بقلم :: إبراهيم عثمونة
كم تمنى “أبراهيم” لحظتها لو يتركه كل هؤلاء الزبائن الموجودين بالمقهى لوحده ويخرجون عنه ،
أو حتى لو يخرجون ويحملون معهم كراسيهم ويلحق بهم هذا السوداني ويسحب باب المقهى خلفه ليبقى هو ومقعدها ولا شيء آخر . كم تمنى لحظتها لو تتوقف الساعة عن الدوران ويحتفظ هذا المقعد الذي بين يديه بحرارته إلى عام وعامين آخرين ، وكم تمنى وقتها لو لم يتأخر العالم والعلم في ابتكار الهواتف الجوالة التي تجول وتتجول في جيوب أصحابها وتعود بهم من حيثُ خرجوا . كان في حاجة إلى أي شيء يعيدها إلى مقعدها قبل أن يبرد.
شعر بشيء مزعج يُضيّق عليه أنفاسه ، وبرغبة في عمل شيء حين مرر نظرة حوله ووجد الجميع هنا ينتظرونه وينظرون له ، حتى أولئك الجالسون في أقصى المكان وقفوا عن مقاعدهم وتطاولوا على رؤوس أصابعهم وصاروا ينظرون له وليديه على مقعدها ، بل حتى مَن صادفهم عند الباب لحظة دخوله عادوا ووقفوا على النافذة من الخارج وصاروا ينظرون له وليديه الاثنتين فوق مقعدها.
لم يعتدل هو ، ولم يستقم على طوله بل ظل محنياً فوق الكرسي يغمر يديه في سخونتها ويفكر.
ما كان ابراهيم قبلها يعلم أن الحياة موجودة في الحرارة ، ولا أظنه فكر يوماً أن المخلوقات الحية هي حية بالحرارة التي فيها والمخلوقات الميتة ماتت بعد أن فقدت حرارتها ، ولم يخطر على باله مرة أن الشمس التي تشرق علينا كل صباح هي تشرق بالدرجة الأولى لتجدد الحرارة فينا . مر بباله كلام مثل هذا ويداه ما زالتا حيثُ هما فوق كرسيها . في حين ظل العامل السوداني واقفاً عند باب المقهى يراقبه عن كَتب وربما حتى يُفكر معه ويبحث عن آلية يمكن بها غرف هذه السخونة من مكانها ونقلها إلى مكان يكون اكثر احتفاظاً بهكذا أشياء حساسة ، وكان هو يعي تماماً أن هذا الذي تركته فوق مقعدها هو شيء له وحده وليس لغيره لكنه للأسف لن يبقى طويلاً ما لم يقم بعملية انقاذ سريعة للمقعد.
ولكن كيف ؟!
(غداً قد أجد كلاماً أتمم به القصة)