في مركز الأمراض السارية القاتل الخفي لمرضى الدرن !

في مركز الأمراض السارية القاتل الخفي لمرضى الدرن !

تحقيق :: زهرة موسى :: محمد هارون

بين داء “السل الرئوي” والشفاء رحلة من العلاج الطويل رفيقها الأدوية ، وصيدلية المركز الوطني للأمراض السارية بسبها ملاذ للعديد من هؤلاء المرضى ، إذ تصرف هذه الصيدلية منذ أعوام أدوية من شركات تركية ،ذات جودة رديئة جدا، مما أدى لتطور مرض بعض الحالات حيث أصبحت تحمل السل المقاوم للأدوية ، بينما توفي البعض الآخر ، وتعتبر مرحلة السل المقاوم للعلاج مرحلة متقدمة من الدرن الرئوي حيث لا يستجيب المرض إلا لعدد قليل من الأدوية وهي غالبا تنتج عن تناول أدوية ذات جودة رديئة أو التوقف عن إكمال العلاج أو الأدوية المحفوظة بظروف سيئة .

رصدت فسانيا في سياق هذا التحقيق تداعيات الموضوع : من الغرب إلى الجنوب .. شح الأدوية ! ومن جهته صرح “مصدر مسؤول “في حالات الدرن تصرف الأدوية لليبيين و الأجانب على حد السواء لأن هذا الوباء سريع الانتشار ،على عكس أدوية علاج الإيدز “HIV” التي لا تصرف للمرضى الأجانب لأنها مكلفة للدولة ، باستثناء حالات الولادة التي يتم فيها صرف أدوية الإيدز “HIV” لهم ، و يتم متابعة الطفل في الحضانة لأن مدة علاجه بسيطة تصل إلى أربعة أسابيع ، وفي حالات مرضى الالتهاب الكبدي لا يؤخذ العلاج مادام الفيروس غير نشط .

إن معاناة نقص الأدوية دائمة في المركز ، وهي معاناة لا تقتصر على الجنوب فقط بل تمتد حتى للإدارة العامة بطرابلس ، ونحن كإدارة قمنا بتجهيز قائمة النواقص التي تشمل حوالي 12 دواءً خاصاً بعلاج الدرن ، و تحصلنا فقط على نوعين . نعاني النقص في أدوية علاج مرض نقص المناعة الخاصة بفئة الأطفال .

الانْتِكَاسُ .. وَحْشُ الدّرَنِ الرّئَوِيّ النّائِمِ !

ومن حيث جودة العلاجات التي يوفرها المركز أكد ” تعتبر الأدوية المصنوعة في أيسلندا و بلجيكا و الهند جيدة ، ولا تقارن بتلك المصنوعة في تركيا ، وأذكر في العام 2016 ، أن بعض المرضى الذين تناولوا أدوية تركية الصنع عانوا من انتكاس المرض ، و بلغ عددهم في العام الماضي ق 6 حالات درنية توفيت بسبب الانتكاسة التي تسببها الأدوية التركية فقد تكونت لديهم بكتيريا مقاومة للعلاج ، وهذه مصيبة في حال انتشار وباء كهذا ، و لكننا حاليا نعطي مرضى الدرن أدوية وقائية ” فنعالج المريض المخالط بدواء رفقة العلاج البخاري غير المباشر ، فالأدوية رديئة الصنع قد تسبب أعراض الانتكاسة التي تشمل : تجمع السوائل في البطن أو الصدر ، وانتشار بكتيريا الدرن في العظام مما يسبب الشلل ، وفي الحالات الأكثر خطورة تنتشر عدوى البكتيريا للنخاع الشوكي فيصاب المريض بالسحايا الدماغية مما يؤدي للوفاة . وعن وجود حالات انتكاس في سجل المركز لمرضى مصابين بالدرن المقاوم للعلاج يشير محاورنا إلى ” أن أغلب هذه الحالات تمر بهذا المركز ، فأحد المرضى كان مصابا بالدرن الرئوي في العام 1999 وكان يعالج ، و قد ظهرت الإصابة بالدرن بعد العلاج مجدداً في العام 2013 ، وتحول الدرن إلى العظم ، وهو الآن مقعد .

أطْفَالُ الْإيدْزِ يَعِيشُونَ عَلَى رَمَقِ ” المُعَلّق ” !

وعن كيفية استدراك غياب أدوية نقص المناعة المكتسبة المخصصة للأطفال بإذابة الدواء البديل في محاليل تعطى كجرعات للأطفال : يفيد ” كنا نقوم بهذا الإجراء منذ فترة طويلة ، لأن من صعب الحصول على العلاج الخاص للأطفال أو لغلاء أسعاره ، فنقوم بتذويب جرعة من دواء بديل بنفس مقدار الجرعة المخصصة للأطفال ، وهذا لا يعتبر عيبا أو نقصا ، ففي أغلب دول العالم يتم تحضير الدواء بهذه الطريقة ، التي تعتمد على وضع البودرة في علب وتسمى “المعلق ” و يقوم المريض بشرائها وتحضيرها عن طريق إضافة ماء إليها و استخدامها . منذ 2016 ومرضى الجنوب بلا علاج للاتهاب الكبدي!

وعند السؤال عن : كيف يتم تحديد كميات الأدوية التي يتم تزويد المركز بها ، وهل يتم ذلك بناءً على عدد الحالات المسجلة؟ أجاب ” نعم يتم الصرف بناءً على عدد الحالات ” ولكن قبل أحداث طرابلس خاطب مركز بنغازي الرئاسي فتقرر منحهم 40% من الأدوية الموجودة بالإدارة بطرابلس ، وشملت المصروف أدوية لعلاج الالتهاب الكبدي ” سي ” ونحن بسبها منذ أكتوبر العام 2017 لم يتم صرف هذا العلاج للمرضى بالجنوب ، بالرغم من مخاطبتنا لهم ، ولم يكن أمامنا سوى تحويل الحالات إلى المركز بطرابلس ، مع العلم أننا بدأنا بمخاطبتهم منذ 21 أغسطس العام 2016 ، وقد كانوا يوزعون الدواء قبل هذا التاريخ بأعوام .

  • الأدْوِيَةُ التّرْكِيّةُ أرْدَأُ مِنَ الدّاءِ!

وعند سؤال المصدر الصحفي عن الاستمرار بصرف الأدوية التركية الرديئة التي ساهمت في انتكاس مرضى الدرن قال: ” من سيقرر منعها ؟ فهي تصلنا من الدولة ,ولازلنا نصرفها كمضاد حيوي يستخدمه المرضى وهو موجود بالصيدلية للصرف .

ونوه” هناك مشكلة أخرى وهي توريد أدوية قاربت صلاحيتها على الانتهاء ، و يتم استيرادها لأن ثمنها أقل من ربع الثمن الأصلي ، مثلا يتم استيراد أدوية تنتهي صلاحيتها في العام 2020 ، وتدخل للسوق الليبي وتشمل عادةً الأدوية الصينية و التركية رديئة الجودة، فقد تكون درجة ثالثة أو رابعة و المادة الفعالة فيها ضعيفة ، وهذا عن تجربة إذ أذكر أن أحد أصدقائي كان تناول دواء ضغط صناعة تركية وانتكس و لكن بمجرد تغيير العلاج الرديء ، بعلاج من شركة أخرى ذات جودة أفضل بدا يتحسن . وعن دور الجهات الرقابية في تفشي هذه الظاهرة يقول ” من المفترض أن تمر الأدوية على ضبط الجودة قبل استهلاكها ، ولكن الواقع أن لا أحد يعلم من أين تأتي هذه الأدوية و مصادرها غير معروفة ، في الفوضى الحالية للبلاد و انفتاح الموانئ . الدّرَنُ الرّئَوِيّ يَلْتَهِمُ مَرْضَى الْإيدْز . وعن وضع الأدوية الخاصة بمرضى الايدز يضيف “هناك نقص في أدوية علاج الإيدز بشكل عام ، و حالات ال HIV أو مرضى الإيدز يحتاجون لكورسات علاج أكثر من أي مرضى آخرين، لأن الانقطاع عن العلاج يسبب انتكاسات خطيرة ، ولضعف الكادر الطبي بالمركز فمن الصعب أن يتوفر طبيب مختص على دراية

بكل أنواع العدوى التي يصاب بها مريض الإيدز ، فالشخص العادي قد يأخذ المضاد الحيوي لمدة 7 أيام أو أقل بينما مريض الإيدز قد يحتاج لأخذ نفس العلاج ضعفين أو ثلاثة أضعاف ، لأنه يتعرض لجملة من الإصابات دفعة واحدة فيعاني ” الحرارة ، الحساسية ، الالتهابات الفطرية ” ، وقد شهدت شخصياً ثلاثة مرضى توفي أحدهم في العام 2016 ، و الثاني في العام 2017 ، و الأخير في العام 2018 ،نتيجة إصابتهم بمضاعفات ” الدرن” ، لأن الأورام الانتهازية أنهت الجسم ، فالإيدز لا يقتل و لكن الأمراض الانتهازية التي تهاجم الجسم هي التي تقتل المريض الفاقد للمناعة .

الْأمَلُ المَسْرُوقُ مِنْ مَرْضَى الْتِهَابِ الكَبِدِ.

وشدد ” على أن مرضى التهاب الكبد سي إذا توفر لهم العلاج في مراحل مبكرة فسيساعد على الشفاء بنسبة 90% ، حسب الدراسات المنشورة ، و لكن للأسف هذا الدواء غير متوفر بليبيا بشكل عام ، بالرغم من أن بعض المناطق في الجنوب موبوءة ، فلقد قام المركز في العام 2005 بإجراء مسح ميداني على منطقة غدوة، و تم سحب عينات عشوائية من الجميع ليكتشف نسبة إصابة عالية ، و لم يتم معرفة سبب انتشار الالتهاب الكبدي في هذه الضاحية حتى الآن . إحْصَائِيّاتٌ جَنُوبِيّةٌ قَيْدُ العِلَاجِ. أكدت ” مسؤولة بالصيدلية ” على أنه لا تصرف أدوية ال “HIV” للمرضى الأجانب إلا في حالة زواجه من ليبية ، و لكن في حالات الدرن تصرف لهم الأدوية ، لأنه مرض معدٍ ، فكان في الماضي يتم ترحيلهم إلى بلدانهم ، و لا يتحمل المركز عبء علاجهم .

وقالت ” ممرضة بقسم الإحصاء نجاة علي محمد ” إن عدد الحالات الإيجابية ” المصابة بالدرن ” في العام 2016 ” 66″ حالة ، والحالات المصابة بماء في الرئة ” BR” 6 حالات و معظمها تم تحويلها من مركز درن مرزق ، و عدد الحالات المشتبه لها تصل إلى 31 حالة ، و حالات ” TL ” وصلت إلى 8 حالات ، هي غدد و ” TO” حالات خارج الصدر عددهم في العام 2019 وصلت إلى 4حالات .

و أضافت ” أما عدد حالات ” نقص المناعة المكتسبة التي سجلت في مطلع العام 2019 هي 10 حالات جديدة ، و في العام 2018 كانت عددهم 39 حالة 19 حالة رجال و الإناث 20 حالة ، وهناك بعض الحالات المتوقفة عن المتابعة للعلاج في المركز . و ذكرت ” بأن عدد المرضى المصابين بالاتهاب الكبدي “B” في العام 2018 ” 64 ” حالة ، 21 نساء 48 رجال ، و في العام 2017 “101” حالة ، و أما بالنسبة للالتهاب الكبدي “C” فكان عدد المصاب به في العام 2018 يصل إلى18 حالة ، و في العام 2018 عددهم 17 حالة ، و في العام 2017 وصل إلى 27 حالة . وأفادت “ممرضة بقسم الإيواء فاطمة بالقاسم المبروك ” أن أكثر المشكلات التي تواجهنا كانت نقص ” التغذية ” ولكن تم توفيرها الفترة الماضية ، و هناك مشكلة أخرى وهي نقص في مستوى وعي المرضى بكيفية التعامل مع الأمراض التي يعانون منها ، فنحن بحاجة ماسة إلى توعيتهم و تعليمهم كيفية انتقال الأمراض و علاجها . أوضحت ” إن قسم الإيواء يعاني من نقص في كثير من المعدات و التجهيزات خاصة الأسِرّة ، ولكن تم مؤخرا توفير بعض الأسرّة ، ففي العام الماضي كان القسم قد استقبل عدد 76حالة ، وفي هذا العام وصلت عدد حالات الإيواء حتى موعد اللقاء 19 حالة ، و أغلبها حالات أجنبية ” من النيجر أو تشاد ” ً،و كلها حالات مصابة بالدرن ، و الحمد لله هناك متابعة للمرضى من طبيب المركز ويوجد كادر التمريض في الفترة الليلية يقوم بما يلزم لراحة المرضى . طَبِيبٌ عَلَى الْهَاتِفِ… وَمَرِيضٌ يُفَارِقُ الحَيَاةَ.

و عن وضع قسم الإيواء بالمركز ..ذكر ” مشرف قسم الإيواء “أنور الطيقة ” أن القسم حاليا أضيفت له بعض الأسرة ، و لكنه يعاني من نقص في التجهيزات ، إضافةً لعدم وجود إعاشة في القسم حيث يضطر المرضى لشراء الطعام أو جلبه لهم من قبل الأهل حيث يتم استلامه عند الباب الخارجي للأقسام ، وقد عانى بعض أهالي المرضى عمليات سطو خاصة في وقت الغذاء أو العشاء لقلة الحركة في تلك الأوقات ولكن مع بداية يناير العام 2019 قمنا بإعادة توفير الإعاشة داخل المركز.

وعن المشكلات وتأزم الحالات في الفترة الليلية ، خاصة في ظل عدم وجود طبيب للمناوبة .. أكد المشرف ” نعم تحدث بعض الحالات ، و كنا نتصل بالطبيب و هو يتابع الحالة عن طريق الهاتف ، ولكن لسوء الوضع الأمني لا يستطيع الطبيب أن يأتي للمركز حتى و إن فارق المريض الحياة . و أكد ” سجلت حالات وفيات في الفترات الليلية ، و آخرها قبل ثلاثة أشهر من موعد هذا اللقاء ، ولكن ليس بسبب تأخر وصول الطبيب ، فالبعض يتوفى لأنه قد تعرض لأزمة قلبية ، أو لأنه يعاني من التهاب رئوي حاد . تَبَرّعَاتُ الخَيّرِينَ تُنْقِذُ المُصَابِينَ بِالدّرَنِ. وعن نقص أدوية الدرن أو TB يقول ” هذه الفترة لا يوجد نقص ، ولكن عانينا في الفترة الماضية من نقص بعض أنواع الأدوية ، وبالصدفة كنت أتحدث عن الأمر مع أحد المعارف في مناسبة اجتماعية فاقترح عليّ جمع تبرعات ، فالكثير من الناس يرغبون بالمساهمة في الأعمال الخيرية ، وبالفعل تم ذلك خلال خطبة يوم الجمعة ، و الحمد لله تقدم البعض للمساعدة و البعض حاول أن يجمع مبالغ مالية و لكنني رفضت استلام هذه المبالغ و طلبت منهم شراء الأدوية فقط ، و الحمد لله قمنا بتوفير الأدوية الناقصة .

أخيراً …نشيد بتعاون مركز سبها الطبي .. وعن حالات الدرن المقاوم للعلاج في قسم الإيواء… يؤكد المشرف : هناك حالات بالفعل أصيبت بهذا النوع من الدرن ، ولكن ليست لدي معلومة دقيقة حول عدد المرضى . وأشار إلى ” أن القسم بشكل عام يحتاج إلى عديد التجهيزات ، فليست هناك أدراج لوضع احتياجات المرضى، وليس هناك طبيب خاص بقسم الإيواء متفرغ للمرضى ، أتمنى من مركز سبها الطبي و غيره من المراكز التعاون معنا في توفير طبيب ، وأيضا من المهم جدا توفير عناية فائقة بالمركز ، فأحيانا يتم تحويل بعض المرضى في حالة يرثى لها ، وهم مصابون أو مشتبه بإصابتهم بالدرن ، فكيف يتم علاجه في حال عدم وجود عناية ؟! وأتذكر وصول إحدى الحالات المشتبه بإصابتها بالدرن و كان

وأتذكر وصول إحدى الحالات المشتبه بإصابتها بالدرن و كانت محولة من مركز سبها الطبي بسيارة إسعاف ، و المريض يحتاج إلى عناية مركزة ، فلم أستطع استقباله ، وأرجعته إلى المركز حتى يتلقى علاجه ويصبح قادرا على أن يتم نقله هنا. خاصة أنه تم جلبه يوم الخميس ، فلا يمكنني استقباله ولا يوجد طبيب لمتابعته . وعن مدى تعاون مركز سبها الطبي في استقبال الحالات المحولة للعناية الفائقة من مركز الأمراض السارية يشهد محدثنا بأن طاقم مركز سبها الطبي متعاونون جدا ، ففي حال إرفاق رسالة رسمية مع التحويل يتم استقبال المرضى و التعامل معهم ، وبالرغم من وجود بعض العراقيل في السابق تم بفضل أحد الأطباء الذي كان يعمل بالمركز توطيد العلاقات وجعل التعامل أفضل .

وختمت فسانيا بسؤال حول اتخاذ الإجراءات الوقائية في ظل عمل الموظفين بمركز يضج بالأمراض الخطيرة والمعدية ؟ فأجاب: نعم هناك بعض الأدوية الوقائية التي كنا نأخذها كإجراء وقائي ” حبة ” و في السابق كنا نأخذ حقنة وقائية أيضاً .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :