فجوة بين مخرجات التعليم الليبي ومتطلبات سوق العمل، والمسؤولية مشتركة

فجوة بين مخرجات التعليم الليبي ومتطلبات سوق العمل، والمسؤولية مشتركة

سبها/منى توكا

يقع على عاتق التعليم إعداد الشخصية الاجتماعية والثقافية للطالب وتأهيله علمياً ومهنياً لمتطلبات المجتمع وليوائم سوق العمل، ولكن موائمة مخرجات التعليم مع ما يحتاجه سوق العمل و كثرة الخريجين الجامعيين الذين لا تتناسب بعض مؤهلاتهم وسوق العمل تعد  واحدة من أهم المشكلات في ليبيا.

إذ أثبتت العديد من الأبحاث والدراسات أن عدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل تؤدي إلى نتائج خطيرة في المجتمع وهي ترتبط بشكل كبير في نسب البطالة وتأخر الدول وتخلفها عن مواكبة العالم .

بينة تحتية

يرى الأكاديمي و الإعلامي علي حبيب أن الموضوع يحتاج إلى بنية تحتية إذ أن أغلب الجامعات الموجودة في ليبيا تحتاج إلى إعداد أكاديمي للطالب، وإعداد الأكاديمي يحتاج إلى جزء كبير من الجانب العملي في كل التخصصات المنوطة بالطلاب، وهذا ما لا يتوفر في الكثير من جامعاتنا، إذ أنها تفتقر إلى الجانب التطبيقي أثناء دراسة الطالب وخاصة التخصصات التي يحتاجها سوق العمل.

وأضاف:”ناهيك عن بعض التخصصات البسيطة التي تتعامل مع جهات أخرى غير الجامعة مثل كليات الطب التي تتعامل مع المراكز الطبية التعليمية والتي أحيانا يتوافر فيها جزء بسيط من العمل التطبيقي للطلبة على شكل امتياز لطلاب الطب، وهذا أيضا ليس بالطريقة السليمة لإظهار المخرجات مباشرة لسوق العمل”.

وتابع :”أما الجانب الآخر الذي يحتاجه سوق العمل هو ما يجب التركيز عليه من قبل الإعلام ووزارة التعليم، وهو التعليم التقني كالمعاهد المتوسطة والمعاهد العليا التي تغيرت بعضها ووضعها تحت إطار الكليات وأراها مضرة بسوق العمل، إذ نلحظ أن خريج الهندسة المعمارية في المتوسط يتميز بحصوله على فرص التدريب العملي بسبب المعامل  وبسبب اعتماد دراسة المعاهد على المختبرات والعمل على الأجهزة عكس خريج الهندسة من الجامعة الذي يفتقر إلى هذا الجانب.

واسترسل:” كذلك الحال في المعاهد المتوسطة التي يفتقر سوق العمل لتخصصاتها بشكل كبير مثل المهن الموجودة حالياً كمهنة فني الكهرباء والميكانيكي والخياطة و التطريز و الفندقة والحدادة وتسليح المنازل وغيرها التي تخرجها المعاهد المتوسطة والعليا”.

وأضاف:” أما مخرجات الجامعة بحثية تحتاج إلى الجانب العملي إذ يفتقر خريجوها إلى الخبرة الكافية لدخول سوق العمل مباشرة، نحتاج إلى التدقيق في عمل المعاهد العليا والمتوسطة وعدم  تحويلها إلى جامعات والتركيز عليها إذ يحتاج إليها سوق العمل بشكل كبير بالإضافة إلى وجوب التعامل مع الشركات التي تتبنى مخرجات الجامعات مباشرة كالشركات النفطية وهي تجربة قامت بها شركة البريقة في فترة من الفترات وكانت تدرس الطلاب بعد الثانوية العامة وبعد سنتين من الدراسة يدخلون سوق العمل مباشرة ومن ثم تكون هناك دورات متلاحقة.

ولفت إلى أن الجهات والشركات الاقتصادية الأخرى  المتخصصة في الصناعات تتعامل مباشرة مع الجامعة والمعاهد المتوسطة في شكل المناهج التي يحتاجها سوق العمل حتى أن ليبيا أصبحت شيئاً فشيئاً دولة تعتمد على القطاع الخاص مايعني أنه يجب الآن التفكير بجدية بإشراك القطاع الخاص خاصة رجال الأعمال مع الجهات البحثية التي لها علاقة بالتدريس والتي ستكون مخرجاتها في سوق العمل التي تتبناها الجهات الخاصة ورجال الأعمال.

احتياج السوق

أما مدير مركز اللغات في جامعة سبها  الدكتور محمد عبدالله اوحيدة يجيب على تساؤل إذا ما فشلت جامعة سبها في إخراج كوادر توائم سوق العمل بالقول:” إن فرص العمل الموجودة لدى الشباب الليبي كلها في القطاع العام الذي حصل به اكتفاء كبير لذلك جامعة سبها لم تفشل  بإعداد الكوادر في المجالات التخصصية الدقيقة الجيولوجيا و الزراعة و الطاقة المتجددة والكهروميكانيكية والنفطية و كذلك التخصصات التكنولوجية كتقنية المعلومات، وتستعجل الجامعة لفتح المزيد من الكليات وهذا دليل على أن الجامعة تواكب تطور سوق العمل.

وأضاف :” لدينا كليات بجامعة سبها تخرج كوادر في كل التخصصات البرمجية  التي من المفترض أن تواكب العالم وتطوره ولكن لا يوجد في الدولة الليبية شركة اتصالات مملوكة لها إلا في القطاع الخاص، ترى الإبداعات وخريجي جامعاتنا يتفوقون دائما  في عدة مجالات على مستوى الوطن في التراتيب الأولى وجامعة سبها  تصنيفها دائما ما كان متقدما”.

وعن التخصصات اللغوية التي لا يحتاجها سوق العمل وكانت تدرس في كليات اللغة وبعضها مستمر للآن كاللغة السواحلية يقول : اللغة السواحلية فتحت لأسباب سياسية ولم يكن لها مردود فعلي في السوق المحلي و على مستوى الوطن “.

وأما بالنسبة للغة الفرنسية يقول : وجود شركة توتال في ليبيا وهي شركة نفطية من أكبر الشركات العالمية ومحتاجة للعناصر باللغة الفرنسية  ولكن من المفترض  قبول طلبة اللغة الفرنسية بالتقنين وبعدد معين لكل سنة، ولكن الآن أصبحت جامعة سبها تضع شروط قبول الدراسة للطلاب وقبلنا أعدادا معينة على مستوى الكليات في عام 2022.

ونوه إلى أن وزارة التعليم والدولة الليبية قررت تدريس اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية ما يعني أن سوق العمل يحتاج إلى أعضاء هيئة تدريس بكلية اللغات جامعة سبها ومن الكوادر الموجودة في إعداد المناهج باللغة الفرنسية لكل الطلبة الليبيين وكذلك تخريج كوادر لتدريس هذه المناهج.

و يواصل : أن فتح الجامعات الجديدة و استحداث جامعة الشاطئ وجامعة فزان من الممكن  أن يكون سبباً في ازدياد المخرجات دون التقنين، لذلك لا أخفي أن هناك تخبطا في الجامعات ووزارة التعليم العالي في القرارات، إذ لا تستحق توسيع الرقعة الجغرافية للجامعات التي أصبحت 30 جامعة وهذا عدد كبير جدا للمواطن ، ولهذا أصبح الطالب يريد شهادة بكالوريوس أو ليسانس تحسب عليه فقط.

المناهج

أما عن أساليب التدريس والمناهج التي تلعب دورا كبيرا في صنع مخرجات متهيئة وذات مهارات يطلبها سوق العمل يقول : سياسة مركز اللغات تعليم وتدريب اللغة الإنجليزية و  كل أربع سنوات توجد خطة استراتيجية لتحديث المنهج كاملاً، و كل خمس سنوات توجد مقررات

تنزل بمفردات معتمدة من مجلس الجامعة معروضة على خبراء في اللغة الإنجليزية سواء هنا أو في الخارج لتطويرها أما الكوادر الموجودة كلها محلية درست على يد الكنديين والإنجليز الذين  كانوا في مركز اللغات.

ويتابع :” هناك امتحان مفاضلة لطلبة الدراسات العليا لكل الكليات ومن يريد أن يدخل الكلية يلزمه شهادة من مركز اللغات تأهله لدخول الماجستير أو الدكتوراة”.

و بخصوص موائمة المخرجات مع سوق العمل يقول : “هناك أبحاث على هذا البرنامج مع الوزارة، ولكن الصعوبة في كيف يمكن أن تواكب سوق العمل من دون أدوات سوق العمل، لدينا النفط و القطاع العام إذ لا يوجد شركات استثمارية ولا تنوع في الصناعة حتى في القطاع الخاص”.

ويرى الأستاذ بجامعة سبها ورئيس قسم الإعلام خالد رمضان أن الطبيعة المتغيرة للعمل تتطلب تغيرًا في المهارات، ومن هذا المنطلق فإن المواد التي تتعلمها أثناء دراستك الجامعية خلال السنوات الأربع يتم تحديثها باستمرار لدرجة لا يمكنك اللحاق بهذه التحديثات والمتغيرات الجديدة إلا من خلال التعلّم الذاتي.

غياب الدراسات

ومن جانبه يقول الناشط المدني أبوبكر الشامي  متحدثاً عن ورقة سياسات عمل عليها مع مجموعة من الشباب على مستوى ليبيا  وهو ممثل لسبها حول مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل  : كنا نعمل كفريق على شكل حكومة افتراضية نعمل ورقات سياسية على القضايا التي تحتاج إلى معالجات ومن ضمنها مشكلة مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، و تلخصت الدراسة إلى مجموعة من الأسباب التي أدت إلى هذه المشكلة وأولها سياسات التعاون والتنسيق بين وزارتي التعليم و العمل، وعدم وجود دراسات دورية حول احتياجات سوق العمل الليبي وعدم وجود مركز تدريب وتأهيل على المهارات الإضافية المطلوبة، وقلة وجود مساحات إبداعية في الجامعات وضعف فعالية مهارات التدريب التقني والمهني التابعة للحكومة.

ويضيف : خلصت الورقة إلى مجموعة حلول  وتوصيات منها وجوب التعاون بين وزارتي التعليم و العمل و تدريب الخريجين على المهارات المهنية والتقنية التي يطلبها سوق العمل وتزويد طلبة المدارس الإعدادية والثانوية بالمهارات التي تجعلهم على دراية بمتطلبات واحتياجات سوق العمل مبكراً”.

الاستثمار الأمثل

ويقول الخريج إبراهيم صنديد إن المناهج التعليمية في ليبيا قديمة ولم يتم تطويرها إلى المستوى المطلوب بالإضافة إلى غياب الكتب الحديثة وسبل الراحة والتكنولوجيا الحديثة في المؤسسات التعليمية.

ويتابع أنه يجب على المسؤولين وأصحاب القرار تحقيق الاستثمار الأمثل للموارد البشرية والمادية المتاحة في المؤسسة ضمن أهداف تطويرية استراتيجية “

أما الخريجة من الطب البشري سعاد عبدالرحمن تقول إن غياب الوعي لدى الأهل والطالب في اختيار التخصص الذي يتناسب مع سوق العمل في الغالب هي أحد المشكلات التي يقع فيها العديد من الطلبة ومنهم أنا دخلت الهندسة لرغبة الأهل ولكن لم أكن على دراية بما أريده وإلى الآن لم أحصل على عمل في مجال شهادتي.

وتتابع أن ما يتم اختياره من قبل الأهل دائماً هما تخصصي الطب والهندسة وربما لأن اختيار التخصص يعزز رغبة اجتماعية لدى الأهل ولكنه قد لا يؤمن المستقبل الأفضل للطالب، وفي بعض الأحيان يدرس الطالب التخصص بناءً على رغبته، بناء على خبرة زملائه أو البحث عن تخصصات لها علاقة بثقافة العولمة التي أثرت على عقول الكثيرين بحيث يختار الطالب تخصصا له علاقة بالعالم الخارجي.

و تتحمل الدولة العبء الأكبر نتيجة غياب رؤيتها للتنمية الشاملة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فإذا كان للدولة رؤية واضحة حول خططها فإنها تستطيع أن تحدد التخصصات التي تحتاجها هذه الخطة، وبالتالي يصبح لديها رؤية واضحة حول احتياجاتها من مخرجات التعليم نوعا وكما، كما يتطلب منها الإعلان عن احتياجاتها من التخصصات، كي يتمكن الطالب من اختيار التخصص الذي يتناسب وحاجات البلد.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :