تحقيق: أحمد رجب شلتوت / القاهرة
شهدت الكتابة للطفل في السنوات الأخيرة ما يمكن تسميته بالطفرة، فزاد الإقبال عليها وتعددت الجوائز الممنوحة وزاد إقبال الناشرين، مما أغرى عددا من الكتاب بمخاطبة الطفل العربى والكتابة له، إلا أن هذا التوجه لم يشهد مواكبة نقدية يراها الكثيرون ضرورية، فمن شأنها الارتقاء بالكتابات والإبداعات الموجهه إلى الطفل، من خلال تحليلها، والوقوف على جمالياتها وخصائص بنائها.
يقول الكاتب والشاعر أحمد فضل شبلول: لا يزال أدب الأطفال مهمشا في معظم الدول العربية، وينظر إليه على اعتبار أنه أدب من الدرجة الثانية أو الثالثة، ومن هنا فإن المواكبة النقدية لهذا الأدب تكاد تكون معدومة، إلا من بعض الدراسات والرسائل العلمية القليلة جدا للحصول على درجة الماجستير. أما النقد العام فهو بعيدا جدا عن هذا المجال، ويرجع السبب لقلة المنابر الإعلامية المخصصة لأدب الأطفال وثقافتهم بعامة، سواء في مجال الصحافة من جرائد ومجلات أو قنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية الجيدة.
ويضيف شبلول: لاحظت أن مجلات الأطفال – على قلتها – مغلقة على أسماء معينة، سواء من هيئة التحرير أو الكتاب الخارجيين، ولا أريد أن أقول إن هناك شللا معينة لدى كل مجلة، ولكن أقول إن تلك المجموعات لا تريد لأحد أن يقتحمها ويغير مفاهيمها الثابتة حول كتابات قد يكون عفى عليها الزمن. ومن هنا يقع العبء أيضا على كتَّاب الأطفال أنفسهم، الذين يعتمد معظمهم على قصص معادة وحكايات مكررة سواء من قصص التراث – وبخاصة من ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وحكايات جحا وغيرها – أو القصص العصرية، دون تقديم اللمحة الجديدة الطريقة والذكية لطفل اليوم الذي يختلف تماما عن طفل الأمس”.
وعن تجربته كأديب وناقد كتب للأطفال، قال: حاولت أن ألج العالم النقدي لما يكتب للأطفال في عالم الشعر على وجه الخصوص، فوضعت كتابي “جماليات النص الشعري للأطفال” وفيه دراسات لأكثر من 25 ديوانا للأطفال على مستوى الوطن العربي، أعقبته بـ “معجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين”، ثم كتاب “تكنولوجيا أدب الأطفال”، فكتاب “أدب الأطفال في الوطن العربي قضايا وآراء”. وهي محاولات متواضعة مني لتحريك الراكد في هذا المجال الحيوي.
ويتبنى كاتب الأطفال محمود قاسم وجهة النظر السابقة ويضيف قائلا: هناك نظرة دونية لثقافة الطفل خاصة في العالم العربية الأسباب متعددة ، فحتى الآن لم يحصل كاتب أطفال واحد على جائزة الدولة التقديرية، ولم يرشح لها أي منهم، ومنهم الراحل عبدالتواب يوسف كما يستحقها كتاب آخرون حصلوا على جوائز عربية وخليحية.
وبالنسبة للتقد الأدبي فهناك فارق بين الأدب وبين ثقافة الطفل، حيث أن أغلب الكتابات السائدة هي تبسيط للقصص التراثية العالمية، وتبسيط للعلوم وقصص التاريخ. أما أدب الأطفال فمن يكتبه قليلون للغاية منهم محمد المنسي قنديل الذي لم يتم الالتفات إليه في هذا الشأن، وللأسف فإنه ليست لدينا صحافة لأدب الطفل، وعندما يتصادف ويقوم الناقد بالكتابة عن رواية للأطفال فإنه ينشرها في مكان مخصص للكبار كقراء وليست لدينا مساحات نشر يقرأ فيها الصغير نقدا لكتاب يهمه.
عادة إنتاج للموروث
ويقول القاص أحمد طوسون: ربما تجاهل النقد للكتابات الموجهة للطفل وخاصة في البدايات يرجع إلى أن كثيرا من الكتابات كانت إما مأخوذة عن نصوص أجنبية وتم تعريبها أو إعادة انتاج للموروث وبخاصة حكايات ألف ليلة وليلة وكتاب كليلة ودمنة أو الاعتماد على الأساطير والقصص والحكايات الشعبية كمصادر للنصوص الموجهة للطفل، ولم تكن نصوصا أصلية من وحي وإبداع كُتابها.. أو على شكل ألغاز ومغامرات تهدف إلى التسلية دون إضافة حقيقية للفن والشكل الأدبي.
ولعل أغلب الكتابات النقدية اهتمت بالجوانب التربوية وعلم نفس الطفولة في أدب الطفل ولم تعط الاهتمام نفسه للنواحي الفنية والبناء الفني وربما في مراحل لاحقة انصب الاهتمام على مدى ملائمة اللغة والتصوير الفني للمرحلة العمرية الموجه إليها العمل، ورغم وجود كتابات كانت تستحق الاهتمام النقدي لما مثلته من نقلة في أدب الأطفال العربي وبخاصة كتابات زكريا تامر الذي قدم أكثر من 100 كتاب للطفل، وربما تغير الوضع في السنوات الأخيرة بعد تخصيص عدد من الجوائز والمسابقات العربية في النقد الذي يتناول الأعمال الموجهة للطفل وازدياد الاهتمام بأدب الطفل عامة في العالم العربي.
تقصير النقاد
أما الكاتب والإعلامى هشام علوان فيتهم النقد عموما بالتقصير، فيؤكد أن غياب المتابعة النقدية للأعمال المقدمة الأدبية عموما هو تقصير من النقاد، فلا الرواية ولا الشعر أوالقصة أو المسرح يتم متابعتها بشكل منهجي يفيد الإبداع.
ويرجع الأمر لأسباب تتعلق بكثرة الإصدارات يوميا، وغلاء سعر الكتاب، وقلة الوقت، ومدى جدية الباحث أيضا. وحتى لا يبدو متشائما يضيف: ومع ذلك فإن جهودا حثيثة لنقاد أكاديميين ومبدعين تدعونا للتفاؤل فيما يقدم لأدب الطفل في مصر والوطن العربي، من خلال أطروحات جادة لنيل درجات علمية أو نشر دراسات متخصصة في مجلات علمية محكمة، أو مؤتمرات علمية مختصة.
وأجمل نقد يتلقاه مبدع يكتب أو يرسم للطفل هو من الطفل ذاته، عن طريق الورش الفنية التي تعقد باستمرار من جمعيات تهتم بالطفل أو مؤسسات ثقافية تتناول هذا الجانب، أو فعاليات دورية كمعارض كتب الطفل.
ويشاركه الرأى القاص وائل وجدى، حيث يرى أن مجال الكتابة للطفل يجتذب كتابا كثيرين، وهو نفسه قدم مجموعتين للطفل بعد ثماني مجموعات للكبار وأربعة روايات، ويؤكد أن ثمة زخما يفعم المشهد الإبداعى الموجه للطفل قصة ومسرحا وشعرا، وثمة طفرة يشهدها كتاب الطفل من ناحيتي الإخراج ومستوى الطباعة، ويرجع ذلك لإحساس الكاتب والناشر بمدى حاجة الطفل لكتاب يجتذبه من براثن ألعاب الانترنت، لكن النقد الشحيح، سواء لكسل النقاد وتقصيرهم في المتابعة، أو لقصر بعض الأقلام النقدية على أصحاب الحظوة يصيب الكتاب عموما ومن يكتوب للطفل خصوصا بالاحباط، كذلك الإعلام يشارك النقد في التهميش بعدم تسليط الضوء على أعمال مهمة تشكل عقل ووجدان رجل المستقبل.
سبب التجاهل
أما الكاتب الليبي حسن المغربي مدير تحرير مجلة “رؤى”، فيتهم كتاب الطفل أنفسهم بأنهم سبب التجاهل ويقول: أدب الطفل بالعالم العربي لم يخرج عن فكرة التربية سواء أكانت دينية أم أخلاقية، والكتابة في مثل هذا النوع من الأدب تتوسل إلى حد كبير إلى قصص القرآن وما جاء من حكم ومواعظ بالتراث الإسلامي، فالمضمون المشحون بالمثل يُنظر إليه في الغالب نظرة دونية، وهو عامل نابذ بالنسبة لكثير من النقاد، إذ أن التعليق على المحتوى بالمنتجات الأدبية من أولويات الكتابة النقدية، أما من حيث الشكل، فإن أدب الطفل يفتقر بحسب النقاد إلى تقنيات التعبير غير المباشر واستخدام والإيحاء والغموض وغيرها من الأدوات الداعمة للأعمال الأدبية، وبالتالي فإن أدب الطفل لا يتجاوز في نظرهم أبسط سمات الإبداع.
ويضيف : هناك من يرى أن المعضلات التي ربما تواجه دارس أدب الأطفال تكمن في طريقة بناء العمل الأدبي المتمثل في بنية اللغة نفسها، فانتقاء الألفاظ الطفولية الساذجة مثلا، تعد بالنسبة لهم السمة البارزة في تقهقر مواكبة الدراسات النقدية للأعمال الجديدة، ناهيك عن أسباب أخرى لا تحفز على ممارسة الكتابة النقدية مثل عدم إلمام الناقد بالأساليب المعرفية الحديثة بعلم النفس التي يستطيع من خلالها تناول العمل الأدبي الموجه للطفل بعيدا عن التخمينات الذاتية، فما من شك بأن علم النفس التربية تطور تطورا ملحوظا في العقد الأخير من هذا القرن، فهو يساعد النقاد على إنتاج دراسات وافية وفقا لأدوات معرفية حديثة. ومع هذا كله لا نستطيع القول بأن نقد أدب الطفل بالعالم العربي غائبا، بل هو موجود من خلال الدراسات العلمية والرسائل الجامعية، وإن كانت داخل أروقة الأكاديميات العلمية، ولعل السبب المباشر في عدم الالتفات إليها، هو أن كثيرا من المجلات العربية والمؤسسات الثقافية والتربوية، لا تهتم بنشرها، إما بحجة أنها لا تحقق مبيعات جيدة، أو أنها موجهة لفئة خاصة من الناس، وفي الحالتين، فإن عملهم هذا يؤثر بشكل عام على تطور وارتقاء الكتابة الإبداعية في مثل هذا النوع من الأدب بالعالم العربى.
ندرة المبدعين والنقاد
ويقول الكاتب رجب سعد السيد: لقد سمعت الأستاذ عبدالتواب يوسف، وهو من رواد الكتابة للأطفال، يقول في مؤتمر أدبي، أن نصيب الطفل الأوروبي من الكتب المخصصـة له، يزيد عن ثمانية، في السنة؛ بينما لا يقدم كتَّـابنا وناشـــرونا في العالم العربي، إلاَّ سطراً واحداً، على الأكثر، لكل طفل، في السنة.
نقول هذا، بالرغم من وجود ظواهر تشير إلى أن السنوات الأخيرة قد شهدت هبَّـةً في ميدان الكتابة للأطــفال، حتى صار كل من هــبَّ ودبَّ كاتب أطفال (رأينا المحرر العسكري لدار صحفية كبيرة، يكتب للأطفال في مجلة للصغار، استحدثتها الدار!) ولم تهدأ تلك الهبَّة، بعد، كي يستطيع المراقبون والمهتمون أن يتمعَّنــوا فيما تمخَّضــت عنه من كــمٍّ ونوع؛ ولكن، بصفة عامة، يمكننا القول بأن هذا النشاط الحديث لم يخرج عن مفهوم الثقافة العرجــاء كثيراً؛ فبين عشرات ممن اقتحموا مجال الكتابة للأطــفال، مؤخَّـــراً، في مصر، لا تجد سوى كاتبين أو ثلاثة، على الأكثر، يقدمون للأطفــال ثقافة علمية جيدة.
ويرى رجب سعد السيد، أعمال التوثيق في مجال ثقافة الأطفال (الأدبية والعلمية)، لا تتيح للباحث أن يؤدي عمله بشكل متكامل؛ بل إن تلك الأعمال غائبة، فلا توجد إحصائيات بمتناول الباحثين. ولعل المركز القومي لثقافة الطفل يصدر معجماً بالإصدارات الموجَّهة للأطفال في مصر، وهو الذي سبق أن أصدر معجماً لكتَّــاب الأطفال. (خدمة وكالة الصحافة العربية)