في ذكرى رحيله

في ذكرى رحيله

بقلم :: ميلاد منصور الحصادي 

حلت هذه الايام الذكرى الثالثة والثلاثين لرحيل الكاتب والمخرج المسرحي الفنان (خليفة ابراهيم بن زابيه ) والمرحوم من مواليد درنه عام 1936 م ..اهتم منذ نعومة اظافره بالمسرح من خلال مشاهدته لما يقدمه المرحوم محمد عبد الهادى ورفاقه وكذلك من خلال النشاط المسرحي المدرسي وفى عام 1959 م اسس مع  مجموعة من رفاقه فرقة انصار المسرح حيث قدمت هذه الفرقة مجموعة من الاعمال المسرحية منها { عمر المختار وجميلة بو حيريد وغيث الصغير } وساهمت فى دعم الثورة الجزائرية من جعل ريع هذه الاعمال للشعب الجزائرى  .

بعد توقف فرقة انصار المسرح لظروف كثيرة انتسب المرحوم لنادى اتحاد درنه (الافريقي حاليا) وقدم مع فرقة النادى مجموعة من المسرحيات الاجتماعية الساخرة منها (( بيت بالمقلوب / حياة غلط/ رحلة الذئاب / عندما احتجبت الشمس ))

بعد اعادة هيكلة المسارح الوطنية انظم المرحوم الى المسرح الوطني درنه بتاريخ 1/4/1972 م ، حيث التقى بالخبير المسرحي المصرى الفنان (حسن عبد الحميد ) الذى استطاع التأثير فى المرحوم خليفة وغير الكثير من المفاهيم السائدة عن المسرح ووضع حدا فاصلا بين مرحلتين ، وأنشاء تيارا جديد فى المسرح بدرنه ،كان خليفة احد تلاميذه المخلصين.

وكان خليفة حلقة وصل وبداية النضوج فى المسرح الليبي.

ومن خلال المسرح الوطني درنه قدم خليفة بن زابيه اعماله المسرحية حيث اخرج مسرحية {ابيض واسود } من تأليف صلاح راتب ، وكتب وأخرج مسرحيات (واخير هطلت الامطار / وحتى يعود القمر / والعمر نهبة والضحك حكمة ، كما اعد سينايور وحوار سهرة مرئية بعنوان الام ، وقام بتأليف وسيناريو وحوار المسلسل المرئي المشردون وتم تقديم هذه الاعمال من خلال التلفزيون الليبي فى سنوات مضت .

قام المرحوم بالاعداد والاشراف على كثير من الدورات والورش الفنية للاعضاء المسرح الوطني وغيرهم من اعضاء الفرق الاخرى ، لفد عاش المرحوم من اجل المسرح واعطاه كل حياته وكان حريصا على نشر الوعي والثقافة المسرحية واعداد الكوادر الفنية دون النظر او الاهتمام بانتاجه الفني الشخصى الذى ظل قليلا بالنظر الى المساحة الزمنية التى عاشها فى المسرح الوطني ، لكنه استطاع خلق جيل قدم الكثير من الاعمال المسرحية والفنية فى مسيرة المسرح الليبي يشار اليها بالبنان ، وقد انتقل المرحوم الى جوار ربه يو 5/1/1984 حين كان فى دولة تونس ، وقد قام مجلس الثقافة العام بطباعة اعماله المسرحية الكاملة وهى مسرحيات (العمر نهبة والضحك حكمة /واخير هطلت الامطار /حتي يعود القمر عام 2006 م .

ولكي نستطيع ان نحدد بعضا من الملامح التى يرتكز عليها مسرح خليفة بن زابيه ، نقدم قراءة سريعة لمسرحية { حتى بعود القمر} التى قدمها المرحوم سنة 1982 م ، تنطلق هذه المسرحية من خلال وقائع حادثة صغيرة حول محاصرة مجموعة من المجاهدين الليبين من قبل قوات الاحتلال الايطالى داخل كهف قريب من درنه يسمى كهف (بومليانه) واتخذ من هذه الحادثة منطلقا لاعادة صياغة جديدة لتاريخ حركة الجهاد الليبي ، محاولا اضفاء أبعاد انسانية لهذه الحركة وربطها بمسار حركات التحرر الانساني ، مسافرا بذلك عبر أغوار هؤلاء المجاهدين الذين يجدون انفسهم أمام الخيار الصعب الموت او الاستسلام .

ان خليفة بن زابيه رغم جنوحه للكتابة التسجيلة لهذه المسرحية ، الا انه حاول قدر الامكان الابتعاد عن الخطابة والمباشرة الا ما يستلزمه طبيعة الحدث المسرحي ، ما عدا ذلك حاول خليفة أن يغوص في اعماق النفس البشرية ، ومن خلال زخم الحياة الصعبة التى يعيشها المقاتل ، رصد خليفة كل اللحظات الصعبة والمؤلمة وكذلك لحظات الفرح التى يمر بها انسان يعيش مثل هذا الموقف الصعب .

ولقد حاولت (حتى يعود القمر) أن تقدم الطرح البديل لما سيكون عليه الوطن عندما تصمد البندقية فى وجه المستعمر الذى يعرفه خليفة ليس كمستعمر استيطاني اقتصادى بقدر ما هو استعمار ثقافي عقلي يحاول الوصول الى اعماق العقل العربي  وتقيده واستغلاله .

لقد حاول خليفة بن زابيه من خلال اخراجه لمسرحية حتى يعود القمر ان يقترب من فن السينما   فى محالة منه للربط بين المسرح والسينما والاستفادة منها فى تقديم عمل فني رائع .

لقد رأى أن السينما والتلفزيون يحاولان أن يستأثرا بالمشاهد ويؤثر هذا على حضور المشاهد للمسرح ، لهذا أراد أن يستغل العلاقة التى تربط هذه الفنون جميعا ، فحاول من خلال اخراجه لهذه المسرحية الاقتراب من السينما  باستغلاله حركة الضوء والمؤثرات الصوتية والحركة السريعة والاداء الغير مفتعل البعيد عن الخطابة فى اداء الممثلين واستغلاله لخيال الظل والموروثات الشعبية حتى وصل ببعض النقاد انهم قالوا فى الندوة التى اعقبت المسرحية بانهم شاهدو شريط سينمائي رائع ، لقد تعامل خليفة مع عمله المسرحي بحب وايمان  فقدم عملا مميزا كان مفاجأة المهرجان المسرحي بمدينة بنغازى سنة 1982

لقد ظل خليفة بن زابيه يناضل بكل جهد واخلاص من اجل خلق مناخ مسرحي متميز داخل هذا الوطن ، فكان كل تركيزه وهمه  خلق قاعدة مسرحية وجيل مسرحي ينهض بأعباء هذا الفن الخالد .وترسيخ قيم ومبادئ نضالت الانسانية طويلا من اجلها

رحم الله خليفة بن زابيه

 

 

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :