فصل  من رواية زائرة البياض

فصل  من رواية زائرة البياض

روضة الفارسي

استيقظنا بأجسام متعبة وآلام ورضوض وكسور. حاولنا تنظيف جراحنا، وخاصة اهتممنا بأمي التي كانت رضوضها وجراحها أكثر بلاغة.

ثم تأمّلت المشهد الخلّاب للتّلال الجرداء المغطّاة بالثلج وأمسكت أمي وساعدتها على الوقوف، ودعوتها لتتأمّل معي تلك المشاهد الخلابة تحت أشعة الشمس الدافئة، وظللت أحدّثها طويلا وأذكّرها بلذّة فرارنا الحلم.

ولكنّ صمتها وانقباض وجهها الشديد وحيرتها أدخلني في حالة نفسية سيئة وجعلني أتفرّس في وجهها مرّة أخرى وأعود لأسألها عمّا أصابها.

وأخيرا قطعت أمّي سكوتها حين قالت لي بقلق شديد والدموع تنهمر من عينيها: ” أنت بلا ريب تمزحين فهل طلع النهار حقًا؟ فأنا لا أرى شيئًا”. التفت إليها ووضعت أصابعي أمام عينيها فلم تحرّك رموشها ولم تحس بدي أبداً، لم أصدّق ما حصل وشعرت بفزع شديد وخوف ورعب وغربة وانتابتني حالة من الذهول وسرعان ما مرّ داخلي شريط حياتنا معاً.  سنوات طويلة عشناها معا فيها شيء من فرح و بعض الذّكريات الحلوة رغم جراح امي وإحساسها بالقهر و وتوقها للنجاة التي أنفقت عمرها تنظره، وجرحها العميق الذي تغلغل بي وحلمها الذي عشته معها لحظة بلحظة، ذكرياتها التي يملأها الصدى، نظراتها الحزينة الحائرة القلقة، حسرتها المتواصلة مع أملها الذي لا ينضب.

ولاحت لي أيامنا الجميلة رغم كل شيء ونحن معاً وحبها الفائض وحنانها اللذان ملآني رغم أن الدّهر انتزع حياتها وغيّب شمسها التي رغم السنوات الطويلة  جدا من العتمة والسجن والقهر ما أشرقت خصلة منها على قلبها .

هل حقا فقدت أمي بصرها؟ أحسست أني ورقة في مهب ريح عاصفة. ولم أعلق بكلمة، لمدة ظللت اتأمها وأنا أرتعد ثم خارت قواي وهممت أن أقع لكنّ  بحر أمسكني من يدي فتشبثت به وكأنني في كابوس غاية في البشاعة، ووقفت متبعثرة وحين رفعت رأسي بان لي وجه بحر أخرس أصفر أصم حزين .ترى ماذا أفعل وبأي طريقة سأقوّي امي أو حتى احتضنها؟

لاحت لي أيامنا القريبة الجميلة ونحن نفرّ من القصر وجوادنا  يطير بنا ثم  ذكرياتنا مع بحر اثناء فرارنا الثاني  ونحن نستعيد بسعادة فائقة حريتنا من منزل ذي الشامة على الجبين.  وهمست عيني لعيني بحر بحزن شديد وبعض الياس” هل فقدت أمّي بصرها:”؟ 

أحسست أنه فهمني  لكنه لم يجبني، كان أيضا في حيرة شديدة وعجز كبير  ولعله أحسّ بعذاب الضمير لأنه السبب في هروبنا وانه من قادنا الى ذاك الجسر الخطير.  ولعل بحر أفاق قليلا من الصدمة حين  أمسك أمي من يدها واعانها لتجلس ثم قال لها  بلطف وحنان شديدين ” أيتها الخالة الطيبة إنها صدمة خفيفة اثرت نوعا ما على بصرك من تأثير السقوط،، أكيد سيعود لك بصرك في عضون يوم أو نصف يوم.”

وكنت أعلم أن بحر لا يقول الصدق لأن ملامح وجهه ما كانت تدلّ على شفاء أمي. ومع ذلك أعدت ما قاله وأنا أحتضن أمي مخفية الألم في صوتي مضيفة : “ستشفين قريبا يا أمي أكيد ستشفين.” فيما كنت أحدث نفسي” ما هذه الكارثة التي حلت بنا يا ربي؟

وكأنّ ذاك العذاب الطويل والقهر التي مرّت به أمي والتشرد وفقد حبيبها وعائلتها وموطنها كان هيّناً عليها حتى تضاف إليها مصيبة أخرى، ترى كيف ستواجه أمي هذه المحنة الجديدة وكيف سيكون واقعها الجديد وكيف ستكون حياتنا في الأيام الآتية؟”

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :