لماذا يضرب القضاء الليبي نفسه ويحارب بعضه؟ سؤالٌ بحجم الخوف على أخر ما تبقى من الدولة

لماذا يضرب القضاء الليبي نفسه ويحارب بعضه؟ سؤالٌ بحجم الخوف على أخر ما تبقى من الدولة

  • محمد بعيو

مهما كانت الأسانيد القانونية والإعتبارات المنطقية والموضوعية، التي بنت وأسست عليها الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا حكمها المباغت والقوي الذي أصدرته أمس، بشأن عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 11 لسنة 2021، بشأن تعديل بعض أحكام قانون نظام القضاء، ومع كامل الاحترام للسادة المستشارين القضاة، فإنه هذا الحكم يبدو {وهذا رأيي وتحليلي الشخصي} أنه كان موجهاً ضد رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار مفتاح القوي، أو أنه على الأقل المتضرر الأول منه.

ومهما كانت الحجج والأسانيد والدوافع وراء إصدار الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا لذلك الحكم، فإنني أقول للأسف ومن موقف الحريص على السلطة القضائية، أن القضاء الليبي دخل أمس مرحلة التشقق والإنقسام، وما لم يتم استدراك الموقف من طرف السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب، والمستشار عقيلة صالح شخصياً باعتباره إضافة إلى رئاسته للمجلس رجل قانون وقضاء، والسلطة القضائية ممثلة في المحكمة العليا والدوائر القضائية المتعددة، والمجلس الأعلى للقضاء، والسيد النائب العام بشخصه أولاً قبل وظيفته، فإننا سنقول على قضائنا الوطني السلام، وسيغدو آخر ما تبقى من معالم الدولة الليبية الفاشلة خراباً وحطام.

تلك الفقرة التي صدر حكم الدائرة الدستورية بإلغائها أو إبطالها، ألغت نصاً سابقاً في قانون نظام القضاء، كان ينص على أن يتولى رئاسة المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة العليا، ويكون رئيس التفتيش على الهيئات القضائية نائباً له، وأعادت تشكيل المجلس بحيث يكون المستشار رئيس التفتيش رئيساً له بدلاً من رئيس المحكمة العليا، ويكون المستشار النائب العام نائباً لرئيس المجلس.

كان نائب رئيس مجلس النواب السيد فوزي النويري أول المعترضين على القانون رقم 11 لسنة 2021 وقت صدوره في ديسمبر 2021، وتأسس موقفه آنذاك على أن هذا القانون تمت صياغته ودباجته في سبتمبر 2019 وقت انقسام مجلس النواب على نفسه، غير أن القانون مر وتم العمل به، بعدما عاد مجلس النواب إلى وحدته وقام بترميم بنيانه وتعزيز كيانه، غير أن ذلك لم يمنع من رفع دعوى طعن في دستورية المادة الأولى من القانون، وهي التي كانت محل نظر وحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا أمس الأحد.

المجلس الأعلى للقضاء اجتمع بكامل هيئته فور صدور الحكم بعدم دستورية وبطلان تشكيله، وأصدر بياناً هادئاً دعى فيه السلطة التشريعية مجلس النواب، إلى إصدار قانون بإنشاء محكمة تنازع الإختصاص، وهو ما سبق وأشار إليه السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء قبل أيام في حديث مُسرّب من داخل اجتماع المجلس، علّق فيه على النزاع الواقع بين مجلس النواب والمحكمة العليا بشأن قانون إنشاء المحكمة الدستورية، ويرى بعض أساتذة القانون الدستوري أن طلب المستشار مفتاح القوي من مجلس النواب إنشاء محكمة تنازع الإختصاص لا مبرر له ولا حاجة إليه، حيث أن قانون المحكمة العليا عالج هذه المسألة ولا حاجة إلى إصدار قانون جديد، وكل ما على المتنازعين اختصاصاً أن يلجأوا إلى النص الموجود الذي يحدد كيفية معالجة حالة التنازع، ويرى البعض أن حكم الدائرة الدستورية بعدم دستورية قانون معين أو مادة أو فقرة في قانون يقع نهائياً لا طعن عليه ولا تعقيب، ولا يمكن اللجوء إلى محكمة تنازع الإختصاص في هذه الحالة.

الكرة الآن في ملعب مجلس النواب الذي يعاني في لحظته الراهنة ما يعانيه من ضغوط وخلافات، وبوادر انقسام سيقع لا محالة إذا لم ينجح وهو سيد قراره ومنشيء السلطات، باعتبار شرعية التكليف التي لا مطعن عليها ولا خلاف حولها، في تدارك هذا الوضع وتوحيد صفه وإنهاء خلافاته، وتصحيح آليات انعقاده وإصداره القوانين والقرارات، والالتزام بالإعلان الدستوري والنظام الداخلي، والسعي لتحقيق النصاب الصحيح في جلسات صحيحة، وإصدار القوانين والتشريعات التي لابد من إصدارها، وفي مقدمتها إنشاء المحكمة الدستورية، وهو قادر على ذلك متى أراد ذلك، غير أن الخشية دائماً تكمن في ضعف أو غياب تلك الإرادة، وعلى مجلس النواب السلطة التشريعية المنتخبة التي لن تزيحها وتنزعها إلاّ سلطة تشريعية تأتي بالإنتخاب، أن يدرك مسؤولياته التاريخية عن حماية ما تبقّى من مقومات وجود الدولة الليبية، التي ستسقط بصورة نهائية إذا سقطت سلطتها القضائية، وأقول صادقاً وخائفاً إن القضاء الليبي هو بالفعل على حافة الإنهيار وعلى وشك السقوط، فليتدارك نفسه أولاً، وليتداركه كل المخلصين في هذا الوطن المتشظي، الذي أسأل الله وهو سبحانه على كل شيءِ قدير أن يدركه برحمته ولطفه قبل فوات الأوان.

وأكاد أقول قد أوشك أن يفوت الأوان لولا أن اليأس ليس من معالم الإيمان.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :