إذا كانت الصحافة هي مهنة المتاعب بالنسبة للصحفيين في كل أنحاء العالم فهي بالنسبة للصحفيين في ليبيا هي أكثر من ذلك ، في ليبيا هي مهنة القتل والسجن دون محاكمة وفي أحسن الأحوال النفي الإجباري أو الاختياري إلى خارج البلاد .
هذه هي حقيقة العمل الصحفي داخل ليبيا دون تلوين ولا تحوير وهذا يعطينا صورة واضحة عن حال الصحفيين وكل العاملين في مضمار الصحافة الليبية وما يعانونه في سبيل إيصال الحقيقة .
صحيفة فسانيا تضرب لنا أروع الأمثلة في معاناة الواقع الليبي والصبر على هذا الواقع بل إنها تعد نموذجاً يحتذى في مواجهة هذه التحديات والتأقلم معها وفي نفس الوقت تبليغ الرسالة الإعلامية على أكمل وجه . قبل خمس سنوات كانت فكرة إنشاء صحيفة تتحدث عن الجنوب الليبي وتنقل أخباره وآراء ساكنيه مجرد خاطرة تراود مجموعة متواضعة من الإعلاميين الذين لم يكونوا يملكون شيئاً إلا مؤهلاتهم العلمية ورغبتهم الجامحة في تجسيد ما نهلوه من الكتب والبحوث في صحيفة فكرية سياسية ثقافية جامعة تكون لسان حال الجنوب الليبي بشكل خاص وليبيا كلها بشكل عام .
وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى تحول الحلم إلى حقيقة وتم تأسيس الصحيفة وترتيب أوضاعها الإدارية والفنية وتوالت إصداراتها عدداً تلو الآخر دون أن تغفل ضرورات التطوير والتحديث ما أمكن لها ذلك حتى استطاعت أن تضمن الاستمرارية في الإصدار والثبات في المواعيد وهما من ضرورات نجاح العمل الصحفي .
وإذا ما اعتبرنا أن نجاح العمل الصحفي هو أمر طبيعي إذا توفرت الإمكانيات فإن الاستثناء الذي تمثله صحيفة فسانيا هو أنها تعمل في بيئة لا مثيل لها في كل أنحاء العالم وأن الضغوطات التي تتعرض لها وتعايشها وتتغلب عليها تختلف عن كل الضغوط المعتادة والمعروفة في المجتمعات الأخرى . فالجنوب محكوم بثقافة قبلية مقيتة يصعب معها تجاوز عقبة القبيلة وهذا ما يعني تقييد حرية الصحافة وممارسة الضغوط على الصحفيين ناهيك عن الانفلات الأمني الذي تتصدر فيه ليبيا كل دول العالم وما يشكله من ضغط إضافي على من يمتهن الصحافة قد يصل إلى حد تكليفه دفع حياته أو حريته بسبب مقال أو خبر أو صورة . بالإضافة إلى العقبات والعراقيل الأخرى التي لا تقل أهمية عن ما ذكرناه سابقاً ولعل أبرزها على سبيل المثال قلة الدعم وإنعدام الإمكانيات وعدم الحصول على فرص التدريب والتطوير وعدم وجود قانون ينظم عمل الصحافة ويؤطرها ويحفظ حقوق الصحفي وغير ذلك الكثير . في ظل كل هذه الظروف التي أقل ما يقال عنها هو أنها قاسية صار حقاً لنا أن نقول وبكل ثقة أن صحيفة فسانيا نجحت وبكل المقاييس في أن تصمد في وجه كل العواصف التي واجهتها وماتزال تواجهها واستطاعت أن تتحول رغم قلة الإمكانيات إلى قلعة إعلامية تدافع عن الجنوب وتدفع به إلى الأمام