غُرتي

غُرتي

محمد مسعود

أكان ينقصها أن ترتطم عجلة السرير الخلفية بالباب !، وهم يدخلونها لغرفة العمليات ، ما أحدث هزة لجسدها المسجى وكأن الروح تغادره باكرا . تلك الهزة أفاقت بعض حواسها المنهكة ، وجعلتها ترقب –تسلية ربما- مراحل مغادرتها لعوالم الأحياء .

جالت ببصرها أو ما تبقى منه لما يحيط بها ، حتى تعدى الآمر سريرها وما تحدثه عجلاته من أصوات بائسة تنبيء بنهاية بائسة كانت ترقبها مذ باغتها هذا السرطان البغيض .

حينما أعدلت انحناءة جسدها الطويل النحيف تسمرت عيناها الغائرتين وبسمت روحها ، ما دعاها تفرك عينها اليمنى مستوضحة الأمر في ذهول قائلة : أأحلم ، أثراني غادرتُ للآخرة ، مالذي يأتي بهذا هنا .. يا الله .. ما هذا ؟  . انه ألأسمر المؤنس .. أقسم أنه هو وأني أراه حقيقة .

حدّقت به باسمة فيما كان يتجاوز المحيطين بها حتى أسند جسده بحافة السرير باسماً .

– أترى .. أنهم سيبترون الآخر قالت ذلك صامتة  ..

– ما أراه وما عرفته انه ما انتشر وما تجاوز الأمر بتر كثلة ذهنية وحسب وسيكون كل شيء على ما يرام .

– كعادتك تبسّط الآمور وتجعلني أفعل .

– نعم قلت لي فيما مضى : للجسد أذان ، لا تدعي جسدك يستمع لشكواك ، لكني ما سمعت لنصحك . كنت محقاً دائماً .

– لماذا تشيح ببصرك عني بعيدا أذا ، مالذي تقوله ؟ تقول إني ما عدت بهية ، أليس كذلك .. أياك أن تفعل … لا تضطرني لفرك غرتي أنها تهرشني . لن أذكرك بقواها الخفية .

رغم كونه  رد بتبسم ، غير انه ما كان ليخفي بعض شحوب و انكسار و حزن  ، ثم استرسل بصمت قائلا : نعم أفعلي ، عليك بغرتك ويقيني أنها ستكون بردا وسلاماً عليّ .

تبسمت بعمق حتى أنها أشاحت بوجهها ناحية اليسار خجلاً , ثم رمقته بتحدٍ أخرى ، ثم أرسلت يدها اليسرى نحو رأسها فوجدته وقد البسوه وجسدها كاملاً بلباس العمليات .

حشرت أصابعها النحيفة لتسحب غرتها فتمازحه ، لكنها صدمت ، ما من شعر !، لقد أجهزت جرعة (الكيماوي) على ما تبقى منه ، صُعقت .. وارتبكت .. وأدمعت .. وتسمرت .

قبض هو يده اليسرى و أرسلها لناصيته مرارا وكأنه يلقنها ما يجب أن تفعله ، وهو يقول صامتا : لا عليك .. لن يهزمك هذا الوضيع .. عليك بناصيتك ، افركي ناصيتك فهي تكفيك لمبلغك ، فليس السر بالشعر مطلقا .

وفيما كانت عجلات السرير تُجر دخولاً لغرفة العمليات ، تماسكت ورفعت يدها لمرات نحو ناصيتها وهي تبتسم ولو بعيون باكية.

فالسرطان لا ينتصر دائماً ، ويبقى الأمر صراع بين خصمين تكون الغلبة فيه دائماً للأقوى , قالت ذلك فيما كانت المادة المخدرة تسري في أوصالها وتسلمها لنعاس عميق .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :