هَذِهِ الْمُوسِيقَا “

هَذِهِ الْمُوسِيقَا “

  • عاشور الأطرش.

منذ مدّة سُئلتُ عن معنى أبياتٍ من الشّعر للمعرّى كنتُ قد نشرتها ، فاجأنى السّؤال ، وفى الوقت نفسه ، قفز مع السّؤال سؤال . أمّا عن الإجابة، فكانت محاولة متواضعة للوقوف على معانى كلمات بدت كبهرة بعيدة تراءت لسارٍ في تيهٍ شائك الليل .

ذلك أنّ شعر المعرّى ليس من اليسير الوقوف على كلّ معناه إلاّ لمن توغّل في اللغة وأحاط بدلالة كلماتها التي هي الأخرى تتعدّد ، زدْ على ذلك أنّني عند كتابتها طغت موسيقا الشّعر على معنى النّظم . وأمّا السّؤال الذى قفز فهو، هل يشترط لقارئ الشّعر أن يُحيط بمعناه ؟ وهل يفقد موسيقا الشعر التى تضيع إذا عسرَ المعنى ؟ وبالتّالي ينتصب القول : إذا أردت أن تستمتع بموسيقا الشعر ؛ عليك بفهم معناه وإلاّ فاستمع إلى قول الشّاعر : ” عليّ نحت القوافي من معادنها … وما عليّ إذا لم يفهم “. فالشّاعر هنا يصبّ اللوم على قارئه إذا لم يفهم ما ينظمه ، ولا أخاله يُضيف إليه عدم الاستمتاع بموسيقاه . ولا بأس من إضافة “أنام ملء جفونى عن شواردها … ويسهر غيري جرّاها ويختصم ” ، أو أنتظر إجابة أبي تمّام عندما سأله ” أبو العميثل ” لماذ لا تكتب ما يُفهم ؟ ويبدو الواقع كشاهد على عسر بعض الشّعر عن الفهم وما مقولة “المعنى في بطن الشّاعر” إلاّ الدّليل على ذلك . فليس بمقدور كلّ قارئ الإحاطة بمعنى ما يقرأ من الشّعر ولكن في الوقت نفسه هناك موسيقا تنبعث من الكلمات تُسمع الأصمّ ، وتثير العاطفة ، فتوحي بالطّرب أو الشّجن . إنّ من لا يحفظ السّلّم الموسيقي ” النّوتة” أو لا يعرف العزف على آلات الموسيقا؛ لا يعدم الاستمتاع بعذوبة اللّحن من تلك الآلات. إنّ الوزن في الشّعر مع القافية عبارة عن دروع بموسيقا تحفظه من الموت أو الاندثار ، كما أشار بهذا المعنى الشاعر والأديب الفرنسي ” بول فاليري ” ، مع ملاحظة أنّ للنّثر موسيقاه ولكنّها تبدو محدودة ، فمن أين لك بأمير البيان ” شكيب أرسلان ” ؟ . ومجمل القول … إنّ للشّعر موسيقا تتخطّى فهم معانيه ، ذلك أن موجاتها الأثيريّة تعبرها ، قد تصحبها وقد تتجاوزها ولكن هل لكلّ قارئ تلك الأذن المنصتة ، وذلك الّصدر المُستَقبِل ؟ ليطرق إلى ما يرى، ويسبح مع ما يستقبل ؟ . سؤال قد تعسر إجابته كما عسرت معانٍ لشعرٍ عسُرَ فهمه ، ولا بأس عليه في أن يُردّد مع حسّان بن ثابت .. تغنَّ بالشّعر إن كنت قائله … إنّ الغناء لهذا الشّعر مضمارُ .”

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :