قدري الآخر

قدري الآخر

محمود شامي

دخل إلى المقهى في قمة الألم، جلس منزويا في ركن بعيد، أشار للنادل ونبهه بقدومه، تناول علبة مارلبورو حمراء، والتي كان قد وضعها للتو مع أغراض أخرى فوق الطاولة، أخرج منها واحدة ورمى العلبة وما بقي بداخلها في صندوق صغير للنفايات قرب طاولته ، لمس بيده اليمنى جيب قميصه؛ ثم وضع السيجارة في فمه، قام من كرسيه وأدخل يديه في جيبي بنطاله باحثا عنها ، لم يفلح في الحصول عليها، مرر يده على شعره من الأمام الى الخلف، أغمض عينيه لبرهة ، تنفس بعمق؛ وقال: ربما، ربما تركتها في سيارتها،

كان قد نزل قبل عشرة دقيقة من سيارة قدره الآخر، وهو قدره الذي يحاول منذ فترة الإنفكاك منه، وقرر اليوم ألا يعود اليه.

طلب من النادل أن يناوله واحدة أخرى، وقبل أن يأتي النادل بها، لاحظ أنها كانت أمامه فوق الطاولة مع الهاتف والمحفظة، أشعل بها سيجارته الأخيرة، وأدخلها في جيب بنطاله، جر أنفاسا من سيجارته بهدوء، وهو يرتشف قهوته السادة، كان مصدوما يائسا يفكر فيها، وفي الدمار الذي أحدثته في داخله، ويفكر أيضا في الحل والقرار النهائي. أطفأ بقاياها مع آخر رشفة لفنجان قهوته، قرر أن ينهي علاقته بها، وأن يطلقها طلاقا بائنا لا رجعة له، رد على هاتف صديق أخبره بأنه أتى، وينتظره في باب المقهى، حمل أغراضه، وخرج من المقهى بخطوات متسارعة، تناول علبة مارلبورو بيضاء من محل مقابل للمقهى، امتطى سيارة صديقه وأشعلها، وغادر ليطفئ بقايا قدره الآخر على سجل مدني، ويبصم على طلاقه بأصابعه العشرة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :