غياب المنحوتة الأخيرة لـ (علي الوكواك)

غياب المنحوتة الأخيرة لـ (علي الوكواك)

كتب :: أحمد بشير العيلة

لا تجزعوا من غياب علي الوكواك المفاجئ .. لا ترتعدوا من ذلك النعي الذي لم يعِ الحقيقة، استعجل الناعي نشرَ خبرٍ كاذب أن عليّ مات.. انتهى من الحياة، سُلَّ منها كسلّ الشعرة من عجين الدنيا، بكيتموه لأنكم لم تعرفوا حقيقة اختفائه، ولم تدرك عقولكم فكرة غيابه، لقد جرّب عليّ كل الخامات حوله لينحت فيها فلسفة وجوده قطعةً قطعة وفكرةً فكرة، لقدد استهلك كل أنواع الخامات تقريباً، وجرّب ما وهبته له الطبيعة من معدنٍ وخشبٍ وطين وقشٍ وحتى الهواء استطاع نحته بجسده الآخذ حيزاً فيه، لقد كان يبحث عن إجاباتٍ في أسئلةٍ ينحتها ليجيب الزمان، حتى أنه صادق الموت في الأشياء والأشياء في الموت واستطاع التغلب عليه حين أنطقَ الحديدَ والحجر بعد موات، وحين كلّم الموت بحياةٍ كاملةٍ بمنحوناتِ مخلفات الحرب التي برع فيها، لقد كان الموت هاجساً ميتافيزيقياً لفنانٍ كبير مثله، أكمل تقريباً كل الخامات المحيطة وذلك الموت يتقافز من جسدٍ لآخر، لكن فجأة رأى عليّ الموتَ مادةً خام، نعم رآه مادةً قابلةً للتشكيل فأراد نحتها، فر إليه في خلوةٍ أبدية، إنه هناك يا أصدقائي مع الموت وجهاً لوجه، هو الآن أمام كتلةٍ صماء شرسة كصخرة بازلت مسننة تسمى الموت، يضعها على منضدة إبداعه، يقايس زواياها وارتفاعها وسُمكها، ومخيلته المشاغبة تحوّر الأبعادَ إلى شكلٍ يقفز أمام مخيلته، يدور حول كتلة الموت البازلتية وهو ماسكٌ إزميله، باحثاً عن النقرات الأولى للعمل يجر سن الإزميل بخطوطٍ مبهمة على الكتلة، وعند اتقادةٍ مدهشة كشرارة في المشهد، ينقر في نقطةٍ يعتقد أنه يستنطق بها نبضةً لحياة ما، في حين أنه يستنطق الموت.
إن عليّ الآن يا أصدقائي في أقصى حالات التجلي، حتى أنه صارح المجهول، أنه لن يرجع، فالعمل الجديد سيأخذ منه دهوراً، فالنحت في البازلت الأبدي مغامرة؛ فكيف إذا كان هذا الجسد الأبدي هو الموت عينه، لقد أبدعت يا عليّ وأتيت بفكرةٍ لم ولن يسبقك إليها أحد، أنك تنحت شيئاً ما في الموت، بل تشكّل الموت إلى منحوتةٍ .. يا إلهي كم أنتَ جريء يا عليّ، لم تناقش أحداً حين أردت التقاط هذه الكتلة النارية، لأنك فنان، نعرف جيداً أن النقاش حول الأفكار المتجاوِزة؛ كم يقزّمها، لذا أردتَ فكرتك ساخنة؛ متقدة؛ عظيمة، لكن المؤسف والموجع في آن أننا لن نرى مطلقاً منحوتتك الأخيرة.
أحمد بشير العيلة
1/1/2019

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :