محمد الهادي الجزيري
فعلتُ ما استطعتْ
واجهتُ راوغت تصدّيت تفاديت خضعتْ
ككلّ من في الحلبةْ
بهرتُ وانبهرتْ
وها أنا في الجولة الثانية والخمسينْ
أقرّ أنّي تعبتْ
لكنّني لن أخذل الطفل الذي فيَّ
ولن أعتذرَ عمّا فعلتْ
أيتها الحياةْ
يا لعبة الأضداد في كلّ زمان ومكانٍ
ابنك البار أنا
فلتفعلي ما شئتِ بي
كوني عليّ أو معي
سيّان عندي فأنا الذئب النبيّْ
كلّ خلاياي تعي أنّك يا أمّي العظيمةْ
بنيّة خالدة قديمةْ
ديدنها ودينها اللعبْ
لربّما أمسي غدا لعبتك المفضّلةْ
وتصطفينني زعيما للدمى
وربّما تكسّرينني جزافا هكذا بلا سببْ
ومن يلوم طفلة على اللعبْ؟
يحيا اللعبْ
يحيا تربّص الحياة بالحياةْ
يحيا ترصّد الرعاع للحزينِ
في طريقه إلى العدمْ
يحيا تشبّه الذكور بالرجالِ
والخيام بالنساءْ
يحيا تحرّش الغبار بالقممْ
يحيا تراشق المثقفين بالكذبْ
يحيا نباح الإخوة الأعداء في بيت العنبْ
يحيا صراعهم على الفُتات والتعبْ
هل من منافس إذنْ؟
هل من غريم واضح
لا يرتدي قناع صاحبي
أو جبّة الأدبْ؟
هل من هموم فخمة تليق بي
غير الديون والعربْ؟
هل من فتاة قطّة
مواؤها إعلان حربْ
تخطف قلبي من يديْ حبيبتي؟
هل من جسدْ
يزيل عنّي سحر من أحبّْ؟
هل من وطنْ
يشدّني بقوّة في ذروة العناقْ؟
يفحمني بدفئه
يصرعني بحبّه
وليس بالحسرة والغضبْ
يحيا اللعبْ
يحيا انتخاب الجهل للغول أبا لنا
وحاميا لبيتنا
يحيا تنكّر الغزاة في ثيابنا
يحيا اختراقهم لروحنا وصوتنا
يحيا توضّأ الأئمّة الثقاة بالدماءِ باسم ربّنا
يحيا ابتسامهم لنا
ورقصهم في مأتم البلاد رغم أنفنا
يحيا البهاليل وصندوق العجبْ
يحيا ثباتي في الطوابير لأنتخبْ
يحيا البدائيّ العدائيّ الخرافيّ الذي
خاتل شعبي وغلبْ
ها إنّني ألهو بحزني في رحاب الأبجديّة المحرّمةْ
مستهزئا من كلّ ربح أو خسارةْ
ومسلما روحي إلى مشيئة اللعبْ
الكون لي ولي بياض الورقةْ
ودهشتي التي تضمّ كلّ شيءْ
ما أجمل اشتباك طائرين في دوّامة الرياحْ
من أجل أنثى
عشّها محطّة لكلّ من هبّ ودبّْ
ما أصدق الذئاب ما أفصحها
وهي تحاور الغزالة المثيرة المثارةْ
يا لتناحر الجذور في غياهب الترابِ
لافتكاك لقمة التراب
في انتظار نجدة السحبْ
ما أوضح الغابات إسمنتيّة حديثة
وملحميّة عريقة
ودولة مارقة للحيوان والنبات والصراع والشغبْ
الدم والقاتل والمقتول يرنون إلى بيت القصيدْ
لكنّه مخصّص لها فقط
وللنساء خادماتها المبجَّلاتْ
فلتدخل النساءْ
حوّاء تفّاحة جدّي الساحر المسحور .. رافض الفناءْ
مريمُ شهوة الورى وتهمة السماءْ
عائشةُ أرجوحة النبيّ بين غزوتينْ
هديّة الحياة لليتيم بعد أن غلبْ
يا زحمة البهاء في ذاكرتي معذرة
لا أستطيع أن أغنّي اسم كلّ دهشة
صادفتها في كتب منسوبة للآلهةْ
لا أستطيع أن أنادي كلّ أنثى في كياني باسمها
والحقّ أنّ القلب ضلّ واستراب في الوجود فاهتدى
إلى وسيلة الجنون ليلى
فلتنصهرْ في لغتي الأسماء
ولتتّخذ كلّ نساء الأرض اسمها تزلّفا لربّة اللعبْ
ليلى تلبّس الجمال بالشغبْ
مظاهرةْ / مظاهرةْ
هتافُ ساقيها .. اندفاع لحظها
تراجع الشهوة في حديثها
ضحكتها وهي تهمّ بالمناورةْ
جميع أفعال أناها
وأنا
نشهد أنّها مظاهرةْ
ويشهد اليمين واليسار أنّها
توحّد العيون والنفوس في حضورها
وأنّها تجمّع الكافر والمؤمن والغنيّ والفقير
في غياهب انتظارها
وأنّها ممحاة كلّ فتنة سابقة لنارها
وكلّ شهوة لغيرها وكلّ حبّْ
ليلى كمون الفكرة السمراء للشاعر في منعطف الخمسينْ
تدرّج الدهشة بالغريب نحو حتفه
تمرّد الحُسنِ على زير النساءْ
تسلّح القاتل بالرقّة والأدبْ
فوز ضحايا الشعر في رهانهم
على تجسّد القصيدة العنود في امرأةْ
ليلى تحيّل الهوى عليّْ
تحصّن الطريدة الأبهى بقلب الوحش عندما وثبْ
مبارك بروزها لي من شرودي
بابتسامة البهاء للمريبْ
ونظرة الحياة للغريبْ
مبارك سلامها الحذرْ
مبارك ما كان منها
جزرها ومدّها …
دام لها الحبّ ودام طيشها الفريدُ
دام لهوها
بسيّد اللعبْ
حتّى وإن أصابه العطبْ
يحيا اللعبْ
يحيا انتظاري للتّي لا تنهر الطفل الذي فيَّ
ولا تعدْ
وحدي أمام الليل والنهار أدّعي انجذابها
وحدي أعدّ ما تبقّى من حياتي في غيابها
في لعبة الغميّضة التي اعتقدت أنّني كبرتُ
واعتزلتها إلى الأبدْ
يحيا اللعبْ
يا كلّ من في الحلبةْ
منّا الأبيّ والدعيّ والعليّ والبغيّ والبهيّ والخرِبْ
صبرا جميلا سنرى لمن تكون الغلبةْ
للجهد أم للحظّ أم للحقد أم للحبّْ؟