ليبيا …. بصيرة أعمي !!

ليبيا …. بصيرة أعمي !!

  • المهدي يوسف كاجيجي

الاستاذ علي حسن الحضيري رحمه الله، كان المحامي الوحيد في ولاية فزان خلال حقبة الخمسينات من القرن الماضى. كان رجلا كفيف البصر، خفيف الظل، معارضا شجاعا ومشاغبا، له الكثير من المواقف والنوادر، من اطرفها دعوته مالكى السيارات فى الولاية، وكانت وقتها تعد على الاصابع ، بعدم دفع رسوم دمغة التجول ، التى كنا نطلق عليها وقتها ضريبة ” البل “.

لم يتوقف الأستاذ عند حد التحريض ، بل تقدم الى المحكمة برفع دعوى بعدم دستورية هذه الضريبة على مواطني سكان ولاية فزان، على اعتبار عدم وجود طرق برية معبدة ، والموجود منها عبارة عن طرق ترابية غير ممهدة . فى البداية ، تقبل المسئولون فى الولاية الموضوع كمزحة، ولكن القاضى الذى عرضت القضية أمام دائرته، وكان وأحدً جهابذة القانون فى مصر، من الذين تم استعارتهم لتنظيم القضاء فى الولاية ، فقام بتوجيه تحذير لحكومة الولاية بضرورة أخذ الموضوع بمحمل الجد، حتى لا يترتب عنه فتح أبواب كثيرة لقضايا غير متوقعة لا تحمد عقباها.

أليس من بيننا حقوقي رشيد ؟
تذكرت الرجل، وانا اعود بذاكرتى لاكثر من ستة عقود مضت، هروبا من حالة الاحباط والأكتئاب والفوضي واليأس التي نعيشها الان، وبحثا عن بصيص أمل فى أوراقنا القديمة، وسألت نفسى: اليس بيننا الأن حقوقي رشيد، لديه البصيرة التى كانت لمحامى كفيف البصر ؟ ، ليقوم نيابة عن شعب مهزوم مطحون، برفع دعوى أمام إحدي المحاكم الليبية، بعدم شرعية القوى المسيطرة على المشهد الليبي وعلى مفاصل ما تبقى من الدولة اللببية، من أفراد أو مؤسسات تشريعية وتنفيذية ؟

والطعن ببطلان قرارات الإقصاء التي شملت الخبرات الوطنية واستبدلتها بعناصر عديمة الخبرة من الاقارب والمعارف والمحاسيب، تحت شعار ” الولاء قبل الخبرة “. دولة فقدت سلطتها فى الداخل، وأصبح مسئولوها على سفر دائم، فى رحلات كبدت الخزينة الليبية المفلسة التكاليف الباهظة، فتحت لهم الأبواب المغلقة، وقاعات كبار الزوار، واستعرضوا طوابير الشرف، وعزفت لهم الموسيقى، والنتيجة انهم انسلخوا عن الجذور، وانفصلوا عن الوطن، وتمترسوا خلف الأجنبي.وكان حصادنا نحن كشعب الذل والقهر والأنهيار الكامل لكل المرافق، ومشكل الكهرباء نموذج صارخ للفشل الذريع فى إدارة الدولة، وما وصلنا له من دمار فى البنية التحتية، والاقتصادية، والأجتماعية. وأخيرا وليس أخرا توريطنا فى حرب لا ناقة لنا فيها ولا جملا، حرب خضناها نيابة عن آخرين، حرب وقودها دماء ليبية شابة وطاهرة .

أيها السادة، أعتقد أنه قد حان الوقت للتخلى عن حالة الصمت التى تسيطر علينا، وعلينا أن نعلن الرفض الكامل لحالة الظلم التى فرضت علينا من ذوى القربي، ضمن حراك وطني ليبي دون الأستقواء فيه بالأجنبي. وليكن القضاء الوطنى هو الملجأ والفصل والحكم ، ومن يدري ربما يدرك خصمنا الخجل فيتراجع، من أجل وطن نحن شركاء فيه، وإن فشلنا فليس لدينا ما نخسره بعد كل ما وصلناه من انحدار كقول المتنبي : [ أَنا الغَريقُ فَما خوفي مِنَ ألبلَلَِ ] . ورحم الله الاستاذ على حسن الحضيري المحامي وامد مبصرينا ببصيرته.

* الصورة: الاستاذ على حسن الحضيري المحامي، رحمه الله.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :