كانت حلا

كانت حلا

محمود شامي

في مساء خريفي تركت لي  تسجيلا صوتيا على الوتس آب،

_ الرابطة تحتضر ، رجاءا تواصل معهم بشأنها وبسرعة .

وصلتني رسالتها وانا في طريقي الى منزلي كانت طويلة ومقنعة، اخترت معها الصمت، أشعلت سيجارتي وسحبت نفسا منها وراء نفس بصمت، وأنا أشاهد ظاهريا رحلة دخان سيجارتي المتموج، والذي أحتل المكان، وأخذ يصعد إلى الأفق بطريقة عبثية تشبه عبثيته في رئتي التي احتلها، وتمكن منها ومن شعيراتها الهوائية، وتشبه كذلك عبثيتنا نحن اعضاء وابناء هذه الرابطة، في الحقيقة كنت معها (هي)، أفكر فيها وفي طلبها البسيط والمعقد ،، سحبت في النهاية ثلاث أنفاس منها بنفس واحد، ورميت بقاياها بعيدا، وسقطت فوق كومة أوراق أسقطها الخريف من شجرة تتوسط بنايتين في حي شعبي، أحدث عقبها الملتهب حريقا بالأوراق، كاد أن يمتد أكثر وأكثر، بعدما طال بالفعل كيس قمامة يقبع تحت شجرة، وقبل أن يمتد اليها وإلى المحيط، فصلت الكيس عن الشجرة وسكبت عليه علبة مياه معدنية كانت بحوزتي، استطعت إطفاء الحريق، وحصره في أوراق الشجر وكيس قمامة فقط، مع جرح بسيط في أطراف أصابع يدي اليمني..

نطقت أخيرا، وقلت : الحمدلله ثلاث مرات.

عدت إلى حالة الصمت مباشرة؛ ووصلت صامتا الى منزلي وقلت لنفسي:

 _كيف أتواصل معهم بعد كل ما حصل.

 وهذه المرة تريثت، لم أرد عليها في الحال،  في الحقيقة كتبت لها مباشرة رسالة طويلة، أتنفس فيها بعمق، كأنما يقطن في داخلي شيئا ثقيلا يرهقني، وعليه أن يخرج لأرتاح، أستغرقت كتابة رسالتي لها ساعة كاملة، وفحواها تبرير وشكوى وعتاب لا رابع لهم، وقفت أتأمل رسالتي لها لوقت طويل، توصلت إلى أنها لا تشبهها أبدا ، ولا يشبهني أن أقول شيئا عنهم في غيابهم ،

محيتها في ثانية واحدة، أغلقت النت، وضعت هاتفي على طاولتي، لجأت إلى السرير وقلت _”الصباح رباح، و يحلها ألف حلال”.

كنت أرفض فكرة التواصل معهم، كتبت لها حجتي في رسالة لم تصلها ؛

 _”توصلت يا آنستي إلى قناعة أننا لن نتفق في شيء، نحن يا آنستي للأسف موبوءون بداء العظمة والدونية في وقت واحد، ومصابون بداء مركب يتمثل في الجهل والحسد، إذا قال أحدنا هذا يمين، يقول الآخر دونما تفكير و مباشرة، لا لا هذا ليس يمين او يكون كل شيء إلا اليمين و فكرتك أنت، هكذا نحن آنستي، ولذا لن أستطيع فعل شيء اعذرني رجاءا”

رأيت إصرار المسكينة على التواصل معهم ، قرأت ذلك من صوتها الناعم والرقيق والذي أتمنى له أن يظل هكذا مدى العمر ، فأصوات الجميع بحت وشاخت هنا.

أحببت أن أخبرها شيئا عن واقعنا البائس الذي لا تعرفه ، لكني قلت لنفسي ربما تكون هي حلا …. وقلت لماذا  نقحمها في صراعنا وخلافاتنا التي لا تنتهي؟ لماذا نصدع رأسها المليء بالأفكار النيرة وكل ماهو إيجابي بأشياء سلبية من تعب ويأس وضجر ؟

وقبل أن أرقد دعوت الله أن يحمل الغد بشائر الخير.

في الصباح قررت أن أحطم أنفي وأعود إلى المحاولات مجددا وأحاول للمرة الألف..

 كتبت لها؛

 _إبشري الرابطة ستكون بخير.

تواصلت معهم بصور شتى، فردية مع البعض وجماعية، ومباشر، وغير مباشر مع البعض الآخر ، في النهاية استطعت الوفاء بوعدي لها ، والأهم من ذلك ان العملية نجحت بيسر، عكس توقعاتنا، .. بعدها تواصلت معها، وهذه المرة لم أكتب لها ، وإنما هاتفتها، أحببت أن أرى فرحتها، لا أسمعها ، وأرى بصمة الفرح في وجهها، وبريقه في عينيها عندما تعرف ما أحمله لها ..

سألتها :

_أين أنت الآن …… ؟

أجابت؛

_في مدخل حارتنا

قلت؛

_ انتظريني ، أنا بالقرب منك

 هرولت إليها مسرعا وأخبرتها وأنا ممتلئ بالفرح ،

_ وأخيرا ذاب … ،

وقبل أن أكمل جملتي قاطعتني، وهذه المرة بدت بنصف براءة ونصف دهاء (لم أكن أعرف نصفها الآخر) ، علا محياها الفرح والبهجة، ارتسمت على شفتيها ابتسامة عريضة، مع أني لم أقل لها شيئا يحمل كل هذه الدهشة بل لم أقل شيئا ،، خلعت بيدها اليمنى نظارتها الشمسية ، وباليسرى ناوشت خصلات شعرها التي تلاعبت بها رياح الخريف وساقتها الى وجهها، وأعادت خصلة الشعر حيث كانت، وقالت ؛

_ أعرف ما ستقوله، أعرف كل شئ ، مبارك لنا جميعا.

تمت

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :