محمود السوكني
بعد أكثر من أربعمائة يوم من الحرب المدمرة التي صنفت كإحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم ، والتي حصدت مائة وستة وأربعون ألف من الفلسطينيين الأبرياء منهم قرابة الأربع والأربعين ألفاً من الشهداء جلهم من الأطفال والنساء في محاولة يائسة لإبادة العنصر الفلسطيني ، ودمرت خلالها أغلب المباني -إن لم تكن كلها- في قطاع غزة وبعدها الضفة الغربية ، وبعد أن إمتد الحقد الصهيوني إلى لبنان الحائر في أمره ، يقتل أكثر من ثلاثة ألاف من أبنائه ويصيب أكثر من أربعة عشر ألف ويشرد مليون وأربعمائة ألف أخرين في حرب لم يبدأها ولا سعى إليها ، وبعد أن استفحل الجرم الصهيوني وتجاوز كل حد ولم يعد يأبه لأعراف دبلوماسية أو يحترم مواثيق دولية ، بعد كل هذا ، إنتفض الأشقاء والتحم معهم إخوة الدين والعقيدة ، و (سارعوا) إلى عقد قمة (غير إعتيادية) بعد قمتهم المشتركة العام الماضي ، أعلنوا فيها شجبهم ، وأبدوا فيها إستنكارهم ، وأطنبوا خلالها في صب جام غضبهم وكامل إمتعاضهم على الكيان المغتصب لأرض عربية لصيقة بهم جغرافياً وعرقياً ودينياً ، وإتفقوا على ، وأعلنوا أن ، ما تقوم به العصابات الصهيونية في أرض مهد الأديان ، حيث القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين ، يعد جرماً لا يمكن تجاوزه ولا السكوت عليه ، وطالبوا بوقف العدوان الجائر فوراً ، كما لم يفتهم في فورة الحماس الذي إنتابهم فجأة أن يطالبوا الأمم المتحدة بتجميد عضوية الدولة المعتدية التي تسمى (إسرائيل) ، ولا ادري كيف فاتهم أن من يطلبون تجميد عضويتها ، ترفرف أعلامها النجسة في سماء بلداننا العربية التي رزئت بوجودهم حكاماً لها !
مجلس الأمن الذي يطالبه (الأشقاء) بإصدار قرار ملزم ل(إسرائيل) بوقف إطلاق النار ، وإدخال المساعدات ، تناسوا أنه ذات المجلس الذي سبق له أن أصدر القرار رقم (2728) القاضي بوقف إطلاق النار ولم يفلح في تنفيذه ، وهو المجلس الذي أصدر عديد القرارات التي لم يمتثل الكيان الصهيوني لها ولم يعرها أدنى إهتمام ، بل إنه -أي العدو- إتهم المنظمة الأممية بمعاداة السامية ، وطالب مندوبيه أكثر من مرة بإقالة أمينها العام المتهم من قبلهم بإنحيازه لصالح حركة حماس (الإرهابية) !
لقد نبهت القمة مشكورة من خطورة توسع رقعة العدوان الذي سيكون وبالاً على المنطقة ، ويؤجج حدة الصراع الذي يهدد السلم العالمي ، لكنها لم تفصح عن طبيعة دورها في مواجهة هذا التعنت الصهيوني الذي لم تردعه المنظمة الأممية بكل مكوناتها ، ولم تثنيه مظاهرات الجماهير المنددة بسياسته العنصرية في كل أرجاء العالم ، ولم تفلح معه (توسلات) الحلفاء ولا مقاطعة الأصدقاء ، فكيف سيقف (الأشقاء) في وجه هذه العصابة المارقة وداعمتها أمريكا خاصة ونحن على أعتاب أربع سنوات عجاف يقودها من هو صهيوني أكثر إخلاصاً لنجمة داوود من حكام تل أبيب .