صلاح إبراهيم
ضاقت الأرض بنا ولم تعد تسعنا حتى بتنا في نظرهم متطفلين و لاجئين، و تسببنا لهم بكومة من الأزمات، تمثلت في رفع سعر العقارات و الاستهلاك الزائد لما تنتجه شركة الأحمال.
لا شيء في الدنيا يدوم و لا هناك أبدية إلا للخالق والمحن والأزمات ظاهرها عذاب وباطنها رحمة .. رحمة لإظهارها الوجوه الحقيقية و خبايا النفوس البشرية، محك يظهر لنا المعدن الصافي من الملون و المغشوش.
سنوات عاشتها فزان في صدارة الإجرام و في قاع الهناء و الرخاء انطفأت فيها كل مشاعل الحياة و لم يعد يرى لها نور وهي تغرق في بحر الظلم و الظلام.
حتى سمائها غادرتها الطائرات بالرغم من أنها لم تغب عنها يوماً المسيّرات وهي ترصد حركة الدمار و الاقتتال وتحرص على أن لا تنطفئ شعلة الآبار التي تغذي خزائنهم بالمليارات … و في طرف المدينة التي غزتها الأمم القادمة من الصحارى و الأدغال كانت هناك شعلة تشع بالأمل و الحياة و يراقبها الوطن من أقصاه إلى أقصاه.. شعلة تغذي عقول المفكرين و الأدباء لم تكن مجرد شعلة تجلب الأموال، بل هي من تنير طريق الوطن والمواطنين.
{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }.
في زمن الفتن و الانقسام و تسييس كل ما يلامس العقول و يحرك الوجدان اندثرت سيدة المهن جليسة العالم وأستاذة المريد والموعد الذي يتلاقى فيه المفيد والمستفيد “الصحف” .. هناك في منبع القرارات و مركزية الحكم في الحال و الأحوال اختفت الأحبار و انعدمت الأوراق و انطفأت المطابع و تآكلت الأقلام فلماذا تشتري جريدة إذا كان في إمكانك أن تشتري الصحفي؟
أما العصية فكان حبرها مختلفًا عن البقية ، حبر يتدفق من عروق الرجال ويكتب الحاضر والمستقبل على الأرض لا على الأوراق و صوت العقل امتزج بصوت إطلاق النار ليصيغ عنواناً لا يشبهه أي عنوان وهو “أن للوطن رجال تصون عرضه وتعيد لاسمه الهيبة والكبرياء“.
خلال هذا العقد من الزمان تاهت الكتابات وتبعثرت الأعمدة و المقالات ولم يجد الصحفي و الأديب بيتاً يحتويه شرقاً و غرباً على حد السواء، عامان لا يعرفون معنى الطباعة ولا يتذوقون لذة ملمس الورق وقراءة النصوص و توصيل الكلمات.
عامان وطن بأكمله لا يعرف معنى الصحافة ولا ممارستها إلا من خلال شعلة فزان “صحيفة فسانيا” زهرة ولدت في قلب الصحراء يصل شذاها إلى أقصى الوطن و أدناه .
صفحاتها ظاهرها مقالات صحفية و كتابات إخبارية و أدبية و واقعها لحمة وطنية تجد فيها كُتاباً من هنا وهناك لا يتلقون التعليمات ولا يلقنون الأفكار، بل لهم حرية القرار والاختيار و أقلامهم تسبح في بحر الأفكار .
فسانيا… أغضبت المتملقين و هزمت الانتهازيين قبل أن تسعد المحبين.
فسانيا … دافعت عن المهنة و حرصت على الوطن في وقت كان فيه الكثير متاجرون و بأبخس الأثمان مساومون.
أقفلت في وجهها الأبواب و حرمت من حقوقها في الحياة ولأنها استنبطت طبعها من فزان قاومت وتمكنت من السير في طريقها لتكمل المشوار و تفي بوعدها بالمحافظة على حرية الفكر و نشر الإبداع.
العقد اليوم ازداد خمسًا أخريات و كلنا ثقة بأنه حتماً سيواصل الازدياد فمن يعرف صبر وقوة أهل فزان لا ينبهر من رؤية هكذا عمل جبار.
كل عام وصحيفة فسانيا حاملة لواء الصحافة الليبية بخير.














