظع جرائم الإبادة الجماعيّة، وقد أمر بإعدام الشّيخ عُمر المختار رغم أن عمره كان قد جاوز الخامسة والسبعين عاماً، وتم إعدامه يوم 16 سبتمبر 1931م، في بلدة سلوق القريبة مِن مدينة بَّنْغَازِي. وقد رَوَّى لي صديق مهتم بالشأن التاريخي، أنه جلس مع البوري أكثر مِن مرَّة، وسجل له بعض إفاداته ومشاهداته وشهادته على العصر الّذِي كان هُو أحد رجاله، وأكد لي أن البوري كان قد رأى بينيتو موسوليني بأم عينيه مشنوقاً ومقلوباً من رجليه فِي محطة البنزين فِي مدينة ميلانو. هذا، ويذكر أن جبهة التحرير الإيطاليّة كانت قد قبضت على موسوليني و«كلارا» عشيقته وأغلب ومعاونيه في شهر أبريل مِن العَام 1945م. وأنها كانت قد حددت – نقلاً على «ويكيبيديا» الموسوعة الحرّة – مجموعة مِن الأشخاص وقامت بإعدامهم، أو كمَا جاء بالنَّص: ” حددت خمسة عشر شخصاً، وقامت بإعدامهم، وفي يوم 15 أبريل 1945م تمَّ تجميعهم بما فيهم موسوليني وعشيقته كلارا، وتمَّ نقلهم ليُشنقوا مقلوبين مِن أرجلهم فِي محطّة البنزين فِي مدينة مَيُلانُو، وكان ذلك يوم 28 أبريل 1945م”.
وَمِن جديد، عمل البوري فِي الإذاعاتِ العربيّة، وفِي وكالة الأنباء الفلسـطينيّة، وكان قريباً مِن الشّيخ أَمِين الحُسَينِي (1897م – 1974م) مُفتِي فِلسطِين.
وقبيل استقلال لِيبَيا، أوفد البوري..{ إِلى الخارِجِيّة الفرنسيّة فِي باريس للتدرب (5). وبعد أن عاد تولّى مختلف المناصب. رئيساً للدّيوان الملكي، سفيراً، وزيرا، مديرًا لمؤسسة البترول، وزيراً للخارِجِيّة، مندوباً فِي الأمم المتَّحدة. وحيث مَا حلّ، خدم الدولة ووطنه بهدوء وعقل والتزام. كمَا تفرضه ثقافته الواسعة، واهتماماته الفكريّة، وخبرته مع الدول والبشر. دون معارك شخصيّة ودون طموح سياسي !}3.
صِلَتِه بِالْقَضِيَّة الفِلَسْطِيْنِيَّة
كان البوري ذا صلة وثيقة بالقضيّة الفلسـطينيّة، فهُو مؤسس وكالة الأنباء الفلسـطينيّة، كذلك عمل مديراً لمكتب مُفْتِي فِلَسطِين أَمِيْن الحُسَيْنِي، ثمّ فِي «مكتب فلسطين» فِي جامعة الدول العربيّة، وبعد عودته إِلى لِيبَيا كان عضواً فِي اللجنة الّتي أرسلت المتطوعين فِي حرب فلسـطين العَام 1948م.
دعاه أَمِيْن الحُسَيْنِي أمين مُفْتِي فِلَسطِين ورئيس الهيئة العربيّة لفلسطين إِلى روما..{ فعمل معهم في العاصمة الإيطاليّة، ثمّ التحق بهم فِي ألمانيا، وعاد إِلى إيطاليا سنة 1945م. وعلم فِي روما أنه مطلوب من المخابرات الإنجليزيّة، ولم يكن فِي إمكانه السّفر، لأنّه يحتاج إِلى تأشيرة خروج الّتي يمنحها الحلفاء. وقد اضطر إِلى السّفر بصورة غير شرعيّة على ظهر باخرة إيطاليّة ذاهبة إِلى كينيا، وتتوقف فِي بور سعيد، وعندما وصلت الباخرة إِلى بور سعيد مُنع من النزول إِلى مِصْر، فأرسل برقية إِلى عزَّام باشا (1893م – 1976م)، فتدخل فِي الأمر، وسُمح له بدخول مِصْر.
وفي القاهرة، وجد زُعماء لِيبَيا مشغولين بالقضية الِلّيبيّة، ووجد مُفْتِي فِلَسطِين في أوج نشاطه، مِن أجل القضيّة الفلسطينيّة، فطلب منه العمل معهم، وقد أسند إليه مكتب أنباء فلسطين الّذِي يُزود الصحف المِصْرية بالأخبار}4.
وحينما شغل منصب مندوب لِيبَيا الدّائم فِي الأمم المُتَّحدة مِن سبتمبر مِن العَام 1967م إِلى سبتمبر مِن العَام 1969م، دافع بقوَّة عَن قضايا العالم العربي والإسْلامي والّتي تأتي فِي مقدمتها القضيّة الفلسطينيّة. وقد أكد البوري هذه الحقيقة فِي حديث خاصّ مع موقع: «لِيبَيا اليوم» بتاريخ 12 مارس 2008م، فقال: “إن لِيبَيا وقفت إِلى جانب القضيّة الفلسطينيّة منذ بدايتها، وقدمت لها كافة سبل الدعم والمساندة”.
فِي السِّلْك الدُّبْلُومَاسِي
رجع البوري إلى بَّنْغَازِي فِي العَام 1947م بعد أن طلب الأمير إِدْرِيْس السّنُوسي (1890م – 25 مايو 1983م) منه ذلك. وبعْد استقرار الأمير فِي برقة عينه وكيلاً للدّيوان الأميري الّذِي ترأسه حينئذ عُمر باشا الكيخيا (1880م – 9 ديسمبر 1962م). وعينه المَلِك إِدْرِيْس بعْد إعلان استقلال لِيبَيا رئيساً للتشريفات الملكية. «أنظر إلى الوثيقة رقم 1»
وفِي العَام 1953م، عُيِنَ البوري مستشاراً في السفارة الِليبيّة بالقاهرة، ثمّ مندوباً للِيبَيا فِي جامعة الدّول العربيّة بعْد انضمام لِيبَيا رسميّاً لجامعة الدول العربيّة بتاريخ 10 رجب 1372 هجري الموافق 28 مارس 1953م. ويذكر أن البوري كان قد شغل فِي فترة عمله في السفارة الِلّيبيّة بالقاهرة، منصب: القائم بالأعمال الأوَّل، فِي عهد تَوَلَّي إِبراهيم أَحمَد الشَّرِيِف السَّنُوسي لِمَنصِب سفِير المملكة فِي مِصْر.
وعُيِن وزيراً للخارِجِيّة ثمّ وزيراً للدولة فِي عهد حكومة عبدالمجيد الهادي كعبّار، الحكومة الرَّابعة التّي استمرت من 26 مايو 1957م إِلى 16 أكتوبر 1960م. وعُيِن وزيراً للدولة في عهد حكومة محَمّد عثمان الصيّد، حكومة الخامسة الّتي استمرت مِن 16 أكتوبر 1960م إِلى 19 مارس 1963م. وقد عُيِنَ فِي التعديل الأوَّل لحكومة الصيّد وزيراً للعدل 3 مايو 1961م، واستمر فِي نفس المنصب فِي التعديل الثاني الّذِي جرى فِي 6 يونيو 1962م. ثمّ وزيراً لشؤون البترول فِي التعديل الثالث فِي نفس الحكومة وذلك في 11 أكتوبر 1962م. وعُين وزيراً للخارِجِيّة فِي 18 مارس 1965م حتّى 2 أكتوبر 1965م، وذلك فِي عهد حكومة حسين يُوسف مازق، الحكومة الّتي استمرت مِن 18 مارس 1965م إِلى 1 يوليو 1967م.
كذلك عمل سفيراً، ثمّ مندوباً دائماً للِيبَيا فِي هيئة الأمم المتَّحدة حتّى ساعة وقوع انقلاب سبتمبر مِن العام 1969م.
وبعد انقلاب سبتمبر مباشرة، أرسل البوري مِن مقر إقامته فِي نيويُورْك، برقيّة إستقالته إِلى الإنقلابيين، حيث رأى عدم جواز استمراره فِي موقعه كمندوب للِيبَيا بالأمم المتَّحدة بعْد أن انقلب حال البلاد مِن نظام ملكي دستوري إِلى نظام عسكري غير شرعي، وأنه عُين فِي هذا المنصب بصفته ممثلاً لدولة لِيبَيا الملكيّة لا لأي نظام أخـــر. ورد الإنقلابيون عليه بما مفاده: “أنهم قبلوا استقالته، ولكنهم يطلبون منه البقاء فِي منصبه إِلى حين إيجاد البديل له”.
وهذه مَا تم بالفعل، بعْد فترة قصيرة جدَّاً مِن الوقت.
اتخذ هذا الموقف إنطلاقاً مِن إيمانه بشرعية النَّظام الملكي الّذِي كان يمثله، ومعرفته بنزاهة المَلِك إِدْرِيْس وإخلاصه لوطنه، مقتدياً بما قاله الإمام الشافعي فِي شأن قريباً ممّا هُو فيه، حيث قال:
ولا خيـرٌ في خـِلٍّ يـخـُـونُ خـليـلـَه *** ويـلقــَاهُ مِن بعـدِ الموَدَّةِ بالجــَفــَـــا
وأثناء ذلك، عرض عليه السّيّد يُو ثَانْتْ «U Thant» الأمين العام الثالث للأمم المتَّحدة (6)، وهٌو أوَّل أمين عام مِن آسيا مِن بلاد بورما «Burma» الواقعة فِي جنّوب شرق آسيا، والّذِي شغل منصب الأمين العَام مِن 30 نوفمبر 1961م إِلى 1 يناير 1972م، أن يستمر فِي العمل بالمنظمة الدّوليّة بعقد تبرمه معه الأمم المتَّحدة مباشرة، إلاّ أنه فضل العودة إِلى أرض الوطن بعْد أن اعتذر إِلى السّيّد يُو ثَانْتْ (1909م – 1974م) الّذِي ربطته به علاقة وطيدة.
ويذكر أن السّيّد يُو ثَانْتْ كان قد قبل دعوة البوري لزيارة المملكة الِلّيبيّة والّتي كان مِن المقرر أن تتمَّ فِي الخامس مِن نوفمبر 1969م، ولكن الزيارة تمَّ إلغائها نظراً لما استجد مِن أوضاع فِي البلاد بعْد وقوع انقلاب سبتمبر. وقد أشار بشير السني المنتصر «وزير الدّولة لشؤون رئاسة مجلس الوزراء الأسبق»، إِلى إلغاء تلك الزيارة فِي مذكراته الصّادرة تحت عنوان: «مذكرات شاهد على العهد الملكي الِلّيبيّ».
وفِي جانب آخر، يذكر أن الانقلابيين كانوا قد عرضوا على الدّكتور وهبي البوري – بعْد سنوات من إستيلائهم على السّلطة – عدة وظائف رسميّة، ولكنه رفض أن يقبلها واعتذر لمَنْ تقدموا له بها بذكاء ودبلوماسيّة، وحينما دعاه صديقه الحميم الدّكتور علي أحمَد عبدالله عتيقة للعمل معه في منظمة «الاوابك» قبل على الفور وعمل مستشاراً بالمنظمة فِي مقرها بدولة الكويت لمدة سبع سنوات متواصلة.
كلِمَتَه قَبل سنة وشَهُور مِن الانقِلاب
سجل وهبي البوري رئيس البعثة الِلّيبيّة الدّائمة بالأمم المتَّحدة، حديث خاصّ للإذاعة الِلّيبيّة بمناسبة الذّكري السّادسة عشر لاستقلال لِيبَيا، وأُذعت كلمته يوم 24 ديسمبر 1967م، ونُقل نص الكلمة مكتوباً في عدد مجلّة «الإذاعـة» الصادر فِي ديسمبر 1967م. «أَنظُر إِلَى المِرفَق رَقِم 2»
وجاءت كلِمَتَه – نقلاً عَن المجلّة المذكورة – كمَا يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ
فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾. «سورة الفتح الآية 10»
تحتفل لِيبَيا اليوم بعيد استقلالها السّادس عشر، وهي ذكرى عزيزة تثير فِي نفس كلِّ لّيبيّ مزيجاً مِن الانفعالات والذّكريّات، وتدفعنا إِلى تقييم مَا حققناه مِن مكاسب ومَا تحصلنا عليه مِن إنجازات فِي هذه الفترة القصيرة. وتعود بنا إِلى الوراء لنذكر فداحة الثمن الّذِي دفعه الشّعب الِلّيبيّ فِي سبيل حريته وضراوة المعركة السّياسيّة الّتي خاضها مِن أجل إقرار حقه وفرضه على المجتمع الدّوليّ.
وقد نص قرار الجمعيّة العامّة للأمم المُتَّحدة رقم 289 المتخذ فِي 21 نوفمبر 1949م فِي فقرته الثالثة بأن يقرر دستور لِيبَيا بما فيه نوع الحكومة بواسطة ممثلي السُكّان فِي برقة وطرابلس وفزَّان الّذِين يجتمعون ويتشاورن فِي شكل جمعيّة وطنيّة. وقد تكونت الجمعيّة التأسيسيّة الوطنيّة فعلاً وانتقلت فِي 2 ديسمبر 1950م بكامل هيئتها إِلى بَّنْغَازِي لترفع إِلى جلالة المَلِك المعظم أوَّل قرار اتخذته، وهذا نصّه:
«نحن ممثلي شعب لِيبَيا مِن برقة وطرابلس الغرب وفزَّان المجتمعين بطرابلس الغرب فِي جمعيّة تأسيسيّة بإرادة الله والمزودين بالصلاحيّات الكاملة المعترف بصحتها واستيفائها الشكلي القانوني، والعازمين على تأليف إتحاد بيننا وتكوين دَوْلَة إِتِّحَادِيَّة دِيْمُقْرَاطِيَّة وَذَات سِيَادَة نِظَام الحُكْم فيهَا مَلِكِي دُسْتُورِي. نستهل عملنا بحمد الله وشكره على مَا قد مَنَّ علينا مِن نعمة فِي تحرير بلادنا واستقلالها، وأننا اعترافاً بإخلاص صَاحِب السُّمُو السَّيِّد محمَّد إِدْرِيْس المَهْدِي السّنُوسي أمير برقة المعظم وجهاده الطويل المثمر لخير لِيبَيا وشعبها وتحقيقاً لرغبة الشّعب العامّة، وإقراراً للبيعات الشّرعيّة السّابقة الّتي صدرت مِن ممثلي الشّعب الشرعيين لسموه، وحرصاً على سعادة بلادنا وإتحادها تحت تاج مَلِك نجد فيه المثل الأعلى للصفات الّتي يتطلبها هذا المنصب السامي، فأننا ننادي بسُّمُو الأمير محمّد إدريس المَهْدِي السّنًوسي أمير برقة المعظم ونبايعه ملكاً دستورياً للمملكة الِلّيبيّة المتَّحدة ونرجو جلالته أن يتفضل ويقبل ذلك».
فهذه الوثيقة التاريخيّة تعتبر بحق أساس استقلال لِيبَيا لأنها عبرت عَن رغبة الشّعب الِلّيبيّ وعزمه على الاستقلال وتكوين دولة ملكيّة دستوريّة يتولى عرشها الإدريس المعظم. وقد عززت هذه الوثيقة قرار الأمم المتَّحدة، وأكدت إصرار الشّعب الِلّيبي وعزمه على الاستقلال والوحدة تحت التاج الإدريسي، ووضعت حداً للملابسات والمؤامرات الّتي صاحبت القضيّة منذ نشأتها. كمَا أنها مكنت الجمعيّة الوطنيّة مِن العمل فِي هدوء فِي وضع الدستور الّذِي أُعلن يوم 7 أكتوبر 1951م، والّذِي اعتبر دستوراً مثالياً استوحي مِن وثيقة حقوق الإنْسَان، وقد ضمن للشّعب الِلّيبيّ حرياته الأساسيّة وسبق إعلان الدستور تشكيل حكومة مؤقتة فِي أوائل العام شرعت فِي استلام السّلطات مِن الإدارتين الفرنسيّة والبريطانيّة باستثناء شئون الدّفاع والسّياسة الخارِجِيّة. وفِي 24 ديسمبر 1951م، أصدرت الحكومة البريطانيّة أمراً ملكياً بإنهاء الإدارة البريطانيّة فِي كلِّ مِن طرابلس وبرقة، وأصدرت الحكومة الفرنسيّة أمراً مماثلاً بإنهاء الإدارة الفرنسيّة فِي فزَّان.
وفِي السّاعة العاشرة والنصف مِن صباح يوم 24 ديسمبر 1951م، أعلن مولانا المَلِك المعظم مِن قصر المنار فِي بَّنْغَازِي، أن لِيبَيا أصبحت دولة مستقلة ذَات سِيَادَة وذلك بحضور الوزارة المؤقتة ومندوب الأمم المتَّحدة وممثلين دبلوماسيين مِن الدّول الأجنبيّة وأعيان ووجهاء البلاد. وفي نفس اليوم نٌقلت كل مِن بريطانيا وفرنسا شئون الدّفاع والسّياسة الخارِجِيّة إِلى الحكومة المؤقتة الّتي تولت جميع السّلطات منذ هذا اليوم.
وقد حقق الشّعب الِلّيبي فِي ذلك اليوم التّاريخي هدفه الأسْمَى الّذِي شرع فِي العمل مِن أجله قبل أربعين عاماً عندما أخذت مدافع الأسطول الإيطالي تقصف المُدُن الِلِّيبِيَّة في خريف العَام 1911م، والّذِي دفع الِلّيبيّون مِن أجله ثمناً باهضاً قل أن دفع شعب آخر مثله. ولا نكون مبالغين لدى استعراض مراحل صراعنا الوطنيّ إذا اعتقدنا أن القرن العشرين لم يشهد شعباً ناضل فِي سبيل حريته أكثر ممّا ناضل الشّعب الِلّيبيّ ولا شعباً دفع ثمناً أفدح مِن الثمن الّذِي دفعه الشّعب الِلّيبيّ وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طول مدة الكفاح وعدد السُكّان وقلة الإمكانيات والظروف الدّوليّة الّتي كانت سائدة فِي ذلك الوقت وقلة التأييد والمساعدة مِن الخارِجِ.
وقد استقلت ليبَيا بعد أن ذاقت مرارة إستعمار قاس دام ثلاثين عاماً، وبعد أن دارت على أراضيها معركة تطاحن فيها جبابرة العالم، خربت مدنها ومزارعها وأراضيها، وبعْد إدارة عسكريّة عجفاء دامت سبع سنوات.
وواجهت البلاد عهدها الجديد – عهد الحريّة والاستقلال – وهي فِي حاجة لأكثر المقومات الّتي تستند عليها الدولة. فكان دخل الفرد لا يتجاوز العشرة جنيهات فِي العَام، وكان التعليم لايزال يحبو، والإطار الإداري شبه مفقود، والمرافق العامّة مخربة والأطباء، نادرون، والمُسْتَشْفَيِات فِي حالة يَرْثِى لَهَا، والمِيزانِيَّة العادِيَّة تُعانِي عجزاً يقدر بِسِتَّة ملايِين مِن الدُولارات، ومع هذا فكان الشّعب الِلّيبي سعيداً بأن يعيش على الكفاف فِي كنف الحريّة وأن يواجه متطلبات الإستقلال بصبر وشجاعة، وقَد علَّمْتُه الأيَّام أَن شظف العيش والحِرمَان إِذَا أَظَلَّتهُما الحرِّيَّة خَير مِن السَّعَة والرَّفَاهِيَة فِي ظِلِّ الذُّل والعُبُودِيَّة.
ولكن العالم الخارجي، لم يكن يشارك الِلّيبيّين هذا الشعور إذ كان يراقب بحذر وتخوف مصير التجربة الجديدة الّتي تتمثل فِي استقلال لِيبَيا وهي أوّل تَجرِبَة مِن نَوْعِهَا تَجرِي فِي أَفريقيا بعْد الحَرب العَالَمِيَّة الثَانية.
وقد صادف يوم استقلال لِيبَيا وقت إنعِقاد الدَّورة السَّادِسَة لِلجَمعِيَّة العَامَّة فِي بَارِيس، وكان على مندوب الأمم المتَّحدة ومجلس لِيبَيا أن يقدموا تقريرهم إِلى الجمعيّة العامّة عَن إتمام مهمتهم وإعلان إستقلال لِيبَيا وتنفيذ قرار الأمم المتَّحدة، وقد ركز أغلب أعضاء الأمم المُتَّحدة الّذِين اشتركوا فِي المناقشة أمام اللجنة السّياسيّة، ملاحظاتهم في ناحيتين:
الأولى: الإشادة والإعجاب والتقدير للنضوج السِّياسي الّذِي أظهره الشّعب الِلّيبي والّذِي تمثل فِي دستوره المثالي وتنظيمه لحكومته وإدارته واستلامه وتوليه لسّلطاته فِي فترة قصيرة ممّا يدل على مبلغ شعوره بمسئولياته الّتي شرع يواجهها. وتقدير خاص لجلالة المَلِك الّذِي استطاع بحكمته وحنكته السّياسيّة أن يحقق للشّعب الِلّيبيّ أهدافه وأمانيه.
وأود أن استشهد على سبيل المثال بما قاله بعض المندوبين، حيث أن المجال لا يسمح باستعراض كل ما دار في تلك الجلسات التاريخيّة. فقد قال مَندُوب بُوْلِيْفْيَا: “أن الوقت الذي منح للِيبَيا لتطوير أسسها الدّستوريّة كان قصيراً بيد أن النتيجة كانت سارة، وأن مَنْدُوب الأمم المُتَّحدة والدّول المتولية للإدارة يستحون التهنئة غير أن الشّعب الِلّيبي وملكه وزُعماؤُه هم الّذِين يستحقون الإطراء والإعجاب بما حققوه”.
وقال مَندُوب تركيّا: “أن مهمّة إعداد لِيبَيا للاستقلال لم تكن سهلة وقد أمكن التغلب على جميع المشاكل والصعوبات فِي الوقت القصير المحدد، وبرهنت مساهمة الشّعب الِلّيبي فِي إعداد الاستقلال على نضوجه السّياسي وعلى أن الجمعيّة العامّة لم تخطيء عندما قررت أن تنال لِيبَيا استقلالها”.
وقال مَندُوب الهند: “أنه يهنيء الشّعب الِلّيبيّ المغوار الّذِي حارب بصدق مِن أجل تحرير بلاده ويحي ملكه الّذِي ساهمت حكمته وزعامته السّياسيّة وخبرته الدّوليّة مساهمة عظيمة فِي تحرير الدولة الجديدة. وأضاف بأن استقلال لِيبَيا قد عزز هيبة الأمم المُتَّحدة وجدد الأمل فِي الشعوب المغلوبة على أمرها فِي الحصول على حقها الإنْسَاني بالطّرُق السِّليمة”.
أمّا الناحيّة الأخرى الّتي التقى عندها جميع الخطباء هي أوضاع لِيبَيا الاقتصاديّة والاجتماعيّة الصعبة وعدم استطاعة البلاد التغلب عليها بدون مساعدة خارِجِيّة كبيرة. وقد ذهب التشاؤم بمندوب «شيلي» إِلى القول: «أنه إذا لم تبذل جهود بناءة وكثيرة لصالح لِيبَيا فيخشى أن تكون الأمم المُتَّحدة بإقرارها إستقلال لِيبَيا قد سجلت أكبر فشل».
فإذا مَا استعرضنا الظروف القاسيّة الّتي ولدت فيها لِيبَيا، وتخوف العالم مِن عجزها عَن المحافظة على استقلالها أو الصمود فِي وجه الصعاب الّتي تواجهها، وقارئنا بين هذه الظروف مَا حققناه اليوم لنشعر بالغبطة والاعتزاز لأن الشّعب الِلّيبيّ قد استطاع رغم كلِّ العقبات أن يكون بعْد ستة عشر عاماً دولة مزدهرة مستقرة أذهلت العالم بإنجازاتها ومكاسبها فِي جميع الميادين.
وأننا نقلل مِن جهودنا ومجهوداتنا إذا اعتقدنا نحن أو جعلنا الغير يعتقد أن مِا حققناه كان نتيجة مباشرة لاكتشاف الذهب الأسود، أن دخل البترول قد دفع عجلة نمونا وتقدمنا دفعاً جباراً غير أن شعبنا استطاع قبل اكتشاف البترول، وقبل دخول وارداته إلى خزينة الدولة أن يحقق الأسس والمرافق الّتي قامت عليها نهضتنا الحاليّة.
ففي الفترة ما بين العَام 1952م و 1958م أي قبل أن تصل واردات البترول إِلى خزينة الدولة قد استطعنا أن نعيد إِلى بلادنا ملامحها الطبيعية ونزيل عنها أثار الحرب والخراب وحققنا الكثير مِن المشاريع مثل: إصلاح الطرق والموانيء والمطارات، والتوسع فِي إنشاء المدارس والمستشفيات، وتأسيس الجامعة الِلّيبيّة وبنك لِيبَيا والبنك الزراعي ومؤسسة التأمين الإجتماعي، وإعادة إنشاء مدينتي بَّنْغَازِي وطبرق، وازدياد العمران فِي مدينة طرابلس، وتحسين الزراعة والتوسع فِي الصناعات الصغيرة، وإصدار الكثير مِن القوانين المُنظمة لمختلف أوجه نشاطنا الاقتصادي والاحتماعي وغير ذلك مِن الإنجازات الّتي لا يمكن حصرها فِي هذه العجالة.
أن مُجرَّد إلقاء نظرة على إحصائياّت التعليم العَام 1958م لتشعرنا بأن الخطّوات الّتي حققتها ليبَيا فِي طريق نموها فِي هذه الفترة وبدون دخل البترول كان بفضل جهود أبنائها وعملهم وعزمهم على خلق دولة حديثة مزدهرة جديرة بما بذلوه مِن تضحيات فِي سَبيل قِيَامِهَا.
وقد ورد فِي نشرة خاصّة أعدها مكتب المساعدة الفنيّة التابع للأمم المُتَّحدة حول لِيبَيا، مَا يلي: أن العهد الجديد فِي لِيبَيا جاء نتيجة للتصميم والتعاون والثروة. ويمثل هذه الثورة اكتشاف النفط وهُو حدث وقع فِي العَام 1959م وترك أثره الملموس الأوَّل فِي الميزانية الوطنيّة الِلّيبيّة فِي أوائل العَام 1962م.
ولا يوجد شكّ فِي أن هبة الطبيعة هذه هي العامل الكبير لمظهر لِيبَيا الاقتصادي الجديد، ولكنه على كل حال، ليس العامل الوحيد لأنه لولا المجهود البشري الغير اعتيادي الّذِي رافق هذا التطور لما كان لعامل البترول وحده أن يحصل على أهميته الحاضرة.
والسّلام عَليكم ورَحَمْة الله وبَرَكاتُه. «انتهَت كلمة البوري بمناسبة الذّكري السّادسة عشر لاستقلال لِيبَيا»
حقاً، أنّها كلمة رائعة تستحق القراءة بِتَمَعُّن والوقوف عندها طويلاً.. فهي كلمة تُؤَكِّد لَنَا بِوُضُوْح تَام مَا خسره الشّعب الِلّيبيّ مِن جرَّاء التقليل مِن شأن الرِّجَال المخلصين الأوفياء.. والحط مِن قدر إنجازات عظيمة فِي عهد عظيم.. والتعالي على تاريخ لم يشهد القرن العشرين مثيلاً له فليس هُناك مِن شعب ناضل فِي سبيل حريته أكثر ممّا ناضل الشّعب الِلّيبيّ ولا شعباً دفع ثمناً أفدح ممّا دفع.. فلولا الجحود والنكران مَا كان للجموع الطيّبة الغافلة أن تقع فِي شباك العصابات السّياسيّة.. ومَا كان لكارثة الأوّل مِن سبتمبر 1969م أن تحل بوطننا بعْد أن كان الوطن قرية أمنة مُطمئِنَّةً يأتيها رِزقُها مِن كُلِّ مكان، فأذاق الله النَّاس بسبب جُحُودِهِم ونكرانهم لِباسَ الخوف والجوع وعدم الاِطْمِئْنَان.. حقاً، أنها كلمة عظيمة قيلت فِي مناسبة أعظم ألا وهي ذكرى الاستقلال.
وإذا كان جائزاً القول إن البوري لم يكتب فِي حياته إلاّ هذه الكلمة فحسب، لقلنا قد كَفى الرَّجُل ووَفَى لأِن كلمته جاءت جامعة وافيه في وزن كتاب.. وسرد فيها مِن الحقائق والوقائع مِا يجعل كلِّ لّيبيّ يعتز بتاريخه ويفتخر. وَلَكِن، الرَّجُل تَرَك لنا أكثر منها بكثير فقد ترك للمكتبة الِلّيبيّة التاريخيّة والاجتماعيّة ما أغناها مِن أعمال، فكان وفَاؤُه لِلثَقَافَة عظِيماً ووفَاؤُه لِوَطَنِه أَجَل وأَعظَم.
كتَاباتِه ومُؤَلَّفاتِه
لقد أمضى الرّاحل الكبير الدّكتور وهبي البوري حيَاة زاخرة بِالمساهماتِ والإنجازاتِ، فقد عمل فِي «إذاعة روما» الناطقة بالعربيّة، ثمّ «إذاعة فلسطين»، ومراسلاً صُحُفِيّاً للجامعة العربيّة فِي عهد رئاسة عبْدالرّحمن عزّام الّتي استمرّت مِن 1945م إلى 1952م، ولكن بدايته فِي الصحافة كانت مع الصحافة الِلّيبيّة، ومع صحيفة «لِيبَيا المُصَوّرَة» تحديداً. وبِالرَّغمِ مِن قلة أعماله القصَصِيّة إلاّ أنّه يعد بحق هُو الرّائد الأوَّل لِفن القِصّة القصيرة فِي لِيبَيا.
أَبْعَدَه الإِنْقْلابِيُّون عن مجالات العمل الدُّبْلُومَاسِي والسِّيَاسِي فَاستَقَر فِي مدينة بَّنْغَازِي مِن العَام 1970م إِلى العَام 1979م، حيث عُيِنَ فِي هذا العَام مُستشاراً فِي العلاقات الدّوليّة بمنظمة «الاوابك» المصدرة للبترول فِي دولة الكويت. وقد رشحه لهذه الوظيفة، الدكتورعلي عتيقة وزير النفط فِي العهد الملكي بلِيبَيا والأمين العام لمنظمة «الاوابك»، واستمر فِي عمله كمستشار بالمنظمة مِن تاريخ تعيينه حتّى تاريخ تقاعده فِي العَام 1986م، حيث عاد فِي هذا العَام إِلى مدينته بَّنْغَازِي واستقر بها حتَّى سَاعَة وَفَاتِه.
فقيدنا الكبير هُو أوَّل مَنْ كتب القِصّة القصيرة بلِيبَيا، حيث نشرت له مجلة «لِيبَيا المُصَوّرَة» الّتي أسسها فِي العَام 1935م عُمر فخري المحيشي (1898م – 1942م)، فِي عددها الصّادر فِي أكتوبر 1936م، أَوْلَى قَصَصِه المُعَنْوَنَة بِاِسم «لَيْلَة الْزِّفَاف»، وهي القِصـّة الّتي يعتبرها المؤرخون والنقاد فِي لِيبَيا – أوّل قصـّة لّيبيّة متكاملة فنيّاً فِي الأدب اللّـيبيّ المعاصر. ويذكر أن قصّة البوري جاءت بعْد ثلاث سنوات فقط مِن كتابة نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911م – 30 أغسطس 2006م)، الحائز على جائزة نُوَبِّل لِلأدَب لِمَجْمُوْعَتِه القَصَصِيَّة الأُوْلَى.
ترجم البـوري مقالات وكتب عَن الإيطاليّة إِلى العربيّة، وقدّم عدة تقارير صحفيّة للصحافة الِلّيبيّة كمَا أعد صفحة تسالي «الكلمات المتقاطعة» فِي ثلاثينات القرن الماضي، وكان هُو أوَّل مَنْ أدخلها إلى الصحافة الِلّيبيّة، ورُبّما إِلى الصحافة العربيّة بشكلِ عام. عمل كإعلامي عربي فِي روما من خلال إذاعة إيطاليا، وإذاعة فلسطين الّتي تُعرف بـ«إذاعة العرب»، والّتي كانت تبث مِن رُوْمَا وَمِن أَحْرَاش غَابَات يُوَغُسْلافْيَا. وقد كان مسئولاً علي نشرة الأخبار فِي الإذاعة، حيث كان يقوم بقراءة مَا تكتبه وكالات الأنباء كلها فيأخذ منها الأخبار، ثمّ يترجمها ويعدها ويذيعها على المستمعين. وعمل أيضاً فِي مكتب فلسطين فِي الجامعة العربيّة بعْد تأسيسه لقسم الإعلام، ووكالة أنباء فلسطين، وكان ذلك عقب الحرب مباشرة، حيث سيعود إِلي بلاده لِيبَيا ليشارك فِي مناصب سياسيّة ودبلوماسيّة تجعله علي صلة بالكثير مِن حكام العالم مِن أمثال: نهرو وكنيدي وجمال عبدالنّاصر، إِلى صلته بخبراء ومثقفين مِن دول مختلفة مِن العالم.
وأثناء إقامته بالكويت مِن العَام 1979م إِلى العَام 1986م، كتب لِصُحُف ومجلات كويتيّة وأردُنِيّة، وهي كالتالي: «العربي» المجلة الكويتيّة الشهيرة، «الإداري» المجلة الكويتيّة، «الأنباء» الصحيفة الكويتيّة، «الرَّأي» الصَّحِيْفَة الأردُنِيَّة، بِالإضَافَة إِلى النشرة الشهريّة الّتي تصدر عَن منظمة الأقطار العربيّة المصدرة للبترول، ومجلّة بتروليّة تصدر عَن نفس الجهة. وألف كتابين حول البترول وصلته بِالعلاقاتِ بين الدُّوَل، وهمَا: «البترول والعلاقات العربيّة والإفريقيّة»، «النفط فِي العلاقات العربيّة والدّوليّة» اللذان أصدرتهما منظمة الدُّوَل العربيّة المصدرة للبترول، وقد ترجم الأوَّل إلى اللُّغَتَين الإنجليزيّة والفرنسيّة.
وبعْد عودته مِن الكويت العَام 1986م، تقاعد، وتفرغ للكتابة والتأليف. ونشر مقالاته المتنوعة فِي المجلاّت الَلِّيَبِيَّة، التَّالِيَة: الثَقَافَة العربِيَّة، الفُصُول الأربعة، لا، تُراث الشَّعْب، المُؤْتَمَر.
وأصدر له مجلس الثقافة العَام بلِيبَيا كتاباً، بعنوان: «بَّنْغَازِي فِِي فترة الإستعمار الإيطالي»، حيث صدرت طبعته الأولى فِي العَام 2007م وطبعته الثانيّة فِي العَام 2008م. كمَا أصدر له نفس المجلس فِي العَام 2008م كتاباً تحت عنوان: «مُجْتَمَع بَّنْغَازِي فِي النِّصف الأوَّل مِن القَرْن العِشْرِيْن». وقد أصدرت له مؤلفات أخرى، مِن بينها: «بواكير القِصّة الِلّيبيّة» الصَّادِرَة فِي العَام 2004م، و«بَنَّك روما والتَّمهِيد للغَزْو الإيطَالِي» الصَّادِرَة فِي العَام 2007م.
وترجم عدة كتب من الإيطاليّة إلى العربيّة:
– كتاب: «الحرب اللّيبيّة 1911م- 1912م» لفرانشيسكو مالجيري.
– كتاب: «الكفرة الغَامِضَة» لدانتي ماريا توتينيتي.
– كتاب: «ببلوغرافيا لِيبَيا» للكاتب الإيطالي تشكي الذي جمع فيه ثلاثة الآلف عنوان عن ليبيا قبل عام 1914م.
– كتاب: «حَيَاة: أنريكو ماتي» رائد البترول فِي لِيبَيا.
تَكْرِيْمُه (7)
أقام المركز الثقافي الإسْلامي فِي نُيُويُورْك فِي شهر يونيو 1970م حفلاً كرَّم فيه الدكتور وهبي البوري قَبل مُغَادَرَتِه لنُيُويورُك وعَودَتَه إِلى لِيبَيا، نظراً لما قدّمه مِن خدمات جليلة للجاليّة العربِيَّة والمُسَلَّمَة فِي الوِلايات المُتَّحدَة الأمريكيَّة، ونُيُويورُك علَى وَجْه التَّحدِيد. حَضَر الاحتفَال عدد مِن السُّفَرَاء ومشايِخ المساجِد، ورئيس وأَعضاء الجمعيَّة العَامَّة لِلمَرْكَز الثَّقَافِي الإسْلامِي فِي نُيُويُورْك بِالإضَافَة إِلى كِبّار المُوظَّفِين بِالمدِينَة. وقُدِّم المَركَز فِي نهاية الاحتِفَال، تِذكَار لِلدُّكتُور وَهَبِي، مكتُوب على لوَّحَتْه المعدِنِيَّة، كلِمَات بِاللُغَة الإنجِلِيزِيَّة، تَرجَمَتِهَا علَى النَّحو التَّالِي:
المَركَز الثَّقَافِي الإسلامي فِي نيويورك
يُقَدِّم إِلى مَعَالِي الدُّكتُور وَهَبِي البُورِي سَفِيْر الجُمهُورِيَّة العربِيَّة الَلِّيَبِيَّة لِلأمَم المُتَّحِدَة ورَئِيس مجلس الأمَنَاء، التَّقْدِير الصَّادِق على خِدماتِه وإِسِهَامَاتِه المُكَرَّسة غير الأنَانِيَّة لِلجماعَة الإسْلامِيَّة فِي نيويورك.
يونِيْه 1970م «أَنظُر إِلى المِرفَق رقِم 3»
وجَاء التَّكْرَيِم الثَّانِي فِي شهر نوفمبر مِن العَام 2009م. أقيمت مساء يوم الثلاثاء 17 نوفمبر 2009م ضَمَّن الفَعَّالِيَّات الثَّقَافِيّة لِمَعرض الكِتاب الدّوليّ بمدينة بَّنْغَازِي فِي دَوْرَتَه التَّاسِعَة والّذِي أقيم في الفترة الواقعة مَا بين 10 نوفمبر 2009م و 21 نوفمبر 2009م، أمسية إحتفائية بالدّكتور وهبي البوري. وقد حضر هذه الإحتفائيّة جمع غفير من الأدباء والكتّاب الِلّيبيّين بعضهم أتى من مدن بعيدة عَن بَّنْغَازِي للمشاركة فِي تكريم هذا الرَّجُل الذي عُرِف بوطَنِيْتِه ونَزَاهَتِه وعَطَائِه الدَّائِم المستَمِر، وافْتَتَحَهَا القَاص محمَّد عَلِي جَاب الْلَّه الشويهدي رئِيس دار الكُتُب الوطنيَّة.
وفَاتِه (8)
وبعد أن دخلت أوضاع البوري الصحيّة فِي مرحلة التعب، وضعف سمعه وبصره، وتَعَدَّى مِن الْعُمْر التسعين عَامّاً، أصر ألا يتوقف عَن الكتابة ويُنجز كتباً أخرى – حتَّى لو حوت بعض الأخْطَاء والسَّهْو والنِّسْيَان – وأمله كان عظيماً فِي القَارِيِّء المُحّتَرَم الّذِي سوف يعذِرُه حينما يقع نظره على هذه الأخْطَاء فَيُصَحِّح مَا يَجِب تَصحِيحِه ويضيف إِِلى سَردِه مَا يُفِيد.
قَرَّر مُوَاصَلَة مِشْوَار الكتابة بِالرَّغمِ مِن كلِّ مَا هُو فيه، وعين سيدّة فلسطينيّة كسكرتيرة تقرأ له الجرائد والكتب.. وتُأرشف أوراقه.. وتُنَظِّم مكتبته.. وتكتب مَا يرويه لها ويَسْرِد.
وفي يوم 19 مايو 2010م، أي قبل يوم واحد من دخوله إِلى مصحة المروة، كان قد أتم المراجعة النهائيّة لكتابه الجديد: «عُمر المختار وغِرَّاسْيَانِي» الّذِي لايزال تحت الطبع أو فِي المطبعة، حتَّى لّحظة كتابة هذه السطور.
حَقَّق الْلَّه مَا تَمَنَّاه البُورِي، مِن أَن يُكَمِّل كتابه عن شيخ الشُّهَدَاء عُمر المختار قَبْل أَن يَرحَل عَن هَذِه الفَانِيَة. وهذا ما رَوَتْه هِنْد الهوني في مقالتها عَن الرَّاحل الكبير، حيث نقلت عنه، قوله: {أَنَّنِي أجهز فِي كتاب عَن شيخ الشُّهَدَاء عُمر المختار مع إن نظري لا يسمح ليّ ولكني استعنت بمَنْ يساعدني على تدوين مَا أَدْلَى بِه وكُل مَا يُفِيد الكتاب وإِنِّي مُصر على استكماله حَتَّى تَتَوَفَّانِي المَنِيَّة }5.
أمّا المُؤرخ مفتاح الشّريف صديق فقيدنا الكبير، فقال: “لم يلق البوري بالقلم مِن يده، حتّى وهُو في ذروة عمره المديد، فأضاف بإصداراته الّتي أغنت المكتبة التاريخيّة والاجتماعيّة، فَكَان وَفَاؤُه لِلْثَقَافَة لا نَظِيْر لَه”.
وختم الشّريف قوله بما كان يَتَمَنَّاه مِنْه، فقال: “كم كنت متلهّفاً على أن نقرأ للدّكتور وهبي البُوري مذكّراته السّياسيّة عَن الأحداث المفصليّة الّتي شكّلت جسم الدولة الِلّيبيّة الحديثة، ولكن وجودنا فِي الغربة القسريّة حال بيننا وبين أن نحثّه على ذلك، فرُبّما ترك وراءه مَا يشفي الغليل وينير مسالك الضالّين”.
ولابُدَّ مِن أَن أُضيف هُنا شيئاً آخر مِن عِندِي، على مَا تمنَّاه مؤرخنا الكبير مفتَاح الشَّرِيف، فأقُول: «لابُدَّ أَن يشرع كل صَاحِب تَجرِبَة إِنسانِيَّة فِي تَسَجِيِل ذَاكِرَتِه ولا ينتَظر كل هذا الزَّمن آملاً أَن يتَحصَّل على وثَائِق لَيس مِن السَّهل الحُصُول علَيها، ولا يعرف متَى تَكون بِحوزته. فعمر الإنْسَان قصير، والصِّحّة قد يُصيبها – وفي أيّ لحظّة مِن الوقت – ما يُلغي مشاريع كان الإنْسَان يطمح فِي إنجازها قبل أن تتوفاه المَنِيَّة، ولذا مِن المُستحسن، بل مِن الواجب أن تُنجز الأعمال الهامّة قبل فوَات الأوَان».
ومَع الإقرار بأهميّة الوثائق، لابُدَّ مِن أن نُؤّكد أَيْضَاً بأنّها لا تَحمل أحياناً فِي طيَّاتِها كل شَيْء، ولا يُمكن الاعْتِمَاد عليهَا دُون الرُّجُوع إِلَى الأشخاص الّذِين عَايْشَوا الحدث وكَانُوْا شُهُوَدَاً على مَا جَرَى وكان. فَكثيراً، ما تَجِد فِي الوثَائق وِجهَة نَظَر كَاتِبُهَا وهي لَيست بِالضَّرُوُرَة التَّفسير الصَّحِيح لمَّا كَان، أَو تَجِد فِيهَا وِجهَة نَظَر رسمِيَّة واحدة ولا تجد وجِهَات نَظَر أُخرى لأطراف ذَات صِلَة بِالموضُوع.
وفِي النِّهَايَة، التُّرَاث الشَّفَهِي وثِيق الصِّلَة بِالتَّاريخ، بل هُنَاك مَنْ يرى أَن التَّارِيخ المُدوَّن وُلِد فِي أَحضانه. فَلابُدَّ إِذَن مِن تَسجِيل الذَّاكرة والتَّارِيخ الشَّفَهِي واستعماله بِاعتباره مصدراً تَاريخيّاً، فَبِالإِمكَان مِن خِلال هذا التُّرَاث تَلَمُّس الحَقَّائِق، ومعرفَة معلوّمات نفيسة لا نجدها في الوثَائق الرَّسميَّة. وبِالإِمكان أَيْضاً مُقَارنَة الرِّوايات الشَّفَهِيَّة المُسجَّلَة بِالوثَائق الصَّادِرَة عن جِهَات مُختلفَة، وهذا يُثْرِي ويُغنِي المادَّة التَّاريخيّة.
وَهَذَا, ما حَذَا بِالدُّكْتُور عبدالله بن إِبرَاهِيْم العسكَر إِلَى التَّنوِيه بأَهمِّيَّة هذِه المَسأَلَة فـي دِرَاسة نَشَرَهَا في مجلَّة: «الدرعيـــة» فِي عَدَدَيهَا 39 و40، فقال: “إِنَّ التُّراث الشَّفَهِي وثيق الصِّلَة بِالتَّارِيْخ، ذَلِك أَن الأوَّل يُعَد مِرْآَة المَرْحَلَة الحَضَارِيَّة الّتي يعيشها النَّاس، وهُو يُعَبِّر عن افكارهِم وعواطفَهُم، كما أَنَّه يُصوِّر شَيئاً غير يسير مِن النَّظْم الاقْتِصَادِيَّة وَالاجتماعِيَّة والسِّياسيَّة والثَّقَافِّيَّة السّائدة، بل إِنَّ بعض الباحِثِين يعتقد أَن التَّارِيْخ المُدوَّن وُلِد فِي أَحْضَان التُّراث الشَّفَهِي”.
ومِن جديد، وفِي مساء يوم الخميس الموافق 20 مايو 2010م، دخل وهبي البوري إِلى «مصحة المروة» المملوكة لآل شمبش، فِي مدينة بَّنْغَازِي، أَثَر وعكَة صِحِّيَّة أَلمَّت بِه، وتوفَّاه الله يوم الإثنين 25 جمادى الآخرة 1431 هجري الموافق 7 يونيو 2010م عَن عمر بلغ الرّابعة والتّسعين سنة، بعْد رحلة مُعاناة مع المرض، ولكنه كان دائماً ثابت الجنان راضياً مُستَسلِماً لقَضَاء الْلَّه وقَدَرِه.
وشُيِّع جُثْمَانِه الطَّاهِر جمع غفير مِن النَّاس شمل أَطْيَاف مُخْتَلِفَة مِن الوسط الأدبي الثَّقَافِي الِلّيبيّ، بعْد صلاة الظهر مِن يوم الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1431 هجري الموافق 8 يونيو 2010م. ودُفِن بمقبرة «الهواري» جنّوب مدينة بَّنْغَازِي. وأُقِيَمّت ليَالِي العزاء، فِي مَنزِلِه الكَائِن فِي الفويهاتِ بشارعِ دبي. وتوافد على بيته كافة أبناء مدينة بَّنْغَازِي وعدد مِن أبناء الوطن مِن كَافَة المُدُن اللِّيبِيَّة. وقد نعته رابطة المثقَّفين والكُتّاب الليبيين التي تأسست فِي العَام 1997م، فِي بيان (9) صدر عنها بتاريخ 25 جمادى الآخرة 1431هحري الموافق 8 يونيو 2010م، جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
رابطة الْمُثَقَّفِيْن وَالْكُتَّاب الِلّيبيّين
«The league of Libyan Intellectuals and Writers»
تنعي رابطة المُثَقَّفِيْن والكُتَّاب الِلّيبيّين إِلى الشّعب الِلّيبيّ وفاة الدّكتور وهبي أحمَد البوري الّذِي وافته المنية بمدينته، الّتي أحب، بَّنْغَازِي، يوم الاثنين للسّابع مِن شهر يونيو 2010م.
وغني عَن القول أن الدّكتور البوري أحد أبرز معالم ووجوه الوطن الّتي يُتباهىَ بها على أصعدة الدّبلوماسيّة والسّياسة، والثقافة والأدب، حيث يُعدُّ مِن أحد معالم السّياسة الِلّيبيّة فِي تاريخها الحديث، بما تشرّف به مِن تحمل لمسؤوليّة تمثيل لِيبَيا أمام دول وحكومات العالم عبر عقود طويلة، فِي الوقت الّذِي كان يُعدّ فيه أحد بُناة كيانها الثقافي مِن خلال ريادته وإسهاماته فِي مجال القِصّة بخاصّة وفِي عالم الترجمة والتأريخ بعامّة. ولم يتوقف عَن العطاء والإبداع الثّقافي والأدبي حتّى آخر أيّام حياته، حيث كان لحضوره الشخصي وإسهامه المؤثِّر على الساحة الثقافيّة الِلّيبيّة الأثر الطيب والنافذ فِي عقول متتبعي الحركة الأدبيّة الِلّيبيّة المعاصرة وبخاصّة جيل المبدعين الشباب، وذلك منذ ثلاثينيات القرن الماضي وإِلى حين أقعده المرض فِي المرحلة الأخيرة مِن عمره الّذِي وهبه لحب وخدمة لِيبَيا عبر العقود ومِن خلال إسهاماته وعطاءاته الثّقافيّة والسّياسيّة والدّبلوماسيّة الّتي لم تنقطع، والّتي كانت جميعها تتشرف بعطاءاته الجمة الّتي لا حدود لها.
تغمَّد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله عَن عطاءاته الطيبة فِي سبيل لِيبَيا خير الجزاء.
رابطة المُثَقَّفِيْن والكُتَّاب الِلّيبيّين
25 جمادى الآخرة 1431هجري
8 يونيو 2010م
الخَاتِمَة
حينما نستعرض ماضي وهبي البوري ومَا بذله من جهود سنيّة عظيمة فِي خدمة وطنه ومواطن بلاده، لا ننسى أن الأحرار من أبناء لِيبَيا والأوفياء مِن أبناء بَّنْغَازِي مدينته الّتي أحبها بصدق وعشقها بشكل خرافي، قدروا إسهاماته وتضحياته حق قدرها وتواصلوا معه وقتما ضرب الانقْلابِيُّون عليه وعلى أبناء جيله مِن بناة دولة الاستقلال، الحصار والتضييق والمؤامرة تلو المؤامرة لتشويه سيرة هؤلاء الرِّجَال الصَّنَادِيْد العِظَام والغَطَارِفَة الكِرَام أَو جر أرجلهم إِلى مستنقع سياساتهم القذرة حتّى لا يبقى للِيبَيا رجالاً تفتخر بهم وتتخذ مِن سيرتهم المثال الّذِي يُقْتَدَى بِه.
لم يخن البوري العهد الّذِي قطعه مع السَّيِّد إِدْرِيْس أميراً وملكاً، ولم يتنازل عَن مبدأ أمن به، ولا حابى يوماً مَنْ جلبوا للوطن الخراب والدَّمَار وأَكثرُوا فيه النِّفَاق.
إِذَا المَرْء فِي دِيَن وَعَرَض وَمَبْدَأ *** تسَامح أَو حَابَى فَلَيْس بِإِنْسَان (10)
لم تغير المناصب فِي أخلاقه شيئاً، ولم يرض يوماً على نفسه بأن يستغل موقعه الرّسمي لغرض شخص أو لِمَنَافِع خَاصَّة يُقَدِّمُهَا علَى صَالِح الوَطَن ومَصلَحَة المَوَاطِن. وهذا مَا جعله محل احترام الجميع في حياته.. ويجد الأيدي مرتفعة إِلى السماء داعية له بالشفاء في ساعات مرضه، ومرتفعة إلى السماء بعد وفاته تطلب مِن المولى عز وجل أن يغفر له ويرحمه ويدخله جنّات عرضها السَّمَاوَات وَالأرْض.. ورأى الجميع كيف تتنافس الأقلام الشّريفة على خط سيرة حياته وتسجيل ما سَمِعُوه مِنه من رِوَايَات وذّكَريِات.
يِبَيـد الـزَمـان وَمُدَّتِه *** وَتَفْنَى الْخَلائِق جَدَّتِه
تُطْوَى الْدُّهُور سَجِّل الْحَيَاة *** وَتُبـقَى مِن الْمَرْء سـيَرْتَه (11)
حقاً، لقد عاش فقيدنا الكبير رجلاً، ومضى رجلاً.. وهُو تاريخ فِي رجل، ورجلُ ساهم فِي مجالات عدة، وترك بصماته فِي كلِّ مكان عمل به. وكان – طيّب الله ثراه – يمتلك ذاكرة حديديّة ويفتح بيته إلى كلِّ باحث جاد يعمل مِن أجل إظهار الحقيقة وإنصاف الرِّجال الّذِين قدموا للِيبيَـا كل مَا أستأمنه الله عندهم.
لم يكن البوري ليبياً فحسب، بل كان قلبه ينبض بحُب لِيبَيا والدعاء لها.. ولم يسكُن بَّنْغَازِي كَكَثِيرِين سكَنُوها، إِنَّمَا بَّنْغَازِي سكَنَتْه. وقد عاش طول حياته، مخلصاً لوطنه ومهمُومِاً بقضاياه، وكان منذ نكبة سبتمبر 1969م متحسراً على مَا جره انقلاب سبتمبر مِن كوارث ونكبات على ليبَيا الوطن، حيث أوقف أولئك الانقْلابِيُّون مسيرة بناء عظيمة أسس لها رجال مُخلِصُون من بُنَاة دولة لِيبَيا الحديثة.
كذلك، عاش على أمل مثل الكثيرين مِن مُحِبِّي الوطَن ورافضي الانقلاب والنِّفَاق، ومِن مُحِبِّي الحلال ومُجْتنبّي الحَرَام، أن تخرج ليبَيا الحبيبة مِن محنتها الجاثمة على صدرها منذ أربعين عاماً، فشاءت الأقدر ألا يحي لّحظة الانفراج الّتي انتظرها طويلاَ، لكنه ترك فِي نُفُوسنَا أَمَل رَاسِخ مُتَجَدِّر بعودة زمن العدل والحُرِّيَّة والمُسَاوَاة مهِما طال الوقت أو قصـــــــر.
وفِي المُنتَهى.. رحل البوري عنّا ولكن ستبقي مساهماته فِي بناء دولة لِيبَيا الحديثة ومواقفه وكتاباته خالدة بأذهاننا عبر الأجيال المقبلة. فقد خَلَف البُوري: «رصيداً خالداً على مرّ الزمن، وعاش قرناً زاخراً بالعطاء فِي هُدُوُء وبِدُون ضَجِيج»، كمَا قال القاص الِلّيبي أحمَد يُوسُف عقيلة.
وحتماً.. سيبقى عطر الأحباب باقياً يملأ زوايا الحيَاة بالتصميم والإرادة وحبّ الخير.. وبأرقى أنواع العُطُوْر وَأَزْهَى ألوَان الزَّهــــوَر.. فَالذِي يرحل عَن الدُّنيا ويترك ورائه سِيرة طَيِّبَة وأَعمال جلِيلَة مثْلَما ترك الدُّكتور وهِبي البورِي لَن تَمُوت أَعمالِه وسِيرتِه إِلى أَن يفنى الدَّهــــــر.
تَرَكْت ذَكَرَاً فِي بِلادِك *** وَالذِّكْر بَعْد الْمَوْت عُمَر (12)
رحم الله وهبي البوري رحمة واسعة، وسلام وتحِيَّة إِلَى رُوْحَه فِي عَلْيَاء ملكُوْتِهَا.

بقلم: شكري السنكي
نُشرت بموقع: «ليبَيا المُسْتقبل»
20 يونيـو 2010م

* بمناسبة الذّكرى العاشرة لوفاة السّياسي والأديب والمُؤرخ الدكتور وهبي البوري، أعيد نشر مقالتي الّتي كتبتها عنه بعْد وفاته مباشرة، ونشرتها بموقع: «ِليبَيا المُسْتقبل» فِي 20 يونيـو 2010م.

مِرْفَق الصــور:
لمعرفة تاريخ كل صورة مرفقة ومَنْ فيها، يرجى الرجوع إِلى أوَّل تعليق موجود أسفل كل صورة.
مِرْفَق الوثائــق:
التعريف بالوثائق المرفقة يوجد فِي أوَّل تعليق أسفل كل وثيقة.
ملاحظَات وَإِشَارَات:
(1) هذه المقالة: كنت قد نشرت أجزاءً كبيرة مِن سيرة الدّكتور وهبي البوري فِي مقالة تحت عنوان: «غزّة بين المملكة والجماهيريّة !»، بموقع: «لِيبَيا المستقبل» بتاريخ 6 يناير 2009م. وقد اعتمدت في التعريف بسيرته على حديث للدّكتور وهبي البوري أجراه معه أحمَد الفيتوري صاحب مدونة «سريب»، المنشور فِي قسم «الحوارات» يوم الثلاثاء الموافق 16 ديسمبر 2008م، تحت عنوان: «البوري رجل العصر الّذِي أسس وكالة الأنباء الفلسـطينيّة.. يتحدث لمدونة سريب عَن علاقته بالقضية الفلسـطينيّة قبيل الحرب العالميّة الثانيّة». وما نُشر فِي موقع: «مجلّة كراسي» قسم «الملاحق الثقافيّة»، والّذِي خصصه فتحي العريبي رئيس تحرير المجلّة، للدّكتور وهبي أحمَد البـوري. وعلى مَا كتبه الصحفي خالد المهير فِي «الجزيرة نت» بتاريخ 23 يناير 2008م حول وهبي أحمَد البوري تحت عنوان: (لِيبَيا تؤرخ للاستعمار الإيطالي فِي كتاب جديد).
(2) بيتا الشعر: من أبيات الشعر الّتي أوردها الشّيخ طاهر الزاوي فِي كتابه: «أعلام ليبَيا» دون أن يذكر اسم الشاعر.
(3) الأبيات أعلى الصفحة: مِن أشعار بشير المغيربي فِي رثاء شيخه ومعلمه الشّيخ رحومه الصاري، منشورة فِي كتاب: «أعلام ليبَيا» للشيخ طاهر الزاوي.
(4) بيتا الشعر: مِن أشعار حسن السوسي.
(5) دورة التدريب فِي فرنسا: أوفدته الخارِجِيّة للدّراسة فِي معهد خاصّ بالدّبلوماسيّة تابع لجامعة السربون «Sorbonne» أشهر الجامعات الفرنسيّة.
(6) يُو ثَانْت «U Thant»: تولّى يُو ثَانْتْ المولود في 22 يناير 1909م، رئاسة الهيئة الدّوليّة «الأمانة العامة لهيئة الأمم المتَّحدة» بعْد مقتل الأمين العَام «داغ همرشولد» فِي حادث تحطم طائرة وقع فِي سبتمبر 1961م. مارس يُو ثَانْتْ العمل فِي مجالي التعليم والإعلام، وعَمِل كمدرس أوَّل فِي المدرسة الوطنيّة العليا الّتي انتظم بها تلميذاً فِي بنتاناو، وفِي العَام 1931م أصبح ناظراً لها بعْد أن حصل على المركز الأوَّل فِي امتحان شغل المناصب التعليميّة فِي المدارس الثانويّة الإنكليزيّة والوطنيّة. وفِي العَام 1942م، عمل بضعة أشهر كأمين للّجنة إعادة تنظيم التعليم فِي بورما. وفي السنة التالية، عاد إِلى المدرسة الوطنيّة العليا كناظر لها لمدة أربع سنوات أخرى. وفي العَام 1947م، عُين مديراً صحفياً لحكومة بورما، ثمّ أصبح فِي العَام 1948م مديراً للإذاعة، وفِي السنة الّتي تلتها عُين وكيلاً لوزارة الإعلام في حكومة بورما.
وفِي العَام 1953م، أصبح أميناً للمشاريع فِي مكتب رئيس الوزراء. وعُهدت إليه فِي العَام 1955م مهام أخرى بوصفه الأمين التنفيذي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لبورما. وعندما عُين يوثانت أميناً عاماً للأمم المُتَّحدة بِالنيابةِ، كان يشغل منصب الممثل الدّائم لبورما لدى الأمم المُتَّحدة، برتبة سفير.
تقاعد يوثانت من أمانة هيئة الأمم المُتَّحدة فِي نهاية فترة ولايته الثانيّة فِي العَام 1971م، وتوفي في 25 نوفمبر 1974م بعْد مرض طويل. وكان عمره 65 عاماً. أنظر مَا جاء فِي التعريف الخاصّ به فِي الموسوعة الحرَّة «ويكيبيديا»، فهذا التعريف منقول بتصرف عَن المصدر المذكور.
(7) تكريم: هُناك تكريم أخر لفقيدنا الكبير لم أسجله فِي الوقفة الخاصّة بالتكريم، لأن الدّكتور وهبي البوري لم يسعد به، ولم يذهب لحضوره، كمَا فعل فِي التكريمين المسجلين في الوقفة المُشار إليها. حاوَل الانقْلابِيُّون بعْد سنوات مِن إِستِيلائِهُم على السّلطَة، التودد إليه ومحاولة كسبه إِلى صفهم، إلاّ أنّه نجح بذكاء شديد فِي جعل المسافة بينه وبينهم ظَاهِرَة حَتَّى لا يُشَوِّه تَارِيْخِه وَيَضَع يده فِي يد سلَطَة انقَلبت علَى الشَّرعِيَّة والدُّستُور ولَم تَجلب إِلَى الْوَطَن والمواطِن إِلاّ كل خراب ودمار. وضع الانقلابِيُّون اسم الدّكتور وهبي البوري ضمن الأدباء المُكرمِين بِالجائزة التَّقْديريَّة لما يُسمُّونَه بـ«جائزة الفاتح للأدب» الّتي أقيمت فِي شهر ديسمبر 2009م فِي بيت الثقافة بمدينة الزاوية.
(8) وفاة البوري ومراسم دفنه: نقل الصّحفي الِلّيبي أحمَد العريبي بتاريخ 8 يونيو 2010م مراسم دفن فقيد الوطن الكبير وهبي البوري، فِي تقرير صحفي نشره فِي موقع: «جيل ليبَيا» مرفق بالصور وكلمات التأبين الصّادرة عَن سعد نافو مدير المؤسسة العامّة للثقافة – المنطقة الشرقيّة، وأحمَد الفيتوري الكاتب وصاحب مدونة «سريب».
(9) بيان النعي: نُشر بيان النعي فِي موقع: «جيل ليبَيا» بتاريخ 8 يونيو 2010م.
(10) بيت الشعر: مِن أشعار أحمَد رفيق المهدوي.
(11) بيتا الشعر: مِن أشعار حسين الغنّاي.
(12) بيت الشعر: مِن أشعار الشّيخ حسين لحلاقي.
مصَادِر ومَرَاجِع:
1) الكبتي، سالم، «وميض البارق الغربي: نصوص ووثائق عن الشاعر احمَد رفيق المهدوي»، إصدارات مجلس الثقافة، الطبعة الأولى سنة 2009م.
2) الفقيه، أحمَد إبراهيم، مقالة: «أستاذ بلا تلاميذ.. حول رحيل الدّكتور وهبي البوري»، موقع: «لِيبَيا وطننا» بتاريخ 11 يونيو 2010م.
3) المفتي، محَمّد، مقالة: «الدّكتور وهبي البوري فِي ذمـة الله»، موقع: (لِيبَيا المُسْتقبل)، بتاريخ 9 يونيو 2010م.
4) موقع: (لِيبَيا المُسْتقبل)، تشييع جثمان القاص الِلّيبي الرّاحل وهبي البوري إلى مثواه الأخير، بتاريخ 8 يونيو 2010م.
5) الهوني، هِند، مقالة: «رحل البوري وبقت أعماله وذكراه»، موقع «جيل لِيبَيا»بتاريخ 6 يونيو 2010م.


لصُّورة الأولَى: صُورة شخصيَّة لوهبي البوري، أُخِذَت العَام 2008م بعدسة أحمَد العريبي.

الصُّوَرَة الثانيّة: صُورة شَخْصِيَّة لوهبي البوري، أَخذَت العَام 1928م.

الصُّوَرَة الثَّالِثَة: صُورة شَخْصِيَّة لوهبي البوري، أُخذَت فِي طَرَابلس العَام 1942م.

الصُّوَرَة الرَّابِعَة: وهبي البوري مع الأمير حُسن الرِّضَا ولي العهد، وإِلى جَانِبِهِمَا الأمير صَبَاح السَّالِم.

الصُّوَرَة الخامسة: وهبي البوري مع لِينِّدُون جُوَنْسُوْن الرَّئيس السَّادِس والثَّلاثِين لِلوِلايات المُتَّحِدَة الأمريكيَّة (1963م-1969م).

الصُّوَرَة السّادِسة: وهبي البوري مع هيلا سَلاسِي (1892م-1975م) مَلِك الحَبَشَة «إثيوبا»، ثمَّ إمبراطُورِهَا مِن 1928م إِلى 1974م

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :