كان شيء طازجاً منها – 1

كان شيء طازجاً منها – 1

بقلم :: إبراهيم عثمونة 
حين وضع يده على مقعدها ووجده دافئاً عرف على الفور أنها كانت هنا . وحين زاد ووضع اليد الأخرى تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن دقيقة واحدة أو اقل فصلته عنها ، وحين رفع رأسه للباب خالت له كما لو أنها كانت تتلفت وتنتظر دخوله ، ومن غير المستبعد أنها سألت السوداني عامل المقهى ، وحين لم يفدها السوداني بشيء ، وانتظرت هي قليلاً ، وتأخر هو ولم يأتي ، غادرتْ.
تصورها وتصور حتى لفتاتها لباب المقهى وهي ترقبه في لحطة ما ، وتصورها كيف انسحبت من هنا ، في حين كان زبائن المكان الذين يجلسون يمينه وشماله يراقبونه وتابعون حركة يديه على مقعدها الدافئ ، وكان هو يفكر فيها بحرقة حين شعر كما لو أنه وصل المطار ولم يجد من طائرته سوى أزيزها في الجو . ضاق علمه وأدار وجهه عن الناس الموجدين الذين لا يعرفون ما معنى أن تأتي المطار ولا تجد طائرتك.
وضعته سيارة الأجرة من قريته في المحطة فجاء مسرعاً وهو ينظر لساعته وكان في أحياناً كثيرة يتكلم مع نفسه بصوت سمعه حتى المارة القريبين منه ، وكان مسرع الخطى ، لكنه لم يتصور أبداً أن يصل ولا يجدها ، ولم يتخيل مطلقاً إن هو وضع يده على مقعدها فسوف يجده دافئاً على هذا النحو.
شاهده عامل المقهى يدخل ويتقدم مباشرة ويقف عند تلك الطاولة ، فابتسم ، ثم شاهده يمد يده بدون تردد ويضعها على مقعدها فابتسم هذا السوداني أكثر وعرف أن دقيقة واحدة أفسدت كل شيء ، وشاهده يضع يده الثانية فشعر السوداني برغبة لو يشاركه ويضع يده معه على مقعدها ، وانتابت السوداني حسرة لأنه لم يعترض طريقها ويُمهلها لدقيقة . فأغلب الظن أنهما قد تواعدا في مقهاه وتحديداً على تلك الطاولة ، ومن غير المستبعد أنها أخبرته وربما اشترطت عليه بأنها سوف تجلس على هذا المقعد ، وإلا ما معنى أن يدخل هذا الشاب ولا شيء في باله سوى أن يختبر مقعدها ويكتشف أنها كانت هنا تنتظره وكانت تتلفت وكانت تنظر لساعتها وكانت وكانت وكانت ، وحين تأخر ولم يصل غادرت تاركتاً خلفها شيئاً طازجاً على بسطة مقعدها.
(غداً قد أجد كلاماً أجمل أتمم به هذه القصة)

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :