في الدكرى الخامسة لرحيل عبقري الفن الساخر الفنان الليبي محمد الزواوي

في الدكرى الخامسة لرحيل عبقري الفن الساخر الفنان الليبي محمد الزواوي

كتبت / كوثر الفرجاني .
نابغة الرسم الساخر الفنان محمد الزواوي ، رحل في عمر يناهز الخامسة والسبعين عاما، وفي ذروة الاحداث الدامية التي مرت بها ليبيا وشعبها يخوض نضالا قاسيا ضد حكم مستبد جثم على صدر البلاد لاثنين واربعين عاما، رحل فنان ليبيا وهي تستعد للدخول الى عصر ما بعد عهد الطغيان، وبعد ان قضى اكثر من خمسين عاما من عمره يستخدم ريشته في التعبير عن مختلف مناحي الحياة الشعبية في بلاده، بلوحات تئن وجعا وتقطر الما على حال المواطن البسيط، ويواكب تحولات بلاده السياسية والاجتماعية والثقافية في مختلف الصحف والمجلات في ليبيا، والوطن العربي، ووصلت رسوماته المتخمة بالتفاصيل الدقيقة الى مختلف الصحف العالمية، التي كانت تنقلها الصحف الليبية باعتبارها تعبيرا عن وجهة النظر العريية والليبية في الاحداث الدولية، كما طاف بمعارضه مختلف دول العالم ونال شهادات التقدير وتم استقباله بحفلات الاحتفاء والتكريم وفي كل مكان حل فيه، اعترافا بالمكانة التي ابداها في التقاط مفردات الحياة الليبية الشعبية، وتقديمها في لوحات تتجلى فيها قدراته الابداعية وموهبته الكبيرة التي تغوص في عمق القضايا التي يعالجها بريشته، وتلتقط جوهر الحياة من خلال رؤى وافكار قلما تتاح في مخيلة فنان او مبدع مهما اختلفت ادواته الفنية، والتي حولها الى مشاهد لوحات .

20 (7)
وقد عرف عنه صديقا صدوقا، وفنانا عبقريا عزى ان يجود الزمان بمثله، وانسانا بالغ الشفافية والصدق والنزاهة والامانة، وكل من عرفه شهد له بالصداقة الصافية النقية التي لم تشبها لحظة كدر واحدة، وهو صفاء ونقاء تميزت به علاقات محمد الزواوي، ولهذا يحملون له كل الاجلال والاكبار، كما لم يدخل يوما في اية خصومة مع اي انسان مهما كثرت الاحتكاكات والمنافسات، واحيانا المماحكات الناتجة عن الغيرة المهنية، فقد كان اكبر من كل المنافع الصغيرة التي يتزاحم حولها الناس، يتخاصمون ويتباغضون ويتشاحنوت، ربما كان السر في هذا الترفع على الصغائر وهذا التعفف نابع من الثقة في النفس بسبب الموهبة العملاقة التي منحها له الله، والتي جعلته كبيرا في عين نفسه واعين الاخرين، ولا يشعر بتلك النقائص التي غالبا ما تصنعها مركبات النقص وضعف الموهبة والخوف من فقدان المكانة او الحضوة عند صناع القرار، كما منحه الله تعالى الى جوار الموهبة القدرة على الجلد والمثابرة والعمل بدأب واحتراف مع تواضع انساني جميل مشبوب بانكار الذات، وهو ما لا يعرفه او يصل الى درجته الا اهل الزهد والتصوف، ولم يركن يوما الى ما يعرف بمزاج الفنان وعصبيته، ولم يصدر منه اي تصرف فيه تكبرا او يتبختر زهوا بموهبته العملاقة كما الكثير من الاشخاص الفارغين فقراء المواهب والقدرات، وجعل بديلا لكل ذلك الكدح اليومي والعمل المضني الخلاق، وكان دأبه داب عمالقة الفن الذين خلدتهم البشرية، ممن عرف عنهم الاستغراق الساعات الطوال في العمل الفني لانجازه دون كلل او ملل، وهو ما جعله يتسم بجدية وحرفية ومثابرة، ويعطي مثالا على الجد والاجتهاد حيث كان يعكف يوميا على رسم لوحاته وتلوينها وزخرفتها، واغناءها بالتفاصيل الدقيقة التي تقتضي جهدا وصبرا، نتج عنه تراثا ضخما كما وكيفا سيظل زادا للاجيال القادمة، كما سجل تاريخ حياة عاشها وعاصرها مع مجتمعه بكل امالها والالامها سواء في الاحقاب التي عاصرها، او تلك التي صورها من خلال استقراءه للتاريخ والتراث وملاحم الجهاد التي سجلها ووثقها في لوحاته.

20 (6)
الغنان الليبي محمد الزواوي اسطورة الفن الساخر في ليبيا، نبتة ليبية اصيلة من نبات الأرض الليبية، عاش ملتصقا بها التصاقا حميما، ولم يفكر في تركها ابدا رغم المحن التي مر بها خلال فترة النظام السابق، والتي طالت اقرب واحب الناس له .
ولا يخفى على اي ليبي ان ابنه البكر احد شهداء مجزرة سجن ابوسليم، وان هذه المحنة التي تركت ندوبا لا تعد ولا تحصى في اعماقه وجعلته ينطوي على نفسه لسنوات وسنوات، بالاضاقة الى عدد من المواقف الصعبة التي وضع فيها في محاولة لاستغلال اسمه ومكانته في خطط تخريبية ليست بغريبة عن نظام القذافي واعوانه ممن حاولوا استخدامه كاداة من خلال معارضة وسفره للخارج، ولكن روحه الحرة الصامدة ابت ان تكون اداة تخريبية لنظام فاسد ، فانسحب وانكفا على نفسه التي رفضت ان تكون معول هدم، وهو الفنان الشفاف الصادق، ورغم المغريات وكل محاولات استقطابه في اغلب الصحف الغربية الا انه رفض ان يترك بلدا احبها حتى الجنون، وشعبا التصق به وعاش معه في كل ألامه وخيباته وبقي في مرسمه ببيته بحي الاندلس يرسم ويعيش ويتعايش مع معاناة يومية اختارها بملء ارادته واختياره، وهو ما يؤكد صدقه واصالته كفنان ليببي كسر القواعد المتعارف عليها في الفن الساخر والفنون اجمالا، ليعطي نموذج متفرد لروح ابية صابرة شفافة صادقة ونقية ..

20 (5)
وكثيرون لا يعرفون ان الفنان محمد الزواوي لم يذهب لاي اكاديمية للفنون ليتعلم فيها، ولم يكمل تعليمه بسبب ظروفا اجتماعية حالت دون ذلك، ولكنهم يدركون ومن خلال نتاجه الغزير كما وكيفا انه التقط تعليمه ومهاراته الفنية، وسعى لتطوير ادواته ذاتيا، وصنع من نفسه اكاديمية تخرج منها عدد من تلاميذه الذين تاثروا به وتمرسوا من خبرته وابداعه، ممن حاولوا تقليده والسير على نفس خطاه، في محاولات شبيهة لكنها لا ترقى الى مستوى معلمهم وقدوتهم في مجال يصعب الولوج اليه، وان نجح كثيرين في الفن الساخر ولكنهم لم يستطيعوا ان يدركوا السر في عبقرية هذا الفنان في قدرته على تصوير البيئة الشعبية الليبية، وقدرته على رسم شخصية المواطن الليبيي البسيط، والمراة الليبية في محيطهما الاجتماعي وخلال حقب تاريخية مختلفة، اختلفت فيها العقلية الليبية، ومن خلال رسوم اتسمت بالانتباه لأدق التفاصيل وتفاصيل التفاصيل التي تجعل الصور متخمة بالدلالات والايحاءات والرموز ، مع مفردات وثيمات من الارث الليبي والبيئة الشعبية ذات الثراء والتتوع والتعدد .

20 (3)
سيذكر الليببون الفنان العبقري محمد الزواوي، الذي رحل في الخامس من يونيو 2011، سيذكرونه لانه عاش معهم ادق تفاصيل حياتهم، وعاصر افراحهم واتراحهم، في عدد من المجلدات التي جسدت واقعهم ورسمته بكل حرفية ونزاهة، فرسم (الوجه الاخر) في اول مجلد ليعكس حقائق قد لا تظهر للعيان، وخاطب جمهوره ومحبيه في (انتم) متحسسا ومستشعرا ألامهم وامالهم فيه، ودق نواقيس الخطر (نواقيس) الذي عبر فيه صراحة عن كثير من المآسي والكوارث وظاهرة الفساد وخراب الذمم، ولديه مخزون من الرسومات ما يطبع عشرات المجلدات، التي نأمل ان ترى النور قريبا لتكون قنديلا ونبراسا لاجيال ودماء جديدة من فناني الفن الساخر .

20 (2)
هانحن في هده الأيام نحي ذكرى وفاته لنسترجع ذكراه ، فهذا الفنان الذي الذي كنا نحتاجه لنتوج به انتصارات فبراير لانه كان مناضلا وثائرا نال قسطه الوافر من ظلم القذاف وطغيانه وجابهه بصمت، بريشة يسيل منها الدموع وتقطر دما على وطن جريح استشعر وجعه فرصده ووثقه وجسده كأروع ما يكون فحارب وناضل بفن هادف وملتزم متفرد ، فرسم مآسينا أضحكنا وأبكانا ورحل ليترك في القلب غصة في مرحلة من أخطر المراحل التي يمر شعب ليببا الذي أحبه، ولليوم في ذكرى رحيله الخامسة نتذكره لانه باقي ما بقيت رسومه وبقي فنه خالدا لا يزول .

20 (1)
فليكرم الله مثواه وليجزل له العطاء والجزاء بعد ما أعطى من رحيق القلب فنا وابداعا وجمالا واحساسا مرهف اسعدنا بها اطفالا وكبرنا نتجرع المرارة التي رسمها من واقع مر وعلى مدى خمسين عاما .. وكانت سر بسمتنا وسعادتنا ونحن نرى رسوماته التي بقيت بعد رحيله تتنبأ بما يجري الان من واقع مرير وتجتر الم واقع حاضر هو غائب عنه، في اشارة الى قدرة الفنان على ان يسبق عصره بفنه وابداعه الذي سيظل يرسم واقعنا يؤلمنا ويسعدنا على مدى اجيال واجيال باذن الله .
رحم الله الفنان العبقري محمد الزوازي وادخله فسيح جناته

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :