كيف أصبحت فزان الحدود الجديدة لأوروبا؟

كيف أصبحت فزان الحدود الجديدة لأوروبا؟

تقرير عن دراسة لمجموعة للأزمات الدولية حول الجنوب الليبي

أعداد :: حسن منصور المهدي الوافي / إنعام أحمد عبد السلام ياقه                

صدر عن مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل بتاريخ 31/07/2017 دراسة بعنوان “كيف أصبح فزان الحدود الجديدة لأوربا”, ولما فيه من معلومات إستراتجية وافيه عن مشكلة من أهم المشاكل التي تعاني منها ليبيا بشكل خاص وكل المنطقة. نلخص لكم أهم ما ورد في هذه الدراسة أدناه والتوصيات التي خلصت إليها الدراسة.

الملخص التنفيذي:

في عام 2016 عبر ليبيا نحو أوروبا أكثر من 160.000 شخص عن طريق التهريب.

تأمل أوروبا وخاصة إيطاليا بأن يساعد تحقيق الاستقرار والإنماء الاقتصادي في فزان إلى وضع حد لتدفق اللاجئين , إلا أن ذلك لن ينجح دون معالجة الأزمات الأوسع في البلاد.

التشديد على أهمية التنسيق مع الحكومة المعترف بها دوليا (حكومة الوفاق الوطني) وأن ترتبط الجهود الأوربية لمعالجة مسألة الحوكمة “بالمبادرات الوطنية في ذات السياق”.

يعاني إقليم فزان من مشاكل عديدة على رأسها ركود الاقتصاد القانوني , وازدهار نظيره غير القانوني نتيجة لشلل المؤسسات الاقتصادية والمالية الوطنية.

الإقليم غني بالموارد الطبيعية ولكن يعاني من غياب سلطة مركزية قادرة على فرض النظام.

المردود المالي من التهريب بجميع أشكاله (البشر, المشتقات النفطية, الأسلحة, الذهب, المخدرات) يتفوق بكثير على مكاسب الأنشطة القانونية.

جرى استغلال التوترات الإثنية والقبلية والتي فاقمها الفراغ السياسي والمنافسة الاقتصادية بين الفصائل المتناحرة, والمتنافسة على السيطرة على البلاد, وكذلك التدخلات الإقليمية والمرتزقة الأجانب والتنظيمات الجهادية العابرة للدول والصراعات الداخلية.

تحقيق الاستقرار سيكون صعبا جدا ولكن إقليم فزان أُهمل أكثر مما ينبغي مما عاد بالضرر على سكانه وجيرانه وأوروبا.

أكبر التحديات هو الاقتتال الجاري حاليا بين التحالفات العسكرية المتنافسة.

حكومة الوفاق لا تتمتع بمكانة تذكر وليس لها سوى حلفاء قلائل في فزان, وعلى النقيض فأن الفصائل المتحالفة مع الجيش الوطني بقيادة حفتر تتمتع بنفوذ أكبر , وكذلك الفصائل التي تعارض حفتر والسراج على السواء.

ازدادت حدة القتال بين هذه القوى المختلفة منذ مطلع عام 2017, ويبدو أن الدعم العسكري السري لها سيزداد.

سرع من امتداد الخصومات الوطنية إلى الجنوب التوترات القبلية الواقعة بين القبائل التي خاضت خمسة حروب متتالية منذ عام 2011, ورغم اتفاقيات وقف إطلاق النار إلا أن مخاطر تجدد القتال مرتفعة ,جزئيا بسبب عدم تقديم التعويضات المالية التي وعد بها وتأخر تنفيذ خطط إعادة الإعمار.

من دون معالجة قضايا الحوكمة, والقضايا الاقتصادية والأمنية في الجنوب, فأن عودة الأوضاع السياسة والعسكرية الأوسع إلى طبيعتها ستكون مستحيلة, وهذا يتطلب استثمارات بعيدة المدى.

يوجد خطوات فورية بإمكان السلطات الليبية, والحكومات الأوروبية اتخاذها لتحسين العلاقات بين القبائل الجنوبية وتحسين الأحوال المعيشية, وهذا سيقلص من نشاط التهريب.

يمكن للمانحين الأجانب العمل مع حكومة الوفاق الوطني لإحياء المشاريع الزراعية في الجنوب التي تداعت وانهارت.

يوجد مسؤولية على المؤسسة الوطنية للنفط في زيادة التوظيف من المنطقة الجنوبية وتعزيز الاستثمار في مشاريع التنمية الاجتماعية المحلية.

توسيع دائرة الحوار لتشمل القادة العسكريين وقادة المجموعات المسلحة المحلية والتركيز على القضايا الأمنية إلى جانب الزعماء القبليين ونشطاء المجتمع المدني , كخطوة أولى نحو حوار أمني على مستوى البلاد لتحديد كيفية بناء قوات أمنية وطنية حقيقية وتعيين العاملين فيها من جيش وشرطة وهي مسألة مركزية.

من الخطاء أن تسعى بعض الدول الأوروبية إلى الالتفاف على مثل هذا الحوار بحثا عن حل عسكري أسرع فأن أي محاولة لفرض حل من خلال القوة العسكرية وحدها من المرجح أن يغذي المزيد من عدم الأستقرار, وبشكل أوضح, فأن عقد تحالفات مع ميليشيات محددة وتجنيد رجال محليين يتمتعون بالقوة سيفاقم الصراعات القائمة أصلا,علاوة على إن الأرباح التي يحققونها من السوق السوداء ستفوق أي مبالغ نقدية يمكن أن تدفعها الجهات الخارجية من أجل شراء الولاء,

أخيرا هذه الخطوات ليكون لها أثر دائم تتطلب التوصل إلى درجة أكبر من التوافق بين الجهات الدولية المعنية, داخل أوروبا يتطلب هذا درجة أكبر من التعاون بين فرنسا وإيطاليا اللتان تركزان على فزان ولكل منهما أسبابها الخاصة, وبشكل أوسع فأن على الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبلدان الأخرى ينبغي أن تسعى لتحقيق حدة التوتر بين دول الخليج العربي أو على الأقل الحد من أثارها على ليبيا.

بشكل عام على جيران ليبيا والقادة الإقليميين والقوى الدولية أن تتوافق على مبادئ مشتركة لمعالجة الوضع في ليبيا بدلا من منح الأولوية لمصالحهم المباشرة الضيقة، مما سيساعد على تجنب مفاقمة الوضع السيئ أصلا ويعتبر مصلحة لليبيا والمنطقة.

أولا | المقدمة:

يشير التقرير إلى أن إقليم فزان أصبح محور تركيز صناع السياسات للحد من تدفق المهاجرين عبره والذي يتوقع أن يرتفع بنسبة 20% في عام 2017.

يسعى صناع السياسات الأوروبيون الآن إلى التدخل مباشرة في فزان من خلال برامج الاستثمار الاقتصادي والتعاون الأمني مع القوى المحلية.

لإنجاح أي مساعي بالتدخل الخارجي في فزان يقدم التقرير دراسة عن النزاعات القبلية والإثنية والصراعات الجارية والمصاعب الاقتصادية فيه من خلال عمل ميداني في الجنوب الغربي خلال شهري مارس وأبريل 2017.

ثانيا | معلومات عن الجنوب الليبي (فزان)

لطالما كان جنوب غرب ليبيا تاريخيا معبر للقوافل التجارية بين أفريقيا جنوب الصحراء وساحل البحر المتوسط, ولا يزال يمارس هذا الدور في الغالب عن طريق التهريب في ظل غياب سلطة الدولة.

بعد عام 2011 اندلعت العديد من الحروب في الإقليم بين المجموعات المحلية ومن أبرز أسبابها:

  1. التنافس على طرق التهريب.
  2. عدم وجود العدالة المجتمعية في حقوق المواطنة.
  3. سهولة الوصول إلى مخزون الأسلحة التي تركها النظام السابق.
  4. التنافس على المواقع الإستراتيجية والثروات في الإقليم.

 

الجغرافيا والموارد الطبيعية:

ينتج إقليم فزان حوالي 400.000 برميل من النفط يوميا أو ما يعادل ربع أنتاج ليبيا, وغنية بالغاز الطبيعي, ومنذ عام 2014 ظهر نشاط التنقيب وإنتاج الذهب دون أشراف أو رقابة الحكومة.

يقطن إقليم فزان حوالي 500.000 نسمة منهم 200.000 في العاصمة الإدارية للإقليم سبها. وتشكل بلدة براك الشاطئ المدخل الغربي لفزان والرابط بطرابلس، بينما تعتبر الجفرة المدخل الشرقي لفزان وتربطها بسرت ومصراتة, وقد تقاتلت الفصائل العسكرية للسيطرة على هاتين المنطقتين منذ عام 2015 لموقعهما الاستراتيجي كبوابتين إلى الجنوب الغربي لليبيا.

أغلقت السلطات الجزائرية حدودها مع فزان في أعقاب هجوم يناير 2014 على مجمع غاز عين أميناس الذي نفذه جهاديون عبروا الحدود الليبية، وأغلقت السلطات التشادية حدودها مع ليبيا في يناير 2017 ولكنها تسمح بعبور قدر محدود من التجارة بضغوط من سكان شمال تشاد. الحدود مع النيجر هي الأكثر استخداماً في تهريب البشر عبر طريق يصل مداما (التي تتمركز فيها قوات فرنسية) إلى سبها مروراً بالقطرون، بينما يستخدم المهربين مثلث السلفادور لتهريب المخدرات والأسلحة والمواد الممنوعة وليس البشر. أما على الجانب الليبي للحدود فلا يوجد مقاومة تُذكر لضلوع قوات الأمن المحلية في الاتجار بالبشر أو لأن المهربين يفوقونهم تسليحاً.

السكان:

يشكل سكان فزان ما نسبته 10% من سكان ليبيا وينقسمون إلى:

قبائل عربية/ بعضها كبير وقوي مثل أولاد سليمان الموجودة أيضاً في النيجر، والقذاذفة الغنية والتي كانت تتمتع بنفوذ في عهد القذافي، وقبيلة أولاد حضير ذات النفوذ الديني.

أقليات غير عربية/ مثل التبو والطوارق والفزازنة (الأهالي)؛ التبو مجموعة أثنية تضم قبائل مختلفة موجودة في شمال تشاد وأجزاء من النيجر وجنوب ليبيا، الطوارق تاريخياً شعب بدوي أمازيغي بربري يسكنون المناطق الواقعة في جنوب ليبيا والجزائر وشمال مالي ومعظمهم لديهم الجنسية الليبية ولكن هناك نحو 20,000 أسرة وصلت ليبيا أواخر الثمانينات، والفزازنة مجتمع محلي معرب بالكامل وبقوا على الحياد في النزاعات التي نشبت بعد عام 2011 لأنها غير ضالعة في الاتجار عبر الحدود – بينما القبائل الأخرى تتنافس على السيطرة على طرق التهريب.

منذ عام 2011 انتقل الآلاف من البلدان المجاورة إلى جنوب ليبيا ويزعمون أنهم ليبيون مما يُضيف تعقيداً للمشهد الاجتماعي.

ثالثاً | الأنشطة الاقتصادية (القانونية وغير القانونية) في الإقليم:

تتمحور الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة على التهريب بأنواعه ويشمل ما يلي:

الاتجار بالبشــر

غالبية المهاجرين غير الشرعيين يدخلون ليبيا من النيجر أو تشاد، كما تعبر أعداد أصغر من الجزائر ومعظمهم يمرون عبر سبها. تقدر العائدات السنوية للاتجار بالبشر في ليبيا بنحو 1 – 1.5 مليار دولار.

تنقسم ممرات التهريب إلى أجزاء تسيطر عليها مجموعات مختلفة، فالتبو يسيطرون على الحدود مع النيجر إلى سبها وهو المسار الذي يستخدمه غالبية المهاجرين، فيما يسيطر الطوارق على الطريق بين الحدود الجزائرية إلى سبها – المرحلة الثانية من سبها إلى الشويرف يسيطر عليها مهربوا المقارحة، وما بعد ذلك تسيطر على الطرق قبائل أخرى.

نظراً للعائد النقدي الفوري المغري فإن العديد من الشباب تخلوا عن دراستهم للانخراط في هذه التجارة، ويُستبعد أن تتخلى القبائل الضالعة فيها عنها في حال قُدمت لهم مصادر عمل بديلة.

التهريب

مشكلة تهريب الوقود ممتدة من حقبة النظام السابق إلا أنها تفاقمت جداً بعد عام 2011 وتُقدر عائداتها بنحو 2 مليار دولار (20% منها تتم عن طريق الحدود الجنوبية). تدعم ليبيا الوقود حيث يباع اللتر ب0.15 دينار ليبي أي ما يعادل 0.02 دولار بسعر صرف السوق السوداء، في وقت يباع فيه في دول الجوار بنحو دولار للتر، مما يجعل أرباح تهريب وإعادة بيع الوقود هائلة جداً. يسيطر أصحاب محطات الوقود على هذه التجارة.

التنقيب على الذهب

أكتشف وجود فلزات الذهب في السهل الصخري في الصحراء الليبية المحاذية لتشاد عام 2013. ويتم استخراج حوالي 15 كيلوجرام من الذهب يومياً (ما قيمته محلياً 400,000 دولار). ولا تمارس أي من الحكومات الليبية المتعاقبة أي إشراف أو رقابة.

انهيار منظومة الاقتصاد المشروع

أدى انهيار سلطة الحكومة والاقتتال والتهريب إلى تدمير ما تبقى من الاقتصاد المحلي القائم على الزراعة وصناعة النفط.

الزراعة:

معظم المشاريع الزراعية تملكها الدولة ونستخدم المياه الجوفية العذبة وتقنيات ري مركزية أمريكية لزراعة الحبوب وتربية المواشي. وصلت هذه المشاريع إلى حالة سيئة للغاية بسبب غياب الأمن وسرقة المعدات والمولدات الكهربائية وتوقف التمويل الضروري لاستمرار العمليات الإنتاجية من وزارة الزراعة في طرابلس، وتقدر هيئة تنمية فزان احتياجات المشاريع الزراعية في الجنوب بحوالي 400 مليون دولار.

صناعة النفط:

غالبية إنتاج فزان (400 ألف برميل يومياً) يُصدر عبر أنبوب السيل الأخضر الذي يمر تحت الماء إلى صقلية بإيطاليا، إلا أن هذا الإنتاج قد توقف بشكل متكرر بسبب قفل المجموعات المسلحة في الشمال الصمامات أو وقف الحراس التبو الإنتاج في حقل الفيل. يوجد اعتقاد سائد لدى السكان المحليين بأن ثرواتهم “تغذي الشماليين” ويدعم هذا التصور حقيقة أن حقول النفط لا توظف سوى عدد قليل منهم، وكذلك تشكو المجتمعات المحلية التي تعيش بالقرب من حقول نفط الشرارة والفيل من عدم وجود أي تنمية تُذكر من الشركات النفطية على الرغم من أن القانون الليبي يلزمها بذلك.

رابعاً | الوضع الأمني في الإقليم:

بعد أحداث عام 2011 ترسخت مكانة العصابات الإجرامية وشبكات التهريب، ونتيجة لتصاعد النشاط الإجرامي والاقتتال بين القبائل وسهولة الوصول إلى الأسلحة تعطلت الشرطة المحلية حيث لا يوجد سجن يعمل ولا مركز احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين في سبها أو أوباري أو غات، وكذلك قوات الجيش التي يُقدر عددها في الإقليم بحوالي 18,000 ترفض استئناف الخدمة الفعلية لخشيتهم من النزاعات في المنطقة ولضبابية المشهد السياسي الوطني. وحالياً يسود انعدام القانون على الرغم من نشر وحدات عسكرية مختلفة من الغرب والشرق في المنطقة.

استمرار الصراعات المحلية:

منذ عام 2011 تسببت خمسة صراعات محلية بمقتل المئات وهناك ثلاثة محاور رئيسية لهذه الخصومات:

  1. صراع التبو ضد أولاد سليمان/ اندلع هذا الصراع بعنف شديد عام 2012 وتجدد عام 2014 بعد خروجهما منتصرين كحلفاء ضد النظام عام 2011 ولكنهما تحولا ضد بعضهما البعض عندما بدأتا التنافس على الوصول إلى أموال الدولة والسلع المدعومة من الدولة كما كانتا ضالعتين في التهريب إلى البلدان المجاورة.
  2. صراع القذاذفة ضد أولاد سليمان/ تندرج هذه الخصومة ضمن صراع الخاسرين ضد الرابحين فر حرب عام 2011، حيث دار القتال بين القبيلتين في سبها عام 2014 ومرة أخرى تجدد عام 2016 – إلا أن الانقسام بين المؤيدين والمعارضين للقذافي حل محله الولاءات المؤيدة أو المعادية للجيش الوطني الليبي (الذي يقوده حفتر).
  3. صراع التبو ضد الطوارق/ اندلع العنف في أوباري وسبها في عامي 2014 و2015 حول الانقسامات السياسية والعسكرية على مستوى البلاد والتمويل الخارجية وتدفق المقاتلين الأجانب بعد أقل من شهر من نشوء حكومتين وبرلمانين متنافسين في أغسطس 2014. تحول التبو والطوارق من كونهما حليفين وثيقين ومتحدين عامي 2012 و2013 (في مسعاهما لتحقيق حقوق الأقليات والحقوق اللغوية) إلى خصوم. حكومة الشرق دعمت التبو في مسعاها للسيطرة على أوباري، وحكومة طرابلس ومصراتة دعمت الطوارق. كما كان للصراع بُعد اقتصادي حيثُ تسعى القبيلتين للسيطرة على طرق التهريب إلى النيجر.
  4. معظم الصراعات انتهت دون رابح واضح، وحالياً ليس هناك صراع نشط بين هذه المجموعات إلى أن اتفاقات وقف النار لا تزال هشة ويوجد فرص لاستئناف القتال، وأحد الأسباب يتمثل في عدم دفع التعويضات النقدية لأسر من قُتلوا (يُذكر أن قطر تعهدت بدفع هذه الأموال إلى التبو والطوارق للضغط عليهما لإيقاف الحرب في أوباري) هناك إشكالية مشابهة في جهود المصالحة بين أولاد سليمان والتبو حيث لا يوجد وضوح من سيدفع أو إذا كان أحد سيدفع وهذا ما تسبب في المشاكل والاستياء في اجتماع روما بين ممثلين عن الطرفين برعاية وزارة الداخلية الإيطالية وحضور عبد السلام كاجمان ممثلاً للمجلس الرئاسي في مارس 2017 (يّذكر أن حكومة علي زيدان تعهدت بدفع هذه التعويضات).
  5. جبهة المعارك في الجنوب:
  6. منذ الانقسام السياسي عام 2014 أصبح الجنوب أحد جبهات المعارك في هذا الصراع حيث تتواجه قوات مصراتة المتحالفة مع المؤتمر الوطني العام ضد الجيش الوطني الليبي الموالي لحكومة الشرق.
  7. القوة الثالثة هي وحدة عسكرية مصراتية وصلت سبها في فبراير 2014 لوقف الحرب بين أولاد سليمان والتبو وتضم حوالي 4000 مسلح وسيطرت على القاعدة العسكرية الرئيسية في تمنهنت وضمت إلى صفوفها بعض المجموعات المسلحة المحلية ولكنها انسحبت أواسط عام 2017 على إثر تنامي الإستياء من فشل هذه القوة في وضع حد للتدهور الأمني وزيادة مستوى الجريمة والهجرة غير الشرعية، وحل محلها وحدات عسكرية محلية ومن الشرق موالية للجيش الوطني على إثر الهجوم على قاعدة براك الشاطئ الجوية من قبل سرايا الدفاع عن بنغازي والقوات الموالية لمصراتة
  8. تقاطع الولاءات وتغيرها:
  9. القبائل والمجموعات الإثنية ليست موحدة الولاء ككيانات ولكن يوجد انقسامات داخل كل قبيلة ومجموعة إثنية، فجزء من الطوارق متحالفون مع حكومة طرابلس بينما يقاتل آخرون لصالح حفتر ويبقى غيرهم على الحياد، وكذلك الوضع عند التبو والقبائل العربية. جزء من هذا الانقسام بسبب تهديدات حكومة طرابلس بقطع المرتبات عمن لا يمتلكون أرقام وطنية والتي عُمل بها عام 2013 للسيطرة على رواتب القطاع العام.
  • ورقة المقاتلين الاجانب (غالبيتهم من المعارضة التشادية والسودانية) استخدمها كِلا الطرفين، حيث يستخدم التحالف الموالي لمصراتة حركات المعارضة المسلحة من تشاد مثل (جبهة التغيير والوفاق في تشاد)، بينما تُقاتل مجموعات سودانية ودارفورية إلى جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر مثل (حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان/ ميني ميناوي).

خامساً | دور حكومة الوفاق الوطني والجهات الدولية في فزان:

تفتقر الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس لأي نفوذ في فزان، وكذلك المنظمات الدولية والإتحاد الأوروبي ومعظم دوله لها نشاط محدود على الأرض، وحدها إيطاليا تحاول تنفيذ خطة لتعزيز الاستقرار في الجنوب.

  • الدولة المركزية:
  • تاريخياً سلطات الدولة في طرابلس لا تمتلك نفوذ مباشر في فزان بنفس القدر كالأجزاء الأخرى من البلاد، إلا أن وجودها لم يكن قط هامشياً كما هو الحال اليوم. الخصمان الرئيسيان لحكومة الوفاق وضعهما أفضل قليلاً، فممثلون عن حكومة الغويل وقوات الجيش الوطني التابعة لحكومة الثني تواجدوا مؤخراً في أبريل 2017 في مدينة مرزق ولكن ليس السراج.
  • المجتمع الدولي:
  • حتى وقت قريب تجاهل الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء جنوب ليبيا بوصفه “منطقة لا نمتلك فيها شريكاً مؤسساتياً” وذلك لهشاشة الحكومة في طرابلس وافتقارها للقدرات التشغيلية في منطقة فزان والمنطقة الحدودية. ونتيجة لذلك فإن الجهود الأوروبية للحد من تدفقات المهاجرين تركزت حتى وقت قريب على وقف المهربين في المياه الدولية قرب الساحل الليبي وفي النيجر.
  • القوة البحرية المتوسطية التابعة للإتحاد الأوروبي المعروفة بعملية صوفيا والتي تأسست عام 2014 حاولت وقف التهريب وشبكات الاتجار بالبشر بين ليبيا وأوروبا وإنقاذ المهاجرين في البحر. وعلى الرغم من جهودها في تدريب حرس السواحل وتسيير رحلات العودة الطوعية إلى الأوطان وتعزيز أنشطة وكالات الأمم المتحدة المتعلقة بالمهاجرين، فإن تدفقات المهاجرين من ليبيا إلى أوروبا استمرت بالتزايد. كما لم تنجح جهود منع الأشخاص من دخول ليبيا عبر دعم العمليات التي تقودها الحكومة النيجرية لملاحقة المهربين في أغاديز عام 2016 والتي قلصت عمليات الدخول لفترة وجيزة، إلا أن عدد المهاجرين ارتفع مرة أخرى أواسط عام 2017.
  • في مطلع عام 2017 حول صناع السياسات الأوروبيين اهتمامهم وقرروا معالجة المشكلة أيضاً في جنوب ليبيا، وبعض الداعمين الدوليين لحكومة السراج حريصين على لعب دور قيادي خصوصاً إيطاليا وألمانيا وفرنسا (على مدى السنوات الماضية تجنبت البلدان الغربية والمنظمات الدولية العمل في الجنوب الليبي)، ولكنهم حتى الآن لا يعرفون من أين يبدؤون!
  • في أبريل 2017 خصص الإتحاد الأوروبي 90 مليون يورو للمساعدات التنموية لليبيا ومن المعتزم أن تنفق على مشاريع في الجنوب، وذكر مسؤولو الإتحاد الأوروبي إنه يمكن تخصيص أموال إضافية لمثل تلك المشاريع، إلا أنه تواجههم صعوبة حتى الوصول لتنفيذ مشاريعها.
  • الاستثناء هو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يعمل معه موظفين محليين في أوباري وسبها في إعادة تأهيل المستشفيات والمدارس المحلية وشبكات الصرف الصحي. كما تنشط العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية في مشاريع المصالحة ولكن تحدث هذه المبادرات خارج ليبيا. معظم المنظمات غير الحكومية الأجنبية تخلت عن مشاريعها بإطلاق عملياتها في سبها بسبب المخاوف الأمنية. تحاول عدد من وكالات الأمم المتحدة تنفيذ مشاريع تنموية في جنوب ليبيا من خلال العمل مع شركاء محليين أو جمعية الهلال الأحمر الليبي. واجهت المنظمة الدولية للهجرة التي لديها وجود في سبها مشاكل في العمل وشبهت التعامل مع المهاجرين بتجارة الرقيق.
  • تنوي إيطاليا إطلاق مشروع لتعزيز الاستقرار، حيث عقدت منظمة غير حكومة تمولها الحكومة الإيطالية اجتماعات مع شركاء معنيين من الجنوب الليبي لإطلاق مشروع طموح بعنوان “خطة من أجل السلام والاستقرار والأمن في جنوب ليبيا”. يهدف إلى مواجهة الهجرة غير الشرعية والاتجار غير القانوني والإرهاب، وتشمل برنامجاً للمصالحة القبلية، ومراكز ثقافية وطنية، ومشروعاً اقتصادياً لإنشاء مراكز صناعية ووحدات شرطة لمكافحة التهريب غير الشرعي يتم تجنيد أعضائها من المجموعات الضالعة حالياً في تهريب البشر، وتُقدر التكاليف الأولية بحوالي 90 مليون يورو تسعى إيطاليا للحصول على تمويل لها من الإتحاد الأوروبي.

خامساً | خلاصة ومضامين سياسية أوردتها الدراسة:

بإمكان السلطات الليبية والإتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية اتخاذ خطوات لتحسين الظروف في المنطقة والتي ستحد من نشاط تهريب البشر.

الأمن:

  • يجب تجنب إطلاق الوعود الفارغة مثلاً في المفاوضات القادمة بين المجموعات القبلية (أولاد سليمان والتبو) لإحلال السلام ينبغي تعديل التوقعات حول التعويضات النقدية واستبدالها بالتركيز على قضايا مثل الأمن وحرية الحركة والوصول إلى خدمات مثل المستشفيات والجامعات.
  • معالجة التحديات الأمنية في ليبيا بالأخذ بعين الاعتبار وضع الجنوب حيث يجب إشراك القادة العسكريين للمجموعات المسلحة العاملة في الجنوب وإشراكها في حوار أمني على المستوى الوطني.
  • سيعتمد تحقيق الاستقرار في الجنوب بشكل كبير على حصيلة التنافس بين المجموعات المسلحة المتحالفة مع حكومة الوفاق وتلك التابعة للتحالف العسكري الذي يقوده المشير حفتر.
  • كانت مجموعة الأزمات قد حثت في الماضي على إجراء حوار وطني لمعالجة هذا الانقسام، إلا أن هذا الحوار لم يحدث وركزت الأحاديث حول الأمن على إنشاء منطقة أمنة في طرابلس وحولها وهذا أمر حيوي ولكنه غير كافي لأنه لن يكون له أثر على باقي أنحاء البلاد بما في ذلك الجنوب. إن استعادة جيش وطني مندمج وفعال له سلسلة قيادة واضحة أمر حيوي سواء على المستوى الوطني أو في الجنوب.
  • يجب معالجة الوظائف الأمنية الأخرى – الشرطة العادية وتأمين المنشئات النفطية وحرس الحدود .. إلخ، في أي إستراتيجية جنوبية وكذلك في الحوار الوطني الأوسع.
  • ينبغي على بعثة الأمم المتحدة للدعم أن تضطلع بدور قيادي في بناء وإجراء حوار أمني وضمان أن يشمل القضايا المتعلقة بالجنوب، وأن تتواجد في الجنوب.
  • على مختلف الدول الأوروبية أن تنسق الأجندات السياسية والإستراتيجية المختلفة بدرجة أكبر، حيث يمكن للتوترات بين روما وباريس حول خارطة الطريق لكل منهما لتحقيق الاستقرار في ليبيا أن تمتد للجنوب. أولويات فرنسا وإيطاليا منفصلة وأحياناً متعارضة، فباريس يشغلها الاستقرار الاستراتيجي في منطقة الساحل لكونه منطقة نفوذ فرنسية في أفريقيا ولانتشار قواتها فيه، بينما لروما مصالح تتعلق بالطاقة في ليبيا ومهتمة بوقف تدفق المهاجرين.
  • لقد قدمت إيطاليا وفرنسا دعماً سياسياً وفي بعض الأحيان عسكرياً لأطراف متنافسة في الصراع الليبي، حيث قدمت فرنسا لقوات الجيش الوطني الليبي دعماً عسكرياً سرياً عام 2016، وإيطاليا دعمت قوات البنيان المرصوص من مصراتة، رغم أن كلاهما يؤيدان علناً العملية الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة.
  • تتمثل الدوافع بالنسبة لأوروبا بأكملها في مسألة الهجرة، ويبدوا أنها تسعى إلى نوع من الشراكة مثل الذي نفذته مع تركيا لمنع وصول اللاجئين والمهاجرين إلى القارة الأوروبية (وهو أمر غير ممكن لعدم قدرة حكومة الوفاق على التنفيذ خصوصاً في فزان).
  • الخيار الأفضل هو فرض المزيد من الضغوط الدبلوماسية على جيران ليبيا الذين يتدخلون في شؤونها (خصوصاً مصر والإمارات العربية المتحدة اللتان تدعمان حفتر عسكرياً بشكل معطل)، كما يجب مقاومة إغراء اختيار رابحين في الصراعات المحلية أو الوطنية.
  • ينبغي على أوروبا دعم جهود الأمم المتحدة لتسوية الصراع الليبي وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الوطني وتأسيس مسار تفاوضي للاعبين العسكريين بهدف بناء قطاع أمني أكثر اندماجاً وتكاملاً.

 

  • البدائل الاقتصادية:
  • دون الأمن سيكون من الصعب بناء الاقتصاد، ودون بدائل اقتصادية سيكون من الصعب وضع حد للتهريب، وطالما استمر التهريب فإن سكان فزان سيكون لديهم حوافز لمقاومة الجهود الرامية لفرض الأمن.
  • وضع حد للصراع الليبي سيوفر فرصة للعودة التدريجية إلى الاقتصاد الشرعي وامتصاص العمالة الأفريقية كما كان الحال قبل عام 2011.
  • في ليبيا ثروات كامنة هائلة وبحاجة إلى قائمة طويلة من مشاريع البنية التحتية الرئيسية وإعادة الإعمار.
  • حتى مع استمرار الصراع وعلى المدى القصير والمتوسط هناك خطوات ممكنة ومحبذة:
    1. وضع دراسات جدوى دقيقة حول المشاريع الزراعية وإجراء دراسات لتحديد ما إذا كان الأفضل خصخصتها أو وضع هيكليات ملكية تعاونية أو شكل أخر من التنظيم الجماعي، ومساعدة الحكومة في تحسين قطاعها الزراعي.
    2. على وكالات الأمم المتحدة بالتنسيق مع حكومة الوفاق والسلطات البلدية المحلية أن تسعى إلى إعادة افتتاح مطار سبها وتسيير مفاوضات مع الفصائل الأمنية المحلية لتأمينه.
    3. على شركات النفط الدولية خصوصاً حول مرزق واوباري تنفيذ مشاريع تنموية صغيرة بالتعاون مع المجتمع المدني المحلي.

سادساً | توصيات معدي التقرير:

  • التشبيك مع مجموعة الأزمات الدولية عبر مكتب التخطيط السياسي والإستراتيجي ودراسة افتتاح مكتب لها في ليبيا للمساعدة في دراسة وإيجاد الحلول للأزمات التي تمر بها البلاد.
  • هناك فجوة كبيرة بين المخصصات المالية لتنمية الجنوب بالمقارنة مع الاحتياجات وكذلك العوائد المادية من الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية ويمكن جسرها بالتعاون مع المانحين الدوليين.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :