- أحمد صالح سعيد
إن من الأشياء الأكثر تعاسة أن تولد في دولة غارقة في فوضى السلاح و الانفلات الأمني اللامتناهي و لعل هذا الانهيار هو أحد نتائج الثورة و ثمنها الذي يدفعه أبناء هذه الرقعة الجغرافية. و لكن أليس الثمن الذي دفعناه و ندفعه كافيا ليستقر الوضع و تسير عجلة التنمية و البناء قُدماً مثل باقي الدول في العالم؟ كم هو محزن و مخجل أن ترى بلدك ينهار كل يوم بينما ترى بلدان العالم و المجاورة في تقدم من حسن إلى أحسن تنعم بالتعايش السلمي رغم محدودية ثرواتها و إمكانياتها.
فإلى متى سنظل نتحمل الفوضى؟ متى سينتهي الصراع و تصبح ليبيا مثل تونس وهو ليس بالأمر الصعب؟ تونس دولة مؤسسات و تداول سلمي على السلطة , أم أننا سندفعها ليكون مصيرها الدكتاتورية مثل مصر التي وقعت تحت وطأة حكم العسكر و هو شكل من أشكال الحكم الديكتاتوري وهذا ما يخشاه أصحاب العقول النيرة و الفكر الحر الذين يعتبرون بالماضي و يرون في هذا الخيار رجوع ليبيا إلى صفحات تاريخها المظلم حيث لا حرية تعبير عن الرأي الآخر, كما لا يمكن محاسبة المسؤولين عن تجاوزاتهم , حيث تحكم أسرة واحدة لعشرات السنين تتلاعب بأموال الشعب و تتصرف فيه كما تريد بلا رقيب و لا حسيب. متى سننتقل إلى فترة حكم ديمقراطي بعد حملات حزبية و انتخابات نزيهة و مناظرات بين المترشحين على التلفاز يحضرها الناخبون فيقيمون و يصوتون لمن يرونه مناسبا و مشروعه السياسي صالحا لحكم و تسيير شؤون العباد و البلاد. متى سينتهي مسلسل الصراع الداخلي على السلطة و التدخل الأجنبي العربي والغربي الممول لهذه الفوضى التي يموت فيها كل يوم أعداد كبيرة من الشباب يتقاتلون فيما بينهم؟ أخشى أن تنتهي هذه الحرب و قد خسرنا فيها ما لا يمكن استعادته أو تعويضه. ندعو جميع المؤسسات الإعلامية الصحافة المقروءة و المرئية و المسموعة (الصحف، التلفزيون و الراديو..) أن يلعبوا دورهم في توعية الشعب و إخراجه من سباته ليعلم أن المشكلة و الحل بيده, من يعلم ربما ستشهد ليبيا انتفاضة كبيرة و يخرج الشعب شرقا و غربا أو بأكمله من صمته و يُوقِف هذه المهزلة والسفاهة و يتيح الفرصة لمثقفيه و قادته لوضع قوانين صحيحة تضع البلاد في المسار الصحيح. إنه شيء مُخزٍ أن يشهد التاريخ الليبي حرباً أهلية و صراعاً مسلحاً و معاركَ كل الأطراف فيها خاسرة.
ما هو الحل النهائي لهذا الوباء الذي أصاب البلاد و أفقد الناس الأمل في العيش في ليبيا بسلام و بكرامة؟ دائما ما يردد الحكماء و النشطاء أن الحل النهائي بيد الليبيين, نعم هو كذلك و لكن من المقصود ب”الليبيين”؟ هل هم رجال السياسة أم الشعب؟ أظن أن الحل لدى الخيار الأخير و هو الشعب. إذا خرج الشعب الليبي بأكمله و من كل مكان حتى في الخارج أمام السفارات الليبية, رافضاً الصراع الداخلي على السلطة و التدخل الأجنبي و قام بإعادة تشكيل وترتيب حكومة انتقالية مكونة من الأقاليم الثلاثة تعمل على الاستقرار الاجتماعي و صياغة مشروع الدستور الليبي بمرجعية مدنية تحمي القانون و المؤسسات وكذلك الحقوق و الحريات فسوف تشهد ليبيا ولادة جديدة و تضمن بذلك الاتجاه نحو الاستقرار و التقدم و الازدهار. فهل سيخرج الشعب الليبي من صمته يا ترى؟ و يجتاز المرحلة الانتقالية بنجاح بعد انتفاضة شعبية سلمية واسعة يعبر فيها عن رغبته في التغيير والاستقرار ؟ أم أنه سيترك ليبيا في عنف متواصل و انفلات أمني وحروب متنوعة و بيئة ملوثة, الإنسان فيها يتقزم و قيمه تتأزم؟ فيا أيها الشعب الليبي هذه أرضك و الخيار لك و بيدك؟