الفـــكر من القلب والصدى إلى العين والمدى
الكاتب :بشير ونيسي
1
كتاب فكري بعنوان ” العين والصدى ” صدر عن دار شهرزاد للكاتب الجزائري سليماني ياسين يضع فيه المؤلف مجموعة من المطارحات الفكرية المتعلقة بالفكر الغربي والعربي والإسلامي ويسعى إلى تفكيك بنية وماهية وأنساق الفكر ولعل اختيار الكاتب لموضوعات وهو ما حفزني للكتابة وإبداء الرأي ومن بين هذه الموضوعات وأشهرها التحيز عند المفكر العربي المسيري وتجديد الخطاب الديني عند محمد عثمان الخشت ودينامية النص المقدس الذي يواكب الحياة وستاتكية النص التي تواكب الماضي وأيضا فلسفة التسامح عند فتح الله كولن ونظرية الاختلاف والائتلاف والوجود بين كامي وسارتر وأزمة المثقف الجزائري الذي لا يمتلك موقفا وتصورا وفكرا يجعله يشكل وجودا متميزا متحيزا.
2
القارئ لهذا الكتاب يعجب بجمع وتصنيف ومنهجية الباحث وتحليله ولغته المنسجمة في لفظها ومعناه وما لاحظته في هذا الكتاب القيم والمحفز تمثل في ثلاث وضعيات :
- أولا : إشكالية الفكر العربي وتأزم العقل وتشظيه بين الحرية والهوية .
- ثانيا : أزمة الفكر العربي وعدم وجود خصوصية له مع غيره.
- ثالثا : تجربة الجسد وتعلقها الجوهري بالفن .
وانطلاقا من مقولة تراثية أصولية تتمثل في “استصحاب الحال” فإني سوف اتخذ هذه المقولة ” استصحاب الحال لمفهوم الفكر لأضع هذا المقال القائم على العناصر التالية :
1 فلسفة الفكر
2 منهج التحيز والتميز
3 الجسد جوهر فرد للفن
3
1 فلسفة الفكر : “لا فكر إلا بذات ترى ما يحدث ” الفكر فعل إنساني يعتمد التبصر والتدبر لفهم الذات والعالم لضمان الخلافة في الأرض ، لكن أي فكر يجب أن يقوم في نظرنا على ثلاثة أشياء أساسية أولا الهوية ثانيا الحربة ثالثا منطق معين لغويا للتواصل .لكن ما يجب أن يقال بالنسبة لي كانسان عربي مسلم هل أنا أفكر؟ وكيف أفكر ؟ لم أفكر ؟ وبم أفكر ؟
منذ عصر النهضة العربية وزمن الإحياء الانسان العربي المسلم يحاول أن يفكر ولكنه في كل مرة خطوة إلى الأمام وعشر خطوات إلى الوراء ويتعلق بوعي أو بغير وعي بسبيلين أما محاكاة التراث والسلف فيرى نفسه هوية بدون حرية أو محاكاة الغرب فيرى نفسه حربة بدون هوية أو أنه يتخذ لنفسه حالة وسطية توفيقية تلفيقية تحرمه من ذاته وجودا وإبداعا ويبقى في حالة عدم تعين ودار لقمان على حالها وتنتابه في خلجات نفسه فكرة ” لا أفكر لأني أخاف من الكفر ” ولا اجتهاد مع النص “.
لأفترض منذ اللحظة الآنية أني أفكر ما ذا يمكن أن يكون أو يحدث .
يلزمني هذا الفرض ثلاث قواعد مهمة انطلاقا من هويتي وحريتي
أولا : يجب أن أفكر في الله بتوحيد لا لبس فيه ولا خرافة كأني أراه وأن لم أكن أراه فهو يراني حسب ما جاء في حديث النبي .
ثانيا : يجب أن أفكر في نفسي مستصحبا الحال الأول الله رب اجعل في قلبي نورا وفي سمعي وفي بصري ومن فوقي ومن تحتي وعلى يميني ويساري حسب الدعاء النبوي .
ثالثا : أفكر في غيري والأشياء مستصحبا الجوهر الأول والحالة الثانية فأعرف بذلك الأشياء على ماهيتها الأولى الفطرية ويكتمل تبصر وتدبر المتوحد المؤيد المسدد .
من هذه الوضعيات الوجدانية الوجودية أرسم المعلم الفكري التالي :
أنا أفكر …
أرى أنظر أبصر …
ثم أقلب
أعقل
أعلم
أعرف
أبلغ وجودي …
لا يمكن أن نتصور منهجا للفكر إلا بالرؤية والبصر والنظر والقلب والعقل والعلم والمعرفة والحقيقة . من هذه الخطوات يمكن أن نتأمل في شخصية النبي الذي يمشي في الأسواق ويأكل الطعام ، فالنبي في جوهره المدعم طبعا بالوحي يفكر وفكره يقوم أساسا على قاعدة ذهبية تشربها الأنبياء منذ آدم حتى محمد صلى الله عليه وسلم وهي المحجة البيضاء ليلها كنهارها ” لا إله إلا الله ” والتوحيد نفي كل شيء لإثبات الذات الإلهية التي ليس كمثلها أي شيء ثم يبدأ النداء الوجودي في الوحدة والصمت وانتظار الوحي لبدء التفكير وقد بلغنا القرآن الكريم تفكير إبراهيم نظرته للكواكب حتى وصوله للسؤال أرني كيف تحي الموتى وموسى في الأعراف ” أرني أنظر إليك ” ومحمد صلى الله عليه وسلم في النجم ” ما كذب الفؤاد ما رأى ” ويمكن تحقيق ذلك في كل شيء يواجه الفكر كيف يمكن أن يتفاعل معه بالنظر والقلب والعقل والعلم والمعرفة ومعايشته عيانا .
أصل هنا إلى فكرة مهمة أن الفكر يجب أن يتميز ويتحيز ثانيا يجب أن يبدأ الفكر بمبدأ ثالثا يجب على الفكر أن يتفاعل مع كل شيء بالتجربة ليعرفه .
2 منهج التحيز والتميز : لا يمكن أن نتصور أي فكر بدون مبدأ مهما كان هذا المبدأ فإنه في جوهره عقيدة تتلبس بالحياة ومهما كان هذا الفكر فإن صاحبة يجب أن ينطلق من قاعدتين الحرية والهوية وحرية الفكر حالته الوجدانية الوجودية المنفتحة زمكانيا على العالم وهويته رصيده وروافدة الثقافية فالموجود يعايش الوجود وجها لوجه ويدا بيد والموجود في فكره يتحيز بهويته ويتميز بحريته .فلو أخذنا على سبيل المثال فكر ديكارت وفكر هيجل وتحيز وتميز كل واحد منهما نجد الأول وضع نظريته على مبدأ الشك شك في كل شيء إلا ذاته بقاعدة أنا أفكر اذن أنا موجود كوجيتو المعرفة والفكر أما هيجل فمبدأ فكره يقوم على الاغتراب اغتراب الذات وتحولها من الوجود إلى العدم وذوبانها في الروح المطلق وما الديالكتيك إلا أنا يفنى في لا أنا ليبقى أنا كل شيء لا أنا وتتشكل بذلك الكينونة عبر الصيرورة .من هنا نستخلص فكرة مهمة لها وجهان الأول: ملابسة الأنا كموجود للوجود الثاني مخالطة الأنا كموجود للوجود ويحدث بين الوجهين ما يمكن وصفه أن الفكر لا يتميز إلا بالتحيز وما التميز إلا الحرية والتحيز الهوية .
3 الجسد جوهر فرد للفن : طرق المعرفة أربعة الدين والعلم والفلسفة والفن الدين يرى الأشياء بالإيمان والعلم بالعقل والفلسفة بالمنطق والفن بالخيال و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن بفصل الجسد عن الفن لأن الجسد بديمومته الفعالة الخلاقة المتعلقة بالحياة تعيد تشكيل معنى الشيء تأثيلا وتمثيلا ويمكن أن نحدد ماهية الجسد في “ما هو أنا مع كل شيء ” أنه ملكة حساسية تجاه كل شيء والجسد قائم على وضعيتين وضعيه الشهود ووضعية الوجود الأولى الرؤيا زمكانيا والثانية التمركز المكاني وهنا في هذا المقام نشير إلى نظريتين في الفلسفة الحديقة نظرية نيتشه وكيركيجارد نظرية نيتشه القائمة على الجسد في استرجاع عودته الأبدية وطفولته للوصول إلى السوبرمان وفلسفة كيركجارد تتمثل في قيام الجسد على الجدل العاشق الجامع للروح مع الجسد في وحدة وصل للمنفصل ووضعه للثنائيات الضرورة والحرية والمتناهي واللامتناهي ولا جسد في اتصاله بالوجود إلا بوحدة الفصل وصل المنفصل الجامعة بالوصل بين الشيء وضده.
يمكن أن من خلال قراءة هذا الكتاب أنه حفزني للكتابة في الفكر ومحاولة طرح وجهة النظر فمعظم الأفكار أغلبها مستوحاة من كتاب العين والمدى لياسين سليماني وكذلك عمق الكتاب وحرصه على البحث عن علة الذات العربية المحرومة من نعمة العقل والفكر
إن الفكر يجب أن يتميز ويتحيز لإثبات ذاته وكينونته كذلك أنه لا وجود للفكر إلا بالحرية والهوية .